20 - 04 - 2024

فلاح مصرى فى مملكة الأدب

فلاح مصرى فى مملكة الأدب

"هما موجتان عفيتان: إحداهما سمراء ذكورية العنفوان، والأخرى شقراء أنثوية الليونة، تصطدمان صدام المحبة والتزاوج، لا صدام الكراهية والبغضاء، وحين تتلاقيان فى لحظة الذوبان الكونية تخرجان إلى الدنيا ذلك المثلث الأرضى الخصيب العجيب"

هكذا وصف لى كاتبنا الكبير ميلاد دلتا النيل ذات يوم ونحن نسجل واحدا من البرامج الإذاعية المختلفة، ربما لم يكن هذا هو نص كلماته تماماً، لكن هذا ما بقى فى ذاكرتى وفى مخيلتى من وصفه المدهش وطريقته اللامسبوقة فى النظر إلى الأشياء والأشخاص، لذلك لم يكن مفاجئاً لى بعد ذلك أن أقرأ وصفه البديع للشخصيات فى بورتريهاته الفريدة التى جمع بعضها ذات يوم فى كتابه الممتع (صحبة العشاق).

إنه ليس حكاءً من طراز فريد فحسب، وإنما هو شيخ طريقة فى الكتابة الروائية والقصصية، وقطب له مريدون كثيرون يترسمون خطواته ويسيرون على دربه ويستظلون بعباءته الرحبة الحانية.

لم يكن المتحدث الأدبى باسم القرية المصرية فحسب، بل كان أحد ممثليها الساطعين فى الحياة أيضاً، حين كتب الدكتور محمد حسين هيكل عن القرية فى رائعته "زينب" فإنه كان "يتفرج" على القرويين من علٍ، شأنه فى ذلك شأن توفيق الحكيم حين كتب تحفته "يوميات نائب فى الأرياف"، حتى الدكتور يوسف إدريس الذى اقترب من عالم الفلاحين وحتى عمال التراحيل أكثر فى أعمال كثيرة أشهرها "الحرام" و"العيب" اقترب اقتراب المثقف اليسارى الذى ينتصر للفلاحين دون أن يكون أحدهم.

أما عم خيرى شلبى فكان فلاحاً من رأسه إلى أخمص قدميه، لذلك جاءت كتابته عن الفلاحين كتابة مختلفة، تستطيع فيها أن تشم رائحة الطمى الخصب، وطزاجة الزرع الصابح، وبهجة الحصاد، ودفء المصطبة الشتوية فى ليالى الفلاحين.

ربما كان عشاق الدراما قد توقفوا كثيراَ أمام "الوتد" أما أنا فكنت متيماً ب"أولنا ولد" وبقية الثلاثية "الكومى" و"السنيورة" فضلاً عن "بغلة العرش" ورحلة عباءة ووكالة عطية.

أما كتابه الممتع "فلاح مصرى فى بلاد الفرنجه" فله معى عبق خاص، إنه يمثل إحدى روائع أدب الرحلات فى عالمنا العربى، ومازلت أذكر حتى الآن كيف التهمت الكتاب التهاماً وأنا أستعد لأن ألقى مؤلفه لنسجل حلقة من برنامج "العالم بين يديك" رغم أن نحواَ من ربع القرن قد مر على هذه القراءة.

خيرى شلبى حالة إبداعية شديدة الخصوصية، لا تشبه إلا ذاتها، ولا يشبهها سواها رغم كثرة المريدين، ولا يمكن لمثل هذه الحالة الإبداعية أن تغيب، ولا يمكن لصاحبها إلا أن يمارس الحضور الجميل.

##

 

 

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان