- الإعلام المصري والعربي مكبل ويعبر عن المواقف الرسمية ولا يعبر عما يجيش بصدور الشعوب
- الإبادة كشفت انحياز وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل وعرت أوهام حرية الإعلام الغربي
- رفع سقف الحرية كفيل بإعادة الحياة للصحف الورقية في مصر.
- نقابة الصحفيين أحالت أسماء كبيرة للتأديب بسبب موقفهم من التطبيع منهم أنيس منصور ولطفي الخولي وصلاح منتصر وعبدالمنعم سعيد.
- توجد صحافة عربية متميزة لكنها تستمد قوتها من قوة تمويلها والأدوار المحددة لها
- كثير من الصحف العربية أسيرة أدوار وأهداف محددة يضعها مالكها مما يجعلها بلا تأثير وبلا جماهيرية كبيرة
- الحوار الوطني لم يقدر أهمية الملف الإعلامي وقدمه بشكل خجول مما يعطي مؤشرًا إلى مدى جدوى هذا الحوار!.
- الصحف القومية جيش لا يجب أن نتركه حتى ينهار ومبارك كان يدرك هذه الحقيقة.
- تقليص هامش الحرية وفقدان المصداقية أدى إلى انهيار توزيع الصحف القومية وهي تشهد أزمة غير مسبوقة ومستقبلها يكتنفه الغموض
- انتخابات نقابة الصحفيين الأخيرة بعثت برسالة أتمنى أن تكون قد وصلت فتأميم النقابة على مدى ست سنوات لم يكن حلًا والرغبة في التغيير كانت جامحة.
يعد يحيى قلاش نقيب الصحفيين الأسبق علامة فارقة في تاريخ النقابة وفي الصحافة المصرية فعلى مدار عقود حمل راية الدفاع عن حرية الصحافة بوصفها صوت الشعب الذي لا يجب أن يقمع، وقدم في سبيل ذلك الكثير من التضحيات وأحيل إلى المحاكمة بعد واقعة اقتحام النقابة في سابقة كانت هي الأولى في تاريخها، لكنه لا يعد ذلك تضحية بل واجبًا يتحتم عليه تأديته دفاعًا عن المهنة أو كما يقول «كل من يتصدى للعمل العام ويخلص له يعرف أن هذا اختيار وله تبعات على صاحب هذا الاختيار أن يتحمل تبعاته». وكان للمشهد هذا الحوار المهم معه ليحدثنا عن بداياته في عالم الصحافة وعن معاركه النقابية التي خاضها وقضية حبس الصحفيين، ورأيه في ملف الإعلام في الحوار الوطني وغيرها من القضايا المهمة وفيما يلي نص هذا الحوار
* ما الدافع وراء التحاقك بالصحافة؟
- الدافع الأول هو محاولات التعبير عن نفسي وتكوين موقف مما يدور حولي، وجاءت هزيمة ١٩٦٧ ونحن على أعتاب سن المراهقة وماجرى من مراجعات لكل شيء حولنا. كانت هناك تفاصيل كثيرة تصيغ هذه المرحلة في مجتمع كان يعيش فقط من أجل هدف واحد هو الرد على هذه الهزيمة. وكان هناك مناخ عام يساعد على أن تكتشف نفسك ويجعل المشاركة في الشأن العام من طبائع الأمور، فتنخرط في التدريب على أعمال الدفاع المدني وحمل السلاح وعلى الإسعافات الأولية أو الاستجابة لنداء المشاركة في إنقاذ محصول القطن بالذهاب للحقول وجمع الأوراق المصابة.
مدرس العربي
وفي خضم كل ذلك تنتقل لمحطات لا تعرف إلى أين تقودك. ففي المرحلة الإعدادية كانت إشادة مدرس العربي بموضوعات التعبير التي أكتبها وحصولي على درجات مرتفعة في هذا الفرع من اللغة العربية بصفة خاصة، ثم ارتباطي المبكر بمكتبة المدرسة واستعارة الكتب خاصة التاريخية وكتب السيرة الذاتية ووقوفي في الإذاعة المدرسية خطيبًا بعد استشهاد البطل عبدالمنعم رياض واحتضان الناظر لي تأثرًا رغم أنني كنت طفلًا خجولًا، ثم انتقل أمر الاهتمام بالقراءة من مدرسة «المساعي المشكورة الإعدادية» إلى مكتبة منوف الثانوية والمكتبة العامة بالمدينة التابعة لوزارة الثقافة، وبناء علاقة مع أشهر بائع صحف في مدينتنا «أبوالحديد» سواء بالشراء أو الاستعارة، ثم الاشتراك فيتجربة خروج أول مجلة مطبوعة عن جماعة الصحافة في المرحلة الثانوية بمقال بعنوان «علامات استفهام في مدينة منوف» وفيه نقد لبعض الممارسات وبعض المسؤولين في نطاق مدينتنا الصغيرة.
صوت حلوان
ثم بعد ذلك كونت جماعة الصحافة بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان، ومن مجلات الحائط التي كانت في مجملها هجومًا ونقدًا لسياسات الرئيس السادات إلى الصحافة المطبوعة التي انتشرت بالجامعات المصرية في عقد السبعينيات وشاركت في إصدار جريدة «صوت حلوان» التي كان يتم طباعتها بمؤسسة الجمهورية ومن هنا بدأت العلاقة الحقيقية مع عالم آخر تكتشف أنك كنت مدفوعًا إليه بمقدمات كثيرة سابقة.
❖ التقيت بكثير من كبار أساطين الصحافة المصرية خلال مشوارك المهني الطويل فمن أكثرهم تأثيرًا في حياتك ولماذا؟
التحقت بالعمل في جريدة المساء بداية الثمانينات بقسم التحقيقات مع أول مدير تحرير هو الأستاذ رشيد الليثي الذي تبنى واحتوى عددًا من الزملاء الخريجين الجدد وطلاب السنوات النهائية بكلية الإعلام، لكن رؤيتي في صالة«المساء» لعبدالفتاح الجمل صاحب أول ملحق أدبي في تاريخ الصحافة المصرية، ومكتشف كثير من المواهب الأدبية من روائيين وشعراء ونقاد وفنانين تشكيليين كانت شيئًا آخر، كنت أشاهد الجمل مشتبكًا مع زواره الذين كانوا يتوافدون عليه بمكتبة بصالة التحرير الشهيرة بجريدة المساء، وكانت جلساته لها مواعيد محددة بمقر النقابة وخلال بعض الأنشطة الثقافية في حزب التجمع أو أتيليه القاهرة، فاجأني مرة بسؤال وهو يراقب محاولاتي التعرف عليه وأنا أظهر له في الأماكن التي يتردد عليها «أنت جاي تشتغل صحفي ليه؟» باغتني السؤال وحين شرحت له خلفية دوافعي والإشارة إلى انحيازاتي السياسية، كرر سؤاله وكأنني لم أجبه ثم قال حاسمًا «كل إللي بتقوله كويس بس علاقة ده إيه بإن تكون صحفي محترف» وهنا تلقيت منه الدرس الأول «الصحافة مهنة ولها أصول وأنت لازم تكون صنايعي ملم بأصول مهنتك والباقي لاحق ومكمل ويمكن يميزك بس بعدين». وبعدها صارت علاقتي به لصيقة وقريبة وظل ناصحًا لي حتى رحيله.
محمود المراغي
ثم كانت علاقتي بالأستاذ محمود المراغي التي بدأت بمعرفته في المعسكرات الثقافية لجامعة حلوان عندما كنا نستضيفه للدفاع عن الاقتصاد المصري بعد إعلان السادات عن سياسة الانفتاح الاقتصادي وساندني وزملاء آخرين عند بداية التحاقنا بالمهنة وكان أحيانًا يقترح علىَّ أفكار بعض الموضوعات بل وتعريفي بالمصادر رغم أنني كنت لا أعمل بمؤسسة روزاليوسف التي كان مديرًا لتحريرها. ولا أنسى الكاتب والمفكر الكبير محمد عودة الذي ساندني كلما استطاع وأخذ بيد عدد كبير من جيلنا وأدخلنا عوالم وعرفنا على قامات في كل المجالات وزرع فينا الأمل والتفاؤل والإيمان بأن التاريخ يتحرك للأمام وأن المستقبل ينتصر.
هيكل
وبعد ارتباطي بالعمل النقابي كان لكامل زهيري وجلال عارف مكانة خاصة عندي ومنهما عرفت معنى وقيمة الكيان النقابي، ثم علاقتي الممتدة مع الأستاذ هيكل بعد مخاطبتي له دون سابق لقاء عام ١٩٩٥ أثناء أزمة القانون ٩٣ أننا في انتظار كلمته، وفوجئت به يتصل بي ويعطيني كلمته وطلب أن ألقيها أمام اجتماع الجمعية العمومية وكانت جلساتي معه سواء في مكتبه أو منزله الريفي ببرقاش متعة كبيرة عن أحوال المهنة واستفدت من خبراته الإدارية وشخصيته الدقيقة والمنظمة في عملي النقابي.
❖ قضيت عمرًا طويلًا في العمل الصحفي والنقابي فكيف تغير واقع الصحافة المصرية من وجهة نظرك منذ اشتغالك بالصحافة وحتى الآن؟ وهل هذا التغيير للأفضل أم للأسوأ؟
- الصحافة كانت مهنة ملهمة ومؤثرة ولها رسالة ودور ومهما كانت الصعاب أو التحديات التي كانت تواجهها، إلا أن دورها لم يغب وظلت المدارس الصحفية تتنافس وظل القارئ بكل تنوعه يجد ما يعبّر عنه وظلت الجريدة ضيفًا يوميًّا على كل بيت، بل امتد تأثير الصحافة المصرية إلى خارج الحدود كأحد أدوات القوة الناعمة، وكذلك على مستوى الصناعة فكل الصحف والمجلات العربية أسسها صحفيون كبار من مصر وقامت واستمرت على أكتاف زملائنا الذين ظلوا يعملون بها لسنوات.
الآن جرت في النهر مياه كثيرة فقد تراجع الدور المصري وتراجع تأثير الصحافة التي فقدت هامش الحرية الذي كان متاحًا وبدونه تتراجع المهنة وتفقد مصداقيتها وتفقد ثقة القارئ، وتراجع التوزيع إلى معدلات مذهلة وغير مسبوقة، وهذا خطر كبير لأن الإعلام المؤثر بمثابة جيش عظيم يجب أن يؤدي دوره دائمًا لخدمة الوطن.
❖ يشهد تاريخك النقابي بنضالك الكبير من أجل حرية الصحافة وأنت خضت معارك جمة وكبيرة في هذا الصدد كلفتك الكثير الخسائر فحدثنا عن هذا الجانب في حياتك المهنية؟ - أنا من جيل انتمى للمهنة والنقابة معًا وقبل أن أكون عضوًا بمجلس النقابة كنت من ضمن كثيرين من أعضاء الجمعية العمومية لهم نشاط نقابي وعندما خضت أول تجربة انتخابات عضوية مجلس النقابة كان ذلك بضغط النقابي الراحل الأستاذ محمود المراغي والأستاذ جلال عارف الذي قرر عدم خوض انتخابات عضوية المجلس بعد أن استمر لثلاث دورات، وكانت أول معركة لي بعد دخولي مجلس النقابة هي مواجهة أزمة القانون ٩٣ لسنة ١٩٩٥ والتي امتدت لمدة عام، كانت هذه المعركة كبيرة ودرسًا مهمًا وبعدها توالت المواقف والجهود خاصة بعد أن توليت موقع سكرتير عام النقابة على مدى ثمان سنوات متصلة وهي أطول مدة يقضيها أحد في هذا الموقع وخلال هذه الفترة وقع على عاتقي النقل من مقر النقابة القديم إلى مقر مؤقت ثم العودة إلى المبنى الحالي، وما استتبع ذلك من تفاصيل لتطوير العمل الإداري من اليدوي والورقي إلى الإلكتروني والآلي وإعادة بناء جهاز إداري يناسب هذا التطوير.. وفي هذا الأمر تفاصيل كثيرة جدًا.
وأيضًا كان للعمل النقابي دور مهم ليس فقط دفاعًا عن الحريات ورفض ترسانة القوانين المكبلة للمهنة، بل دفاعًا أيضًا عن حقوق الصحفيين وعن علاقات عمل متكافئة.وكل من يخلص للعمل النقابي ولا يعتبره مجرد ركوبة للمطامع الشخصية أو المناصب لاتكون الحسبة هي خشية أي خسارة، لأنك في الحقيقة تكسب كل يوم عندما ترى بعض ما حققت وبعض ماكنت تتمناه لهذا المكان ولتحقيق مصالح زملاء وثقوا بك وشعور بالاحترام والتقدير لكثيرين سبقوك وأعطوا دون أن ينتظروا .. حتى ما جرى معي بعد اقتحام النقابة وإحالتي للمحاكمة في سابقة كانت هي الأولى في تاريخ النقابة لم أعتبره تضحية بل كان دفاعي عن هذا الكيان النقابي ورفضي العدوان عليه واجبًا أؤديه. وكل من يتصدى للعمل العام ويخلص له يعرف ان هذا اختيار وله تبعات علي صاحب هذا الاختيار أن يتحمل تبعاته.
❖ متى ينتهي ملف الصحفيين المحبوسين من وجهة نظرك.
- عندما يكون هناك إيمان بدور الصحافة باعتبارها مهنة رأي وعندما نؤمن أن حرية التعبير وفي القلب منها حرية الصحافة هي إحدى الحريات العامة، وعندما نجد صدى لمبادئ المحكمة الدستورية ومحكمة النقض عندما قررت أن المصلحة العامة تقتضي عدم تكبيل الصحافة وأن الشطط في إبداء الآراء ليس مبررًا للتقييد أو العقاب. وحتى يحدث ذلك لا يضيع حق وراءه مطالب أو محارب وهذا دور نقابي بامتياز وكذلك دور كل القوى الحية في المجتمع.
❖ لأول مرة يفوز بمنصب نقيب الصحفيين مرشح من خارج المؤسسات الصحفية الكبرى في الدورة الأخيرة، فكيف قرأت هذا الحدث وهل له دلالات معينة من وجهة نظرك؟
- هذه الانتخابات بعثت برسالة أتمنى أن تكون قد وصلت، فتأميم النقابة على مدى ست سنوات لم يكن حلًا والرغبة في التغيير كانت جامحة.. وبعد مرور أكثر من عام على هذه الانتخابات النتيجة تقول إن بعض هوامش الحرية مفيدة والاستجابة لاختيارات الناس لا يشكل خطرًا وما نكسبه من ذلك أكثر بكثير من عواقب القوة الباطشة.
* وصفت في إحدى مقالاتك حضور الملف الصحفي في «الحوار الوطني» بأنه كان خجولًا... لماذا؟
- لأنني أعتقد أن ملف الحريات الصحفية والإعلام هو الرافعة الحقيقية لأي حوار حقيقي ومنتج، بل هو المدخل لاختبار جديته وعندما وجدت هذا الملف ملحقًا بملفات أخرى وعلى استحياء اعتبرته طريقة خجولة ولا تقدر أهمية هذا الملف بل وتعطيك مؤشرًا إلى مدى جدوى هذا الحوار!.
❖ يبدو بشكل واضح أن هناك اتجاه لإغلاق الصحف القومية بوقف إرفادها بدماء جديدة فشاهدنا القسم الثقافي في وكالة الشرق الأوسط يغلق بسبب خروج جميع من فيه إلى سن التقاعد وفي مؤسسات أخرى أصغر تجاوز الصحفيون الموجودون بها الخمسين فكيف ترى هذه المسألة؟.
- الصحافة القومية تشهد أزمة غير مسبوقة ومستقبلها يكتنفه الغموض وهي أزمة مركبة على مستوى الصناعة والمستوى الاقتصادي والمهني وفقدان المصداقية الذي استتبعه انهيار التوزيع، وعندما تقلص هامش الحرية الذي كانت تتنفس به وتنافس بعضها البعض من خلاله تركت وحدها تواجه مصيرها، ولم يصبح أمامها من خيار إلا تنفيذ التعليمات التي تتلقاها، ويزيد من الإشكالية أن الهيئات والمجلس الأعلى التي تتولى شؤون الصحافة والإعلام التي قصدها الدستور أن تكون مستقلة فإذا بها تتحول إلى أدوات تابعة للسلطة التنفيذية وأداة رقابة وفرض قيود!.
أتمنى أن يفتح الحوار الذي تقوده النقابة من خلال المؤتمر العام الذي تنظمه حاليًا ثغرة في جدار الصمت، حوار مستقبل الصحافة القومية التي مازالت تملك من الأصول والقوى البشرية ما يجعلها تؤدي دورها ورسالتها من أجل المصلحة العامة.. فهذه المؤسسات جيش لايجب أن نتركه حتى ينهار وكان مبارك يدرك هذه الحقيقة وكلما كان يدور الحديث حول بيع المؤسسات الصحفية أو بعضها كما كانت تخطط جماعة جمال مبارك وبطرس غالي كان مبارك يؤكد لجلال عارف نقيب الصحفيين وقتها أنه لا بيع للمؤسسات الصحفية.
* ما سبب تراجع مبيعات الصحف الورقية؟
- كما أشرت أن الأساس سقف الحرية الذي هو وحده الكفيل بإعادة الحياة لهذه الصحف. ومستقبل الصحف القومية لا يرتبط كما يردد البعض بتغول الصحافة الإلكترونية عليها لأن الأزمة ليست في نوع الوسيلة بل في محتوى ومضمون هذه الوسيلة.
* هل تراجعت المدرسة المصرية في الصحافة لصالح مدارس أخرى؟
- قوة الصحافة المصرية كانت تكمن في قوة تأثيرها وامتداد جذور نشأتها لتاريخ طويل مضى، وكنا نفخر أن عمر الصحافة المصرية أكبر من أعمار بعض الدول.. وقوتها أيضًا في تنوعها وقدرتها على الحياة بكل الوسائل الممكنة فقد صمدت أمام ألاعيب القصر الملكي وبطش الاحتلال الإنجليزي والمندوب السامي البريطاني وحسابات الأحزاب المتصارعة ودخلت في معارك كبرى مساندة لما أحدثته ثورة يوليو من تغييرات، وما واجهه الوطن من معارك كبرى رغم ما تم فرضه عليها من قيود في بعض الأحيان .. والصحافة المصرية في المجمل تتسم بالحيوية والحياة وقوة مقالات الرأي ومكانة كتابها من صحفيين كبار وأدباء وشعراء ومثقفين وفنانين ومفكرين ونجوم في المجالات كافة، وتدفق الأخبار ومعرفة طبيعة القارئ الذي تتوجه إليه.
وكانت الصحافة المصرية تملك داخلها مدارس صحفية متنافسة في الفكر والتوجه السياسي وطبيعة الجمهور الذي تستهدفه كل صحيفة. الآن الحالة الصحفية في مصر متراجعة لأسباب كثيرة أشرنا إليها لكن لا يشغل فراغ الصحافة المصرية أحد رغم وجود صحافة عربية متميزة لكنها تستمد قوتها من قوة تمويلها والأدوار المحددة لها ومن طبيعة خاصة جعلتها تعيش بالخارج في الصناعة والمقر لكنها في الروح هي أسيرة أدوار وأهداف محددة يضعها مالكها كما تتسم بقارئ افتراضي وهذه إشكالية تجعلها محدودة التأثير والجماهيرية.
* لنقابة الصحفيين موقف واضح وبارز من مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني وقد كان لك دور في ترسيخ هذه المسألة فحدثنا عن جهودك في هذا الصدد بالتأكيد على حظر التعامل مع الكيان؟
- نقابة الصحفيين كانت في طليعة النقابات المهنية والعمالية التي بادرت باتخاذ أول قرار بحظر التطبيع النقابي مع الكيان الصهيوني عام ١٩٨٠م وكان كامل زهيري نقيبًا، وبعد ذلك تبعتها النقابات الأخرى وظلت الجمعيات العمومية للصحفيين منذ هذا التاريخ وحتى آخر جمعية عمومية في مارس من العام الماضي تؤكد عليه، وخلال هذه المدة التي تزيد عن نصف عمر النقابة ظلت الجمعيات العمومية تتمسك بالقرار وتتشدد فيه وتؤكد على محاسبة المخالفين بكل الوسائل وباتخاذ الإجراءات التأديبية.
لقد فشلت كل محاولات التطبيع تحت زعم المهنية وشعار اعرف عدوك وتحت مزاعم المتغيرات السياسية ومحاولات جماعة كوبنهاجن ونظرية اختراق جماعة أنصار السلام في إسرائيل ثم أوسلو-١ وأوسلو-٢ وغيرها من محاولات تصدت لها النقابة والجماعة الصحفية كما تصدوا لكل الشخصيات التي تصورت قدرتها على قيادة هذا الاختراق من بين الصحفيين بل ان قوة موقف الجمعية العمومية أجبر مجلس النقابة أن يحيل أسماء صحيفة كبيرة للتأديب ومن بينهم أنيس منصور ولطفي الخولي وصلاح منتصر وعبدالمنعم سعيد.
هذا الملف يؤكد مدى أهمية القضية الفلسطينية عند الشعب المصري فهي قضية مصير وأمن قومي ووجدان، فكل مصري حفظ هذه القضية بين ضلوعه لذلك فشل التطبيع على المستوى الشعبي في مصر.
* في الأخير نريد تعليقا منكم على طوفان الأقصى إعلاميًّا وسياسيًّا والسيناريوهات المحتملة لنهاية هذه المعركة.
- عملية طوفان الأقصى كانت كاشفة لأمور كثيرة من بينها الوضع العربي الرسمي وأوهام التطبيع. والإعلام المصري والعربي مكبل وبالتالي هو في مجمله يعبر عن المواقف الرسمية ولا يعبر عما يجيش بصدور الشعوب التي لاحول لها ولا قوة والذين يشاهدون ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر وحرب تجويع وابادة ولا حول لهم ولا قوة ..
لكن الشعوب تختزن وسيكون لهذه الحرب تداعياتها على مستقبل المنطقة وعلى مصير هذه الأنظمة. ربما تكون قناة الجزيرة هي الاختراق الوحيد لهذا المشهد الإعلامي العربي فقد دفعت ثمنًا باهظًا من أرواح وتضحيات مراسليها وكشفت الأعداد غير المسبوقة من شهداء الصحفيين والإعلاميين الذي لم نشهد مثيلا له في أي حروب أخرى في العالم وهذه واحدة من تجليات أبناء الشعب الفلسطيني الذين يعملون في هذا المجال والذين صمموا أن يؤدوا أدوارهم ويتعرضون للموت ليري العالم بعضا من الحقيقة التي يتغافل عنها.
وهذه الحرب كشفت أيضا انحياز وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل بل ورأينا القيود على وسائل التواصل الاجتماعي.. أوهام حرية الإعلام الغربي تعرت والمعايير المزدوجة كانت فاضحة وغض الطرف عن جرائم إسرائيل فضيحة.
وفي العموم لا يستطيع لأي أحد منا أن يقرر لشعب يقاوم ليزيح المحتل الغاصب لأرضه ووطنه ما الذي يجب أن يفعله والمقاومة في أي مكان في العالم وفي كل التجارب السابقة لا تحكمها قوانين ولا قواعد المكسب والخسارة أو موازين القوى بل تحددها إرادة هذه الشعوب في التحرر .. والحقيقة التي يغفلها البعض عندنا عن طبيعة هذا الصراع مع الكيان الصهيوني وطبيعة هذا المشروع الاستعماري، هو أنه بلا مبالغة صراع وجود بمعنى أن نكون أو يكونوا، وهذا الأمر بطبيعته معقد ويحتاج نفسا طويلا ويحتاج قبل كل ذلك مشروعا نهضويا عربيا يدرك طبيعة استحالة التعايش مع المشروع الصهيوني.
-------------------
حوار - د. عبدالكريم الحجراوي
من صحيفة المشهد الأسبوعية
العدد 336 -المشهد الأسبوعية - ص 3