10 - 05 - 2025

مؤشرات | الرياضة والتنمية ودور ضئيل .. لماذا؟

مؤشرات | الرياضة والتنمية ودور ضئيل .. لماذا؟

بمناسبة مشاركة مصر في أولمبياد باريس 2024، انتهي تقرير تحليلي مهم إلى أهمية استفادة الحكومة من تجارب دول الجنوب مثل البرازيل التي تدعم قطاع الرياضة وتحصد كثيرًا من الميداليات الأولمبية، بتقديم حوافز ضريبية إلى الهيئات الراعية للرياضة ومنحًا دراسية ممولة بالكامل للموهوبين رياضيًّا.

وأهم ما ينبغي على الحكومة إدراكه هو دور الرياضة كأداة للتنمية المستدامة وتطبيق هذا المبدأ في سياساتها الخاصة بالرياضة، فالاستثمار في البنية التحتية للقطاع التي توفر المساحات والفرص للقاعدة الشعبية لممارسة النشاط البدني هو السبيل لحصد الإنجازات.

وفي قراءة للوضع في دول قريبة من مصر مثل تركيا، نجد أن الحكومة تتبنى خطة شاملة للاستثمار في البنية التحتية الرياضية وتطبيق برامج فعالة للبحث عن موهوبين، وتقديم الدعم المادي والرياضي إليهم طوال فترات تدريبهم ودراستهم.

الملفت للنظر في تحليل برنامج عدسة بمركز "حلول للسياسات البديلة" بالجامعة الأمريكية، هو تراجع اهتمام الحكومة بتوسيع القاعدة الرياضية للبلاد وانعكس هذا على محدودية الفرص والمساحات والموارد العامة التي توفرها للرياضيين، فيما تقلص عدد الأندية التابعة للوزارات والهيئات الحكومية إلى النصف تقريبًا وانخفض عدد الأندية التابعة لشركات القطاع العام والأعمال العام التي تخدم الموظفين والعاملين بها 15% بين عامي 2012-2021.

ولاشك أن الرياضة من الناحية الإقتصادية تحتاج إلى رؤية جديدة كليا، بعكس السياسات الحالية، خصوصا أن الحكومة ركزت أوجه إنفاقها في القطاع الرياضي على برامج توعية بدلًا من توفير المرافق والأندية والمنح الدراسية اللازمة للاعبين.

والأرقام تشير إلى أن الحكومة صرفت حوالي 53.9 مليون جنيه على برنامج بث روح الولاء والانتماء، بالإضافة إلى ما يقارب 19.8 مليون جنيه أخرى تستهدف تنمية الوعي والمشاركة السياسية في 2022/2021، وهي برامج من المفترض أن تقوم بها الأحزاب والمجتمع المدني.  

وقد أدى نقص الاستثمار الحكومي في البنية التحتية الرياضية التي تخدم الكتلة السكانية العريضة من الطبقة الوسطى إلى تراجع إجمالي أعداد اللاعبين في الأندية الحكومية بنسبة 33%، وفي مراكز الشباب بنسبة 51% بين عامي 2013-2021.

وتعتبر الحكومة الرياضة موردًا جديدًا للخزانة العامة وتشجع المشاريع الرياضية التي تدر أرباحًا مادية، في الوقت الذي تراجعت فيه عن الاستثمار في البنية التحتية الشعبية لإتاحة الرياضة للجميع.

وعلى الدولة إدراك هذا الإهمال وإعادة الاهتمام بالتربية البدنية في المدارس وإتاحة المساحات العامة التي تشجع على ممارسة النشاط البدني للجميع، كما يجب على الحكومة التوسع في إنشاء المدارس الرياضية من أجل تنمية الثروة البشرية من الرياضيين المحترفين، بدأت الدولة في إنشاء تلك المدارس في التسعينيات ولكنها تعاني الإهمال حاليًّا وإغلاق بعضها في المحافظات.

تساعد المدارس الرياضية الحكومية على حصول الطلاب على حوافز رياضية بالإضافة إلى متابعة متخصصة في نشاطهم الرياضي لتأهيلهم للمسابقات الإقليمية والدولية.

ورغم أن بعثة مصر الأولمبية هذا العام تعد هي الأكبر في تاريخ مشاركاتها بعدد 164 لاعبًا موزعين على 22 رياضة جماعية وفردي، إلا أن المشاركة المصرية اتسمت بتواضع الإنجازات (ميدالية واحدة حتى كتابة هذه السطور) مقارنة ببلدان مماثلة على مدار تاريخها، ويعكس هذا تراجع الحكومة عن دعم البنية التحتية الرياضية التي من شأنها تنمية مواهب وإمكانات الشباب والرياضيين.

ترتكز سياسة الدولة الحالية على جذب استثمارات لبناء استادات وصالات ضخمة أملًا في إقامة فعاليات دولية، لكنها تتراجع عن دعم المدارس والأندية الحكومية ومراكز الشباب وتوفير الساحات العامة التي تضمن حق ممارسة الرياضة والنشاط البدني للجميع.  

والسؤال المهم يدور حول كيفية تنفيذ وتحقيق طموح الحكومة إلى مساهمة قطاع الرياضة بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030؟، حيث تهدف إلى تحقيق هذه الرؤية من خلال خفض إنفاق وزارة الشباب و الرياضة على الأنشطة الرياضية واستبداله بالتمويل الذاتي ورعاية البنوك والشركات، واستغلال المساحات الرياضية في مراكز الشباب وغيرها لتحقيق مكاسب اقتصادية.

ومن أهم النقاط التي تحتاج إلى دراسة بشأن أهمية الرياضة إقتصاديا، أزمة الرياضة في مصر أن لا تقتصر على التمييز ضد محدودي الدخل، بل ينم الواقع الرياضي المصري عن تباطؤ في تمكين النساء وفقًا لخطة التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030، وهو ما تجسد في قرار اللجنة الأولمبية المصرية باستبعاد لاعبة الملاكمة يمنى عياد بسبب زيادة في الوزن عن استمرار التمييز ضد المرأة وانحراف الإدارة الرياضية عن مبادئ الاندماج حسب النوع.

بل يتجلّى التمييز ضد المرأة في ضآلة نسب مساهمة الرياضة في شَغل أوقات الشابات، وفيما يرى البعض أن هذا التراجع في ممارسة الرياضة نتيجة تفشي العادات والتقاليد التي تسمح للذكور بالخروج إلى النوادي ومراكز الشباب لقضاء أوقات فراغهم بينما تمارس الفتيات الأعمال المنزلية.

ويتجسد هذا التمييز فيما يبرزه التوزيع الجغرافي للنشاط الرياضي حيث هناك تباينات بين نسب مشاركة النساء والذكور فلا يتعدى تمثيل المرأة 12.3% من إجمالي اللاعبين بمراكز الشباب، ويزداد الأمر سوءًا في نسب المشاركة النسائية في الريف التي لا تتجاوز 10%، بل إن بعض المحافظات لا يوجد بها فرق سيدات أو لاعبات بشكل كامل مثل البحيرة والوادي الجديد وقرى البحر الأحمر.

ولاشك أن تضاؤل دور الرياضة في التنمية بحاجة إلى رؤية وإعادة نظر في مختلف زوايا ومكونات هذا الملف المهم.
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | ثقوب مميتة من حادث غاز الواحات والبنزين المغشوش