04 - 05 - 2025

صناعة الزيف .. كتاب د. رانيا فوزي يشرح كيف توظف دولة الاحتلال الذكاء الاصطناعي في التنكيل بأعدائها

صناعة الزيف .. كتاب د. رانيا فوزي يشرح كيف توظف دولة الاحتلال الذكاء الاصطناعي في التنكيل بأعدائها

دخلت حرب المعلومات منعطفًا جديدًا بعد تجلي تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحروب المعاصرة، وذلك لأهمية استخدام وإدارة المعلومات للحصول على ميزة تنافسية على العدو. وتلك الحروب تتضمن جمع المعلومات الإستراتيجية، لنشر دعايات أو معلومات خاطئة لإحباط العدو وجماهيره، والمستهدف من استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تلك الحرب بالأساس نظم المعلومات لتخريب وتدمير وتعطيل عمليات الخصم المبنية على المعلومات وشبكات الحاسب الآلي الخاصة به؛ لإحراز السبق، والتقدم على نظمه العسكرية والاقتصادية.

من هنا تأتي أهمية دراسة الباحثة د. رانيا فوزي "تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. في الحروب الافتراضية الإسرائيلية" الصادرة أخيرا عن دار العربي، في ضوء تطور حروب الوعي الإسرائيلية في الفضاء الإلكتروني مع بدء توظيف تقنية الذكاء الاصطناعي على شبكات التواصل الاجتماعي لحللة الدول العربية ونشر التوتر من جهة وخلق رأي عام داعم لإسرائيل من جهة أخرى. من خلال النقاط التالية - :أولا: توظيف الجيش الإسرائيلي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المعارك الافتراضية على شبكات التواصل الاجتماعي لإيهام الجمهور المستهدف بالانتصار الافتراضي غير الحقيقي على أرض الواقع. – ثانيا: قلة وعي الغالبية باستراتيجيات الحروب الإعلامية الإسرائيلية وكيفية التحقق من مصادر المعلومات والحسابات المزيفة بأغراض التجسس أو إثارة القلاقل، وغسل الأدمغة. – ثالثا: ندرة الدراسات الإعلامية التي تناولت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحروب المعلوماتية الإسرائيلية عبر الإعلام الرقمي.– رابعا: العمل على وضع إستراتيجية مواجهة للحد من مخاطر توظيف الذكاء الاصطناعي في الحروب الافتراضية والحيلولة دون تأثيرها.

توضح فوزي أن الذكاء الاصطناعي يمثل بالنسبة لإسرائيل مجالا تكنولوجيًا ذات أهمية بالغة على الصعيد الأمني، وهو ما جعلها تمتلك عددًا من الخصائص الفريدة التي تؤثر على هذه الجوانب، لاسيما في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وجرى اختبار كفاءة تطبيقات الذكاء الاصطناعي في ميدان المعركة خلال العمليات العسكرية على غزة "حارس الأسوار" و"درع وسهم" التي شنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة على الفصائل الفلسطينية والتي أثبتت نجاح التجربة بالوصول على سبيل المثال إلى قادة خلايا الصواريخ في الفصائل ومطلقي الصواريخ المضادة للدروع لغايات تصفيتهم، ونقل المعلومة التي أنتجتها المنظومة إلى محققي شعبة الاستخبارات للتعامل معها، (وهذا ما اتضح أيضا في استهداف منظومة اتصالات حزب الله مؤخرا). ورغم تلك النجاحات التي حققها جيش الاحتلال الإسرائيلي في المواجهات مع الفصائل على الجبهات المختلفة والمزايا والفرص العديدة التي أثبتت فعاليتها في الإستراتيجية العسكرية بالجيش الإسرائيلي، فإن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لاتزال تنطوي على مجموعة متنوعة من التحديات بالنسبة لإسرائيل، وهو ما تجلى ظاهرًا بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 والتي أثبتت مدى الخلل الأمني والاستخباراتي، وهو من شأنه أن يدفع صانع القرار الإسرائيلي إلى التغلب على هذا الخلل بالاعتماد على التقنيات وقدراتها دون العنصر البشري والتي ستشمل الحاجة إلى ميزانيات مخصصة، للاستثمار في إدارة العنصر البشري.

ترصد فوزي توظيف الذباب الإلكتروني في العمليات النفسية الإسرائيلية عبر الإعلام، وتبدأ بتعريف "الذباب الإلكتروني" موضحة أنه "عبارة عن حسابات وهمية مبرمجة وموجهة باتجاه معين، وبطرق ممنهجة تدار عن طريق برمجيات ومواقع تقوم بكتابة التعليقات والإعجابات وإعادة التغريد تلقائياً، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للدفاع عن وجهة نظر معينة، أو الهجوم على وجهة نظر مخالفة، ضد أشخاص أو دول بهدف التأثير على الرأي العام، وقد بدأ يتجلى استخدامه بشكل لافت في الصراعات والأزمات السياسية".

وتقول إن الهجمات الرقمية الإسرائيلية تعتمد على الذباب الإلكتروني بشكل كبير في استغلال الشائعات والأحداث المهمة التي تلعب على مشاعر الفئات المستهدفة لسهولة انتشار الشائعات على شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتيك توك وإنستجرام وتويتر. أيضا تعمل الهجمات الإعلامية الممنهجة على تحقيق المعادلة الكمية الأساسية في بناء الرأي العام وتوجيهه عبر أساليب ميدياتيكية مختلفة تراوح في الغالب بين التغريد المتناغم والتعليق المكثف، وإعداد المنشورات المضادة للرأي المخالف. ومن جهة أخرى هناك افتعال الأزمات وهندستها لتحريك الرأي العام وتوجيهه انطلاقا من اللعب على نفسيته الهشة التي تتناغم مع كل جديد خاصة إذا كانت هناك أزمات داخلية أخرى، إذ يمكن توجيه الرأي العام للشعوب عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتأثير عليه.

وتلفت فوزي إلى ممارسة الاتصال الإقناعي من خلال طرح قضايا منطقية تؤثر على المتلقين لها، وتجعلهم يؤيدون الطرح التي تتبناه تلك الجهة على حساب الجهة الأخرى؛ حيث تهدف أية عملية اتصالية لإقناع المتلقي والتأثير فيه معرفيًا ونفسيًا وسلوكيًا عبر تزويده بالمعلومات والبيانات سواء كانت صحيحة ضمن سياقاتها الطبيعية أو معلومات ناقصة أو حتى كاذبة ومفبركة، ويتم ذلك بأساليب وبرامج مختلفة انطلاقا من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، والروبوتات في فتح حسابات وهمية لأفراد وهميين لا وجود لهم في الواقع، حيث بدأت إسرائيل في السنوات الأخيرة توظيفه في العمليات النفسية التي تعتمد على قوة امتلاك المعلومة والقدرة على صناعتها بل وفبركتها، لتكون أشد فتكا على الرأي العام العربي والدولي. لقد تم توجيه الحسابات المزيقة بمحتوى يستهدف الجمهور العربي باللغة العربية، مستخدمين في سياق المحتوى استشهادات بآيات من القرآن وأحاديث من السنة للتمويه وعدم اكتشاف الجهة التي تقف وراء الحملات الإعلامية المزيفة بهدف التشكيك في القيادات وتشويه صورتهم وشرعنة الاحتلال للأراضي الفلسطينية، واسدال الرداء على الانتهاكات التي يقومون بها على الأراضي المحتلة تحت فكرة محاربة الإرهاب، وإشغال الرأي العام العربي بالإضطرابات والفوضى، كما حدث بعد اندلاع ثورات "الربيع العربي" وتوجيه الرأي العام إلى أزمات جديدة، والبحث لها عن حل مع تجاهل الأزمة الرئيسية.

وتحدد فوزي أهداف دفع الذباب الإلكتروني في العمليات النفسية الإسرائيلية الموجهة ضد الدول العربية، في: - أولا: صناعة الهويات المزيفة لغرض إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بالدعايات والأخبار الكاذبة، ومحاولة إنتاج رأي عام مزيف ولا أساس له من الوجود في الواقع. – ثانيا: برمجة منشورات أوتعليقات تعمل بشكل آلي هدفها الأساسي هو تكرار الشائعات والتعليقات في نفس القضية، فمن كثرة تكرار المحتوى حتى تدخل في لاوعي المتلقي وتصبح مؤثرة عليه، مستخدمين معتقد أن الدعاية الناجحة يجب أن تحتوي على نقاط قليلة وتعتمد التكرار. – ثالثا: النشر المتعمد للمعلومات الخاطئة، لتضليل الجمهور العربي أو إرباكه أو التلاعب به لإعادة تشكيل المواقف والاعتقادات، أو لتسيير أجندة معينة، أو لاستنباط أفعال معينة من جمهور مستهدف. – رابعا: التلاعب بالصور والفيديوهات بإظهار صور وفيديوهات مفبركة لأحداث غير حقيقية، خاصة القضايا المتعلقة بالانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية والتي عادة ما تثير تفاعلا كبيرا بين الأوساط الإعلامية وتستحوذ على اهتمام الرأي العام الدولي. – خامسا: مهاجمة الرأي أو الجهة المعارضة بالشتم، الابتزاز، التخوين والشخصنة بتحويل النقاش من فكري حول قضية سياسية أو اجتماعية الى أمور شخصية متعلقة بصاحب المنشور أو الفئة المخالفة. – سادسا: الرد على الجوانب السلبية والمعادية للسامية في الفكر العربي وكتابات المفكرين عبر تعليقات الحسابات المزيقة الموجهة على شبكات التواصل الاجتماعي باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، والتأكيد على التوجهات المعتدلة التي تقر بوجود إسرائيل وشرحها. – سابعا: عرض البدائل والخيارات التي تواجه إسرائيل في مواجهة الإستراتيجية العربية للدول الرافضة لدفع التطبيع الشعبي والمتمثلة في حرب استنزاف أخلاقي على شبكات التواصل، تشمل جميع المجالات. – ثامنا: تفسير السياسة الإسرائيلية بأنها معتدلة في مواجهة المقاومة الفلسطينية وبث دوافع إسرائيل من العدوان على الدول العربية وحقها في الدفاع عن نفسها.والتأكيد على الجوانب الإنسانية في إسرائيل وسياساتها تجاه الجوانب السلبية من الجانب العربي. وتوثيق معلومات عن جميع الدول العربية في جميع المناطق مع الاستفادة بشكل خاص من المعلومات المتوفرة عن الظواهر السلبية في العالم العربي.

وتشير إلى أن محددات العمليات النفسية الإسرائيلية الموجهة ضد الدول العربية، تتمثل في توظيف الذكاء الاصطناعي في الرد الفوري على تصريحات القادة العرب بعد إعداد الرد المناسب وفق أهداف السياسة الإسرائيلية، وتشهير وتضليل الشخصيات الرئيسية في العالم العربي في كل فرصة وتحريضهم ضد بعضهم البعض، لزيادة الفرقة وعدم تجدد الوحدة العربية التي تشكل خطرا على وجود إسرائيل. والاستفادة من كل موقف حاد وإشكالي في الدول العربية لخلق توترات واهتمامات مشتركة في العالم العربي. وزيادة حدة الاحتكاكات الجوهرية بين الدول العربية والأفراد بمختلف الوسائل، بما في ذلك الابتزاز العلني، وكشف عن حقائق غير سارة في العالم العربي لبعض القطاعات العربية.

وترصد فوزي عددا من أساليب العمليات النفسية الموجهة ضد الدول العربية ومنها:

* أولا: العمليات النفسية الموجهة ضد مصر:

- التشديد على التوترات الداخلية في مصر وتفاقم الاضطرابات فور اكتشافها.

- التشهير بالشخصيات المصرية في عيون شعبها بوسائل علنية أو سرية.

- كشف الحقائق عن النظام المصري ورؤساء الحكومات ومؤسسات الدولة السيادية لإثارة الفوضى ووقف عجلة التنمية.

- إبراز النفقات العسكرية من قبل القوات المسلحة في ظل الفقر وضغط السكان وتقديم بديل السلام بشكل ملموس للشعب المصري، حيث ستتحسن حياة المصريين بالكامل إذا ما ستوقف مصر الحرب وتتعاون مع إسرائيل باعتبارها المنقذ للبلاد من كبوتها الاقتصادية.

* ثانيا: العمليات النفسية الموجهة ضد سوريا:

- التأكيد على التوترات الطائفية وعدم المساواة بين الطوائف.

- الكشف عن حقائق قاسية عن النظام وموقفه تجاه الشعب وحريته على وجه الخصوص.

- استغلال الصراعات بين قيادة الجيش والحزب الحاكم لإبعاد الناس عن الولاء المفرط للحكومة بأي ثمن.

* ثالثا: العمليات النفسية الموجهة ضد لبنان:

- التأكيد على الحياة الطيبة في لبنان في الماضي مقابل معاناته اليوم مع تفاقم الصراع والضرر بالاقتصاد والأمن الداخلي نتيجة لذلك.

- دعم المؤسسات والفصائل المسيحية ضد المسلمين والصراع بينهما.

* رابعا: العمليات النفسية الموجهة ضد الأردن:

- التأكيد على حسن التعاون مع إسرائيل.

- تقديم التعاون بين فلسطينو الداخل وإسرائيل كنموذج إيجابي في المستقبل للعلاقات بين الأردن وإسرائيل.

- التهديد بتشجيع ودعم منظمة التحرير الفلسطينية لتعريض الحكومة الأردنية للخطر.

* خامسا: العمليات النفسية الموجهة ضد السعودية والدول الخليجية:

- استعراض الثروة في هذه الدول مقابل الحريات وحقوق الإنسان.

- التخويف والتهديدات الوهمية أو الحقيقية للدول العربية الفقيرة بشأن خطر أنظمة الدول الخليجية 

- بث شائعات تتعلق بأن الأنظمة الملكية في هذه البلدان مكروهة ومحتقرة، وقد تعرضت للترهيب من شائعات تخريب الراديكاليين والفلسطينيين تجاه الأنظمة.

- ترهيب الأنظمة الخليجية من خلال التحذير من انقلابات بالداخل.
------------------------------------
 تقرير - محمد الحمامصي