20 - 05 - 2025

الجارديان: علماء يقتربون من معرفة الحجم الحقيقي والمرعب للوفيات والأمراض في غزة

الجارديان: علماء يقتربون من معرفة الحجم الحقيقي والمرعب للوفيات والأمراض في غزة

أصيب طفل يبلغ من العمر عشرة أشهر في غزة بشلل جزئي بسبب شلل الأطفال، وهي أول حالة مؤكدة هناك منذ 25 عاماً. ومن المرجح أن يكون الشلل دائماً، ولا توجد علاجات لشلل الأطفال. ولدينا لقاح آمن وفعال للوقاية من الأمراض الخطيرة، لكن الحرب الدائرة في المنطقة تعني توقف حملات التطعيم. ويبدو تفشي شلل الأطفال أمراً لا مفر منه نظراً لانتشار المرض عبر المياه القذرة والقمامة، التي تحيط بأولئك الذين يعيشون في الخيام داخل المخيمات.

ولحسن الحظ، تم الاتفاق على سلسلة من فترات التوقف لمدة تسع ساعات على مدى أيام متتالية حتى يتسنى تطعيم الأطفال كجزء من حملة صحية طارئة للأمم المتحدة. وانتهت أول هذه الفترات التي استمرت ثلاثة أيام يوم الثلاثاء؛ وسوف تستمر الفترة التالية حتى نهاية الأسبوع. ولكن ما إذا كان القتال سيتوقف تمامًا هو مصدر قلق كبير: فقد هاجمت القوات الإسرائيلية المستشفيات والمدارس وشاحنات المساعدات وموظفي الأمم المتحدة في الماضي.

 ولم تعد وكالات الأمم المتحدة مثل برنامج الغذاء العالمي ترسل موظفيها إلى غزة بعد أن فتحت القوات الإسرائيلية النار على شاحنة تحمل علامة برنامج الغذاء العالمي ــ حتى بعد حصول المركبة على الموافقات من السلطات الإسرائيلية. ومن السهل جدًا الاتفاق على فترة توقف على الورق؛ وسوف يكون الاختبار الحقيقي هو ما إذا كان سيتم احترامها في الحياة الواقعية.

إن اكتشاف شلل الأطفال في غزة يذكرنا بأن تقييم التكلفة الحقيقية للحرب أصبح صعباً على نحو متزايد. فنحن لا نملك فكرة عن مدى انتشار الأمراض والمجاعة ـ أو ما يسمى "الوفيات غير المباشرة" ـ ونحن في جهل تام فيما يتصل بالعدد الإجمالي للوفيات. وعادة ما يتم جمع البيانات من المستشفيات ومشارح الجثث، التي تشهد على كل حالة وفاة وتخطر وزارة الصحة.

 ولكن أنظمة التسجيل المدني هذه انهارت في غزة، وهذا يعني عدم وجود بيانات دقيقة عن عدد الوفيات. وكانت وزارة الصحة تحاول جمع الأرقام باستخدام التقارير الإعلامية، وهي ليست وسيلة موثوقة لالتقاط الصورة الكاملة. وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من عشرة آلاف جثة مدفونة تحت الأنقاض (أي أنه لا يمكن إحصاؤها)، فضلاً عن عدد متزايد من الجثث التي لا يمكن التعرف على هوياتها.

من المهم أن يكون لدينا نوع من العملية المقبولة والموثوقة لتقدير العدد الحقيقي للوفيات عن بعد. على مدى عدة عقود، تم تطوير أساليب لبناء مجموعات البيانات في المواقف التي تعاني من ضعف أو تلف أنظمة الصحة والمراقبة: دراسة العبء العالمي للأمراض، التي تمولها مؤسسة بيل وميليندا جيتس، هي المعيار الذهبي هنا. الهدف هو إنشاء عملية لتقدير الوفيات، ثم التثليث عبر مجموعات البحث والأساليب المختلفة لمعرفة ما إذا كان من الممكن الاتفاق على رقم قوي ومقبول عالميًا. هذه عملية مراجعة الأقران والتشاور بين العلماء.

نشرت مجلة لانسيت الطبية مؤخرا تقديرا لعدد الوفيات في غزة من قبل العديد من العلماء المحترمين، الذين يحددون عملية تقديرهم (مقارنة بالصراعات المماثلة) والأرقام النهائية. ويقدرون أن حوالي 186000 حالة وفاة إجمالية يمكن أن تُعزى إلى الصراع الحالي في غزة، والتي تمثل حوالي 7.9٪ من سكانها، بحلول منتصف يونيو 2024. هذا العدد المرتفع على الرغم من اتفاقيات وقف إطلاق النار المختلفة على مدى الأشهر الستة الماضية. إذا استمرت الوفيات بهذا المعدل - حوالي 23000 شهريًا - فسيكون هناك 149500 حالة وفاة إضافية بحلول نهاية العام، أي بعد حوالي ستة أشهر ونصف من التقدير الأولي في منتصف يونيو. باستخدام هذه الطريقة، سيتم تقدير إجمالي الوفيات منذ بدء الصراع بحوالي 335500 حالة وفاة في المجموع.

وعلى نحو مماثل، قمت بتقدير تقريبي في الشتاء الماضي من خلال النظر في حالات الصراع الأخرى وتقييم عدد القتلى الذين قد يسقطون إذا استمر القتال دون تدخل دولي. وفي ديسمبر2023، كان تقديري حوالي نصف مليون قتيل دون وقف إطلاق النار. 

وهذا يتماشى تقريبًا مع تقديرات مجلة لانسيت - التي استخدمت تقديرًا متحفظًا للغاية، لكنها سمحت بأن يكون الرقم أعلى من ذلك بكثير بسهولة. كما يوضح ما كان يمكن أن يحدث لو لم يتحرك المجتمع الدولي، ولم يستغل النوافذ القصيرة المتاحة لتقديم المساعدات والرعاية الطبية. وقد تم إنقاذ العديد من الناس من خلال هذه التوقفات المختلفة في القتال والتدخلات الإنسانية، حتى لو تم فرضها بشكل متقطع.

من السهل أن نضيع في هذه الأرقام وننسى الاسم والوجه وراء كل منها. ورغم أن الوضع في غزة قد يبدو ميؤوسا منه، إلا أنه ليس كذلك. إن محاولات الأمم المتحدة للوصول إلى القطاع، مثل تلك التي أدت إلى توقف إنساني للتطعيم ضد شلل الأطفال، تنقذ الأرواح.

 إنها تحدث فرقا لمئات الآلاف من الأسر، حتى في ظل الرعب المروع الذي تسببه الحرب. هذه ليست حجة أو نقاشا سياسيا: إن تعاون العلماء لإثبات الحقائق والبيانات الموثوقة أمر بالغ الأهمية لتوثيق ما يحدث في الصراع في قطاع غزة - وسوف يساعد أولئك الذين يعملون من أجل إيجاد حلول للحفاظ على حياة الإنسان وصحته.
----------------------------------------
بقلم: البروفيسور ديفي سريدهار 
* رئيس قسم الصحة العامة العالمية في جامعة إدنبرة

للاطلاع على المقال بالإنجليزية يرجى الضغط هنا