للأسبوع الثاني على التوالي، تعيش معظم مدن الشمال البريطاني تحت وطأة أعمال شغب وتخريب واسعة النطاق، نفذها أنصار اليمين المتشدد في بريطانيا. هؤلاء المتظاهرون يطالبون بطرد المهاجرين والمسلمين، حيث تحولت الاحتجاجات إلى هجمات على الممتلكات العامة والخاصة، بما في ذلك حرق مراكز شرطة ومساجد ومطاعم وتكسير المرافق العامة والفنادق المخصصة لطالبي اللجوء.
الأزمة بدأت بعد حادث الطعن المأساوي الذي وقع في نهاية الشهر الماضي بمدينة ساوثبورت شمال ليفربول، وأسفر عن مقتل ثلاثة أطفال وإصابة تسعة آخرين، بينهم اثنان بجروح خطيرة. ورغم أن الحكومة أكدت أن مرتكب الحادث مراهق من أصل رواندي ومولود في بريطانيا ولا علاقة له بالدين الإسلامي، إلا أن قادة اليمين المتطرف قد زعموا زوراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن المنفذ مهاجر مسلم وصل حديثاً إلى البلاد، هذه المزاعم غير الصحيحة أدت إلى تفجر أعمال الشغب.
الشرطة البريطانية، التي اعتقلت أكثر من 400 شخص من المتظاهرين، بدأت في محاكمة عدد منهم، فيما اعتبرت الحكومة البريطانية أن هذه الاحتجاجات هي أعمال شغب وليست مظاهرات تعبيرية عن الرأي. في غضون ذلك، تعرض مواطن بريطاني من أصل هندي للطعن في مدينة بلفاست بإيرلندا الشمالية، حيث وصفت إصابته بالخطيرة. كما أدانت محكمة ليفربول المركزية عشرة من المحتجزين بتهم العنصرية والشغب، وتنظر حالياً في توجيه التهم إلى 19 آخرين.
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أكد أن من حق كل فرد الشعور بالأمان، مشيراً إلى أن أعمال الشغب التي استهدفت المجتمعات المسلمة والأقليات العرقية والمساجد والشرطة تتعارض مع هذا الحق. وأكد ستارمر أن الحكومة ستستخدم كامل قوتها القانونية لمحاسبة المتورطين في أعمال العنف والعنصرية، معلناً أن الحكومة والشرطة ملتزمان بحماية المجتمع المسلم من الاعتداءات الأخيرة.
وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر أكدت جاهزية السجون لاستقبال مثيري الشغب ومرتكبي الجرائم، وأعربت عن دعمها الكامل لقوات الشرطة في مواجهة الفوضى.
وقد توسعت الاحتجاجات العنصرية إلى مدينة بليموث الساحلية جنوب البلاد، حيث أسفرت حتى الآن عن إصابة أكثر من 100 شرطي وتسببها في خسائر مالية تتجاوز عشرة ملايين جنيه إسترليني.
النائبة عن حزب العمال لابينا باست وصفت الوضع الحالي بالمقلق والخطير، مشيرة إلى أن ما يحدث في بريطانيا يعكس موجة متصاعدة من التعصب والعنصرية التي تجتاح أوروبا بفعل صعود اليمين المتشدد. أضافت أن التعصب والعنصرية ليست جزءاً من الثقافة البريطانية التي تشتهر بتسامحها واستقبالها وحمايتها للمستضعفين.
ووصفت أعمال الشغب بأنها ليست مجرد احتجاجات، بل تخريب متعمد يستهدف المجتمع المختلف فكرياً ودينياً.
وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً أساسياً في تأجيج الفتنة في الشارع البريطاني، حيث لم تقم المنصات بحظر أو حذف الأخبار الكاذبة المتعلقة بجريمة ساوثبورت، مما زاد من انتشار الشائعات.
انتقدت الحكومة البريطانية دور وسائل التواصل، خصوصاً بعد تصريح إيلون ماسك، مالك موقع إكس، الذي قال إن "الحرب الأهلية في بريطانيا قادمة"، وهو التصريح الذي اعتبرته الحكومة غير مبرر.
في مواجهة هذه الأزمة، أصدرت وزيرة العدل تعليمات بإغلاق حسابات المتطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي وتعهدت بملاحقة مروجي الإشاعات.
في المقابل، أفادت مصادر صحافية بأن عددًا كبيرًا من البريطانيين تقدموا بطلبات للانضمام إلى حزب الاستقلال اليميني المتشدد بقيادة نايجل فراج، وهو ما يعكس اتساع رقعة أنصار اليمين المتشدد المطالبين بطرد المهاجرين والأقليات.
نايجل فراج هو أحد الشخصيات البارزة في حركة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويعتبر تراجع دور بريطانيا مقارنة بالدول الأوروبية من بين أسباب دعمه لهذه الحركة.