30 - 04 - 2025

د. محمد عبود الخبير في الشأن الإسرائيلي لـ "المشهد": جر مصر للصراع كابوس لأشد المتطرفين الصهاينة

د. محمد عبود الخبير في الشأن الإسرائيلي لـ

* لم تدرك حماس أن عملية طوفان الأقصى سوف تُشعر الصهاينة بأنهم في حرب وجودية لابد فيها من ممارسة أقصى درجات الإجرام لرد الضربة
* مازالت هذه الحرب في فصولها الأولى، ولن يحسم الإسرائيليون هذه الحرب بالاغتيالات وسلاح الطيران. وسوف تظل المعارك البرية هي فصل الخطاب في الحروب
* الاغتيالات سوف تمنح منظمات المقاومة فرصة لتجديد شبابها والدفع بخيول جديدة تريد أن تثبت ذاتها في ساحة الحرب ضد إسرائيل. 
* لن يفلت نتنياهو من العقاب في إسرائيل لكن المعادلة الثابتة في تل أبيب أن الحساب الختامي يتم بعد وقف إطلاق النار.
* لا أرى مبررًا للمبالغة في تقدير أثر الهجرة العكسية على المجتمع الإسرائيلي، ولا أعتقد أنه من المفيد إعطاء هذه الظاهرة أكبر من حجمها.
* على المستوى السياسي: أكدت القيادة المصرية على التمسك باللاءات الثلاث: لا للتهجير، لا لاحتلال القطاع جزئيًّا أو كليا، لا لتصفية القضية الفلسطينية.
* الموقف المصري هو الرادع الوحيد لإسرائيل في ملف محور صلاح الدين. تتمسك القاهرة بالاتفاقيات السياسية الموقعة التي تحدد أشكال التواجد على محور صلاح الدين
* تغيير حكومة نتنياهو الحالية شرط لابد منه من أجل وقف التصعيد الخطير في المنطقة ومن أجل الحيلولة دون إنزلاق هذا الصراع لحرب دينية لا تبقي ولا تذر
!

رويدًا رويدًا تتسع رقعة الحرب، مما ينذر بحرب أقليمية وشيكة إن لم تكن قد اندلعت بالفعل، تأكدت ملامحه مع تخلي إيران عما عرف بسياسة "الصبر الإستراتيجي" بعد أن أغرقت الكيان بعشرات الصواريخ البالستية التي كان لها كبير الأثر على بنية السلاح الجوي في الجيش الإسرائيلي وسط تكتم شديد من الرقابة العسكرية الصهيونية في الإفصاح عن حجم الخسائر التي مني بها في هذه الضربة، وفي هذا الصدد كان لجريدة «المشهد» هذا الحوار مع الدكتور محمد عبود الخبير في الشئون الإسرائيلية ومدرس الأدب العبري بجامعة عين شمس بالقاهرة، والذي كشف فيه قراءته للحرب الدائرة منذ نحو عام وما يمكن أن تؤول إليه، وطبيعة الموقف المصري من الحرب، وفرص نجاة نتنياهو من المحاسبة وغيرها من القضايا وإليكم نص الحوار: 

 بعد مرور عام من طوفان الأقصى من الأكثر استفادة منه حتى الآن، حماس بجعل القضية الفلسطينية ‏على الواجهة أم إسرائيل بتوحشها ورغبتها في رسم خريطة جديدة للشرق الاوسط؟

- لا شك أن عملية طوفان الأقصى أعادت القضية الفلسطينية إلى طاولة النقاش. وبعثت اهتمامًا في المجتمعات الغربية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بحق الفلسطينيين في تقرير المصير وفي إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وأعلنت بعض الدول الأوربية اعترافها بالدولة الفلسطينية، لكن في الوقت نفسه لا شك أن الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني من أرواح أبنائه وممتلكاته ومكتسباته في قطاع غزة ثمنًا فادحًا. وأعتقد أن قيادة حماس عندما اتخذت قرار تنفيذ عملية طوفان الأقصى لم تتوقع شكل رد الفعل الإسرائيلي وحجمه ومدى إجرامه. ولم تدرس تداعيات العملية جيدا. راهنت حركة حماس على الانقسامات الداخلية في إسرائيل التي كانت قد وصلت ذروتها حتى السادس من أكتوبر، لكنها لم تدرك أن عملية طوفان الأقصى سوف تُشعر الصهاينة بأنهم في حرب وجودية لابد فيها من ممارسة أقصى درجات الإجرام لرد الضربة وطمأنة المستوطنين على أمنهم الشخصي، واستعادة صورة الردع المتآكلة، وأخيرا إعادة رسم خريطة المنطقة بشكل يؤمن بقاء إسرائيل لعقود أخرى دون أن يتجرأ عليها أعداؤها كل حين!

  بعد أحداث الاول من أكتوبر وضرب إيران لإسرائيل بالصواريخ البالستية، كيف ترى مستقبل هذه ‏المعركة بين إيران وإسرائيل؟

- تحاول إسرائيل استدراج إيران لمعركة مباشرة تقضي فيها تل أبيب على المشروع النووي الإيراني كما دمرت المفاعل العراقي عام 1981. وإذا استعرضنا الأوراق التي تنشرها المراكز البحثية في تل أبيب، سنجد أن هناك إجماعًا في إسرائيل أن المعركة التي تخوضها تل أبيب مع حماس وحزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا هي معركة مع أذرع "الأخطبوط الإيراني" بحسب التعبير العبري. وأن انتصار إسرائيل في هذه المعركة يحتم ضرب الرأس في طهران حتى تضمر الأطراف في لبنان واليمن والعراق وسوريا. ومن ثم فإن القرار الاستراتيجي في إسرائيل هو ضرب طهران وبرنامجها النووي لكن المشكلة تتمثل في أن قدرات إسرائيل الذاتية هجوميا ودفاعيا لا تؤمن لها ذلك. وكل الطرق إلى ضرب إيران تؤدي إلى واشنطن. تريد إسرائيل جر أمريكا لهذه المعركة بكل السبل، لكن الإدارة الأمريكية الحالية لا تود أن تنزلق المنطقة لحرب إقليمية لأسباب عديدة أهمها: - أولا: الحفاظ على المصالح الأمريكية العليا والحفاظ على أرواح الجنود الأمريكان في المنطقة. ولا شك أن عودة الجنود الأمريكان من الشرق الأوسط في ‏نعوش هو آخر مشهد يريد أن يراه الناخب الأمريكي. - ثانيا: اندلاع مثل هذه الحرب قد يضطر واشنطن لإرسال مزيد من القوات للشرق الأوسط ‏لحماية إسرائيل، وهذا الأمر سيعرض مزيدا من الجنود الأمريكيين للخطر، ويتحمل وزره الحزب الديمقراطي، وهو ما قد يستغله ترامب في المزايدات الانتخابية، ويحقق به مكاسب انتخابية بالغة. - ثالثا: بالنسبة للأمريكان فإن الانخراط في حرب من هذا القبيل يخدم المصالح الروسية والصينية. ويصرف الانتباه عن الحرب ‏الأوكرانية، ويطلق العنان لبوتين لتوجيه الأمور في أوروبا لمصلحة موسكو.‏ - رابعا: تخشى واشنطن من التبعات الاقتصادية السلبية لهذه الحرب على أسعار النفط بما يؤثر على الأوضاع الاقتصادية في الداخل الأمريكي.

 ما احتمالات توسع هذه الحرب إلى حرب إقليمية في المنطقة؟ 

- على الرغم من أن بعض الاتجاهات اليمينية الفاشية في حكومة نتنياهو ترى في الوضع المتأزم حاليًّا فرصة ذهبية للقضاء على المشروع النووي الإيراني واستدراج واشنطن لحرب إقليمية واسعة تضامنا مع إسرائيل، فإنني أعتقد أن واشنطن سوف تستمر في استراتيجية "الأيدي المكبلة" للضربات الإيرانية والإسرائيلية. تحصل واشنطن على معلومات عن حجم كل ضربة وأهدافها وتوقيتها وتنقلها للطرف الآخر. وتعمل على أن تظل الضربات المتبادلة في حدود الفعل ورد الفعل ولا تتطور الأمور إلى حرب إقليمية واسعة تضر المصالح الأمريكية العسكرية والاقتصادية.

 كيف تتصور طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران وهل يمكن أن يمتد إلى خطوط إيران الثلاثة الحمراء ‏وعلى رأسها المفاعلات النووية؟

- في ضوء القيود الأمريكية ورسائل التحذير السرية والعلنية التي تصل لتل أبيب، فإن بنيامين نتنياهو يدرك أن واشنطن لن تقبل بضرب مصالحها الاستراتيجية في المنطقة في مغامرات إسرائيلية غير محسوبة! صحيح أن بنيامين نتنياهو يواجه ضغوطًا من حلفائه من أحزاب اليمين الفاشي المتطرف لضرب المفاعلات النووية الإيرانية والسدود المائية وموانئ وآبار النفط، لكن بنك الأهداف الإسرائيلي في طهران لا يتلاءم مع الاشتراطات الأمريكية. وإسرائيل تحتاج لواشنطن من أجل تنفيذ أية ضربة ضد طهران  لا سيما أن الهجوم الإسرائيلي ضد إيران يحتاج جهدا عسكريًّا ضخمًا وتسليحًا ودعما أمريكيًّا لوجستيًّا واسعًا بسبب التباعد الجغرافي بين تل أبيب وطهران الذي يصعب المهمة بالمقارنة مع العملية في جنوب لبنان. ومن ثم أعتقد أن إسرائيل بالإضافة لضرب الأذرع الإيرانية ومواصلة جرائم الاغتيالات، قد توجه لطهران ضربة مشابهة للضربة التي تلقتها في أكتوبر 2024 بحيث تستهدف مطارات وقواعد عسكرية ومعدات دفاع جوي ومنشآت تابعة للدولة وضربات تحذيرية بالقرب من  مفاعلات نووية كما فعلت طهران في هجومها الأخير عندما صوبت صواريخا باليستية بالقرب من مفاعل ديمونة.

 هل تأخر حزب الله في الدخول إلى الحرب، وضيع على نفسه فرصة سانحة لضرب إسرائيل ضربات ‏موجعة بعد أن  استبدل الكيان قواته من ناحية الجنوب بقوات احتياط في بداية حربه على غزة؟

- لم يكن القرار الاستراتيجي لدى حزب الله الدخول في حرب مباشرة مع تل أبيب، ولكن قرار الحزب كان تحويل جنوب لبنان لجبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. وتشتيت الجهد العسكري الإسرائيلي شمالًا وجنوبًا والضغط اجتماعيًّا واقتصاديًّا على سكان المستوطنات الشمالية من خلال إجبارهم على النزوح من المستعمرات. وقرار حزب الله على هذا النحو كان مقيدًا باعتبارات كثيرة من ضمنها القرار الإيراني وقيود الساحة السياسية في لبنان. غير أن طول مدة الحرب حول جنوب لبنان إلى جبهة استنزاف مرهقة عسكريًّا واقتصاديا واجتماعيا لإسرائيل، ومن ثم جاء القرار الإسرائيلي بتحويل الجهد العسكري من الجنوب إلى الشمال بعد تحييد معظم كتائب المقاومة في القطاع. لكن على كل حال مازالت هذه الحرب في فصولها الأولى، ولن يحسم الإسرائيليون هذه الحرب بالاغتيالات وسلاح الطيران. وسوف تظل المعارك البرية هي فصل الخطاب في الحروب. ولدى إسرائيل تجربة مريرة مع حزب الله في 2006، وليس هناك ما يمنع حتى الآن من تكرار التجربة نفسها. 

 عاش الداخل الإسرائيلي حالة من الانتشاء بعد اغتيالهم لقيادت حزب الله بما فيهم السيد حسن ‏نصر الله فكيف هو الوضع الآن بعد الضربة الإيرانية في الداخل؟

- طبعا، بعد اغتيال حسن نصر الله وقيادات حزب الله ظهرت حالة من الشماتة في الشارع الإسرائيلي، ثم أتت الضربة الإيرانية لتدخل الإسرائيليين الملاجئ، وتذكرهم بأن الحرب يوم لك ويوم عليك. لكن بعيدا عن الشماتة الإسرائيلية ومشاهد توزيع الحلوى ابتهاجًا باغتيال قادة المقاومة، هناك أصوات إسرائيلية مهمة تنتقد غياب الرؤية الاستراتيجية لدى الحكومة. وتقول بوضوح إن الاغتيالات بالنسبة للإسرائيليين مثل الحلوى التي ترفع مستوى السكر في الدم وتحسن المزاج العام لكن لفترة قصيرة، ثم تتسبب في نتائج كارثية. عندك مثلا الخبير الاستراتيجي يوسي ميلمان الذي يرى أن الاغتيالات إنجاز تكتيكي مؤقت لكنها لن تحقق مكاسب استراتيجية لن تعيد المستوطنين إلى الشمال، ولن تقضي على خطر حزب الله، وبعد وقت طويل أو قصير سوف تمنح منظمات المقاومة فرصة لتجديد شبابها والدفع بخيول جديدة تريد أن تثبت ذاتها في ساحة الحرب ضد إسرائيل". 

خلاصة القول إن جرائم الاغتيالات أنزلت بحزب الله ضربة مادية ومعنوية صعبة، لكن نجاعة هذه العمليات وتأثيرها محدود زمنيًّا. وعلى الرغم من تصفية الشخصيات القيادية مازالت صواريخ الحزب تضرب العمق الإسرائيلي، ومن ثم لم تستطع إسرائيل ضرب آليات القيادة والسيطرة كما روجت لذلك.

 هل نجح نتنياهو في الإفلات من العقاب على إخفاقه في طوفان الأقصى بتوسيعه لدائرة الحرب؟

- لن يفلت نتنياهو من العقاب في إسرائيل، لكن المعادلة الثابتة في تل أبيب أن الحساب الختامي يتم بعد وقف إطلاق النار. ولا شك أن عملية السابع من أكتوبر تعتبر أضخم هجمة فلسطينية في العمق "الإسرائيلي" منذ عام 1948. ويتفق عدد من المقربين من نتنياهو على أنه فقد توازنه النفسي لمدة 48 ساعة. وواجه صعوبة في لملمة شتات نفسه بسبب إدراكه أن هذا التقصير حدث تحت ولايته وأن المجتمع الإسرائيلي لن يغفر له هذا التقصير الفادح. غير أن ننتياهو وفريقه السياسي استطاعوا تعويم أنفسهم مرة أخرى عبر ثلاث مسارات متوازية: أولا: شن حرب إبادة ضد البشر والحجر والشجر في قطاع غزة مما يغذي شهوة الانتقام لدى المواطن الإسرائيلي. وثانيا: إتباع سياسة فرق تسد في الساحة السياسية الإسرائيلية لمنع تبلور أية حركة احتجاجية ضد نتنياهو، ثالثا: الرهان على عنصر الوقت. وهذا الرهان نجح فيه نتنياهو حيث عاد يرتفع مرة أخرى في استطلاعات الرأي. ونجح في تعويم نفسه في الساحة السياسية بعدما غرق بحزب الليكود في قاع استطلاعات الرأي!

 هل الهجرة العكسية لليهود من الكيان مؤثرة بقدر كبير على بقائه أما أنها مجرد أرقام بسيطة؟

- تتناسب معدلات الهجرة العكسية في إسرائيل طرديًّا مع حجم المخاطر العسكرية والوجودية التي تهدد المواطنين الإسرائيليين. فكلما مرت إسرائيل بحرب تهدد الأمن الشخصي للمواطنين تبرز ظاهرة الهجرة العكسية، وتسجل رحلات الإقلاع من مطار بن جوريون معدلات مرتفعة. كما يحتفظ عدد كبير من الإسرائيليين ببوليصة تأمين مدى الحياة تتمثل في جنسية إضافية وجواز سفر ساري المفعول لاستخدامه وقت الحاجة. لكن يجب ملاحظة أن أعدادا كبيرة أيضا من هؤلاء المهاجرين يعودون فور هدوء الأوضاع. ومن ثم لا أرى مبررا للمبالغة في تقدير أثر الهجرة العكسية على المجتمع الإسرائيلي، ولا أعتقد أنه من المفيد إعطاء هذه الظاهرة أكبر من حجمها. 

 كيف تقيم الموقف المصري الرسمي تجاه ما يدور من أحداث في هذا الصدد؟

- الموقف المصرى من الأزمة الفلسطينية منذ بدايتها اتسم بالوضوح الشديد. فعلى المستوى السياسي: أكدت القيادة المصرية على التمسك باللاءات الثلاث: لا للتهجير، لا لاحتلال القطاع جزئيًّا أو كليا، لا لتصفية القضية الفلسطينية. وأثبتت الأيام والليالي مبدئية الموقف المصري وثباته في دعم المواطن الفلسطيني.  وعلى المستوى الإنساني عملت القاهرة على توفير الدعم المتواصل للأشقاء الفلسطينيين، وتعرية الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، والعمل الدؤوب في جميع الأطر الدبلوماسية لوقف العدوان على القطاع والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني.

ناهيك طبعًا عن الجهود المصرية المبذولة في إطار الوساطة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس والاتصالات المصرية مع جميع الأطراف منذ اليوم الأول للحث على ضبط النفس والتصرف المسؤول وعدم التصعيد وتحكيم العقل وتجنيب المنطقة لتداعيات خطيرة. والأمر الإيجابي اللافت في هذه المرحلة الدقيقة هو التطابق بين الموقف الشعبي والرسمي منذ اللحظة الأولى، لاسيما أن موقف مصر كما عبر  عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي يعكس بصدق إرادة الشعب المصري ورغبته في وقف العدوان ضد الفلسطينيين ودعم الأشقاء والسير في اتجاه حل الدولتين.

 ماذا عن محور صلاح الدين ومعبر رفح هل من الممكن أن يتوسع فيها الصراع بسبب اختلاف وجهات ‏النظر المصرية والصهيونية؟

- لدى إسرائيل أطماع كبيرة تتعلق بتقطيع أوصال قطاع غزة عبر السيطرة على حدوده الشمالية، وفصل الشمال عن الجنوب عبر محور نيتساريم الذي يشق قطاع غزة من المنتصف، والسيطرة على محور صلاح الدين على الحدود المصرية مع القطاع. والحقيقة أن الموقف المصري هو الرادع الوحيد لإسرائيل في ملف محور صلاح الدين. تتمسك القاهرة بالاتفاقيات السياسية الموقعة التي تحدد أشكال التواجد على محور صلاح الدين، وكذلك الملاحق الأمنية المعدلة بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005. وترفض القاهرة أية تعديلات إسرائيلية لهذه الاتفاقيات من جانب واحد. ويجب أن نلاحظ أن الدولة العميقة في إسرائيل والأجهزة الأمنية وقادة المؤسسة العسكرية يحسبون ألف حساب للدولة المصرية وقدراتها البشرية والسياسية والعسكرية. ويعلم الإسرائيليون أن جر مصر لصراع مع إسرائيل هو كابوس لا يتمناه أشد المتطرفين في المجتمع الإسرائيلي. لذلك كل من يتابع الساحة السياسية في إسرائيل عن كثب شاهد حجم الهجوم على نتنياهو في أعقاب تمسكه بالبقاء في محور صلاح الدين، والاتهامات التي طالته بأنه يهدد أمن إسرائيل وأن محور صلاح الدين "شماعة" نتنياهو لعرقلة وقف إطلاق النار وتفجير صفقة تبادل الأسرى وإطالة أمد الحرب.

 ما السيناريوهات التي تتخيلها لنهاية هذه الحرب؟

- هذه الحرب مستمرة طالما استمر نتنياهو وحكومة اليمين الديني المتطرف في إسرائيل. لقد ربط نتنياهو وجوده السياسي بأحزاب اليمين المتطرف التي تحركها أوهام دينية مريضة حول دخول المنطقة حروب نهاية العالم، وأن الحرب الدائرة حاليًّا هي تمهيد لصراع أكبر مع إيران وحلفائها ينتهي باندلاع حرب "يأجوج ومأجوج" حسب العقيدة التلمودية، ومن ثم يدفع هؤلاء المتطرفون إلى تصعيد مستمر للموقف لا سيما في محيط المسجد الأقصى لاستعجال مخطط "السيطرة اليهودية" على المنطقة. ومن ثم أعتقد أن تغيير حكومة نتنياهو الحالية شرط لابد منه من أجل وقف التصعيد الخطير في المنطقة ومن أجل الحيلولة دون إنزلاق هذا الصراع لحرب دينية لا تبقي ولا تذر!.
-------------------------------
حاوره: د. عبدالكريم الحجراوي
من صحيفة المشهد الأسبوعية

العدد 336 من المشهد الأسبوعية ص 5