وصلني ببالغ الامتنان كتاب "مقالات الإسلاميين في العصر الحديث" كهدية من مؤلفه الصديق الدكتور مصطفى حسن أحمد الأقفهصي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية. ولقد أثلج هذا الإهداء صدري لما يحمله من قيمة علمية وفكرية كبيرة، فالموضوع الذي يتناوله الكتاب من أهم القضايا الراهنة، حيث يسلط الضوء على تطور الفكر الإسلامي في العصر الحديث، ويسهم في فهم التيارات الإسلامية بمختلف مشاربها، فأشكر الدكتور الأقفهصي على هذا العطاء العلمي القيّم، وأثني على جهوده في تقديم مادة علمية غنية تلبي حاجة الباحثين والمهتمين بهذا المجال الحيوي، وقد تم طباعة الكتاب هذا العام 2024م عن دار الإمام الرازي للنشر والتوزيع بالقاهرة.
لقد كتبتُ اليوم رسالة للدكتور مصطفى الذي أهداني كتابه، وإن كنت قد تأخرت كثيراً، وحرصت على أن تنشر للعموم؛ تقديراً لجهوده المباركة، وفيما يلي نص الرسالة التي كتبتها له:
"الصديق الدكتور مصطفى حسن الأقفهصي،
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
وصلتني هديتكم الكريمة، وهو كتابكم القيم الذي يتناول موضوعًا نحن في أمسّ الحاجة إلى التعمق فيه واستيعابه، ولا يسعني إلا أن أعبّر عن بالغ شكري وامتناني لكم. إن هذا الكتاب لا يأتي في زمن عابر، أو أيام عادية، بل في وقت تتزايد فيه الفتن وتتداخل التيارات الفكرية المتناحرة، ما يجعل مؤلفات كهذا الكتاب بمثابة منارات تنير الطريق، وتوجّه المجتمعات نحو الفهم السليم والدقيق.
لقد كنتُ عازمًا على التعريف بكتابكم في مقال مستقلّ بجريدة تليق بكتابكم، حيث سأفرد للقراء بعضًا من المباحث التي تضمنها، وأبرز أقوالكم وتحليلاتكم التي جاءت شافية ووافية في كثير من القضايا التي نعاني منها اليوم. غير أن التزامات أخرى حالت دون نشر المقال في الوقت الذي كنتُ آمل فيه، ما اضطرني إلى تأجيله حتى الشهر المقبل.
ولأنني لا أستطيع تأخير شكري لكم، آثرت أن أبعث بهذه الرسالة لأعبّر عن امتناني العميق على هذه الهدية القيمة.
فضيلة الدكتور!
إن كتابكم يتناول موضوعًا خطيرًا ودقيقًا في آنٍ معًا، يتعلق بالتحزبات والانقسامات التي تتغلغل في جسد المجتمع، والتي جعلت من الوحدة حلمًا بعيد المنال. لقد أصبتم عين الحقيقة حين تناولتم خطورة التحزب لجماعات أو فئات بعينها، وكيف أن ذلك يؤدي إلى تعصبٍ أعمى يجعل الإنسان ينغلق على ذاته ويعادي غيره ممن لا ينتمي إلى جماعته أو فرقته. هذه التحزبات ليست إلا مرضًا في جسد الأمة، يعوقها عن الانخراط في مسيرة واحدة نحو الإصلاح والتقدم. ولعلّ ما ذكرتموه في هذا الصدد يعيد إلى الأذهان أهمية أن يكون المسلم منخرطًا مع جماعة المسلمين كافة، لا متعصبًا لفئة أو فرقة أو حزب، لأن ذلك لا يزيده إلا عزلًا وانفصالًا.
وما أجمل ما ذكرتموه عن ضرورة الابتعاد عن كلّ ما يدفع الإنسان إلى الانخراط في صراعات ضيقة الأفق، تلك الصراعات التي تستنزف الطاقات وتضيع الغايات الكبرى للأمة. فالمسلم الواعي هو من ينأى بنفسه عن كل مظاهر التعصب والانقسام، ويبتعد عن تلك التحزبات التي لا تؤدي إلا إلى الشقاق والبغضاء. إن الالتزام بجماعة المسلمين، والابتعاد عن كلّ أشكال التعصب الأعمى، هو السبيل الأمثل لحفظ وحدة الأمة وتحقيق الاستقرار والانسجام في صفوفها.
وقد شدّني في كتابكم التنبيه على أن التحزب لجماعات معينة، مهما كانت شعاراتها، قد يؤدي إلى الانحراف عن جادة الصواب، ويبعد المسلم عن الوسطية التي دعا إليها الدين الحنيف. فالإسلام دين وسط، لا يعرف الغلو ولا الإفراط، وهو يدعو دائمًا إلى التعايش والاتفاق على القواسم المشتركة، لا إلى الانقسام والتفرق. وهذا ما يجعلني أرى أن كتابكم الذي تنبّه إلى هذه الحقائق يجب أن يكون في متناول الشباب الذين قد يتأثرون بسهولة بشعارات المتعصبين.
لذلك أود أن أوجه إليكم اقتراحًا بإعداد نسخة مختصرة من هذا الكتاب، موجهة خصيصًا إلى الناشئة والشباب، بلغة واضحة وبسيطة، بعيدة عن التعقيد الأكاديمي!
إن الشباب هم الفئة الأكثر تعرضًا للتأثر بتلك التيارات المتعصبة، ولذا فإن تزويدهم بالمعرفة الصحيحة والأدلة العقلية والنقلية الراسخة سيسهم في تحصينهم من الوقوع في براثن الفكر المتطرف. ولا يخفى عليكم، فضيلة الدكتور، أن لغة الرسائل العلمية قد لا تكون سهلة الفهم أو ملائمة للشباب في بعض الأحيان، لذا فإن إعداد كتاب خاص - ولو كان مختصراً - يناسب مستواهم الفكري سيكون خطوة مهمة في اتجاه تعزيز وعيهم، وتوجيههم نحو الوسطية والاعتدال.
وبما أنّ معرض القاهرة الدولي للكتاب على الأبواب، أرى أن هذه فرصة مناسبة لطرح هذا المقترح والتفكير في تقديم هذه الرسالة العلمية في ثوب جديد يناسب تلك الفئة المهمة من المجتمع. فكما تعلمون أن الشباب هم عماد الأمة، ومن الأهمية بمكان أن نقدم لهم ما يسهم في بناء فكرهم وتنمية وعيهم بشكل صحيح، بعيدًا عن التطرف والغلو.
في الختام، أؤكد لكم أن كتابكم سيعدّ مرجعًا أصيلًا ومهمًا في هذه الحقبة التي نعيشها، وأتمنى أن يحظى بنقاش واسع في الندوات الثقافية، وأن يُعرّف به في المجلات والجرائد، حتى يصل إلى كل من يطلب الحق ويبحث عن الهداية، كما أن المجال متاح للتعقيب عليه؛ وفقاً لما هو متعارف عليه من الردود العلمية.
أجدد شكري وامتناني لكم على هذه الهدية الثمينة، وأسأل الله أن يوفقكم ويعينكم في رحلتكم العلمية والعملية، وأن يجزيكم عن الوسطية وأربابها خير الجزاء.
وفقكم الله لما يحب ويرضى، ودمتم في رعايته وحفظه!
محبكم
-----------------------
علي زين العابدين الحسيني