- مصر في حالة استنفار وتهيئة للرأي العام بأن كل السيناريوهات مفتوحة
- أغلبية الإسرائيليين يتوجسون خيفة من مصر ويسألون عن سبب تدعيم الجيش المصري وحفر أنفاق تحت قناة السويس
- سياسة الغطرسة التي تتبعها إسرائيل وتجاهل الأيدي الممدودة بالسلام تعجل باندلاع معركة الثامن أكتوبر
- صيحة الندم واضحة لدى اليهود المصريين الذين هاجروا إلى الكيان بعد أن اكتشفوا عنصريته وغياب الديمقراطية وكذبة حياة الرفاهية التي وعدوا بها.
- عملية رابين 2 ورادة باغتيالات سياسية داخل الكيان لنتنياهو أو المعارضين له
- إسرائيل في عملية مراجعة وجودية حول طبيعة الدولة ونتنياهو يراهن على الزمن في التخفيف من وطأة محاسبته
- حرب أهلية في إسرائيل سيناريو محتمل في قادم الأيام وهناك احتقان غير عادي وتصدعات متزايدة وغير مسبوقة
- اتهام الكيان لمصر بإفشال المفاوضات أضعه في خانة الإفلاس بهدف الضغط على مصر لتضغط على المقاومة وهي لن تفعل
- تقييمات البعض للموقف المصري قائمة على الهوى.. فلو دخلت مصر وحررت القدس لقالوا لماذا لم تحرر إسطنبول وواشنطن
هذا هو الجزء الثاني من الحوار مع الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد أنور، أستاذ اللغة العبرية بجامعة الإسكندرية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، والباحث البارز المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفكر الصهيوني ليحدثنا عن تأثيرات طوفان الأقصى على الداخل الصهيوني وما حققه الطوفان من إنجازات، وإلى متى ستدعم أمريكا هذا الكيان، وحقيقة قوة منظمات الضغط الصهيوني على الإدارة الأمريكية وغيرها من الموضوعات، وإليكم نص الحوار.
في هذه الحلقة نناقش موقف الداخل الإسرائيلي من هذه الحرب، والسيناريوهات المحتملة لإنهائها والدور المصري في وقف العدوان على غزة، وصورة مصر في الأدب العبري، وكيف يعيش اليهود المصريون الذين هاجروا إلى الكيان، وما هو موقفهم من الحرب الدائرة.
* من واقع خبرتك لعقود في متابعة الشأن الإسرائيلي ما السيناريوهات التي ستؤول إليها الحرب الدائرة الآن؟
- في السيناريو الأول: أرى أن كل ما حدث هو تمهيد لمعركة كبرى وأن المعركة الأساسية لم تأت بعد، فإسرائيل تحاول كسر إرادة المقاومة والشعب الفلسطيني، والترويج لرواية محددة وكل ذلك فشلت فيه. في الداخل الإسرائيلي هناك من يدعو لاستخدام المزيد من القوة ، لضرب المقاومة في سوريا في لبنان في العراق في اليمن وفي جميع الساحات ليستعيد الكيان هيبته؛ وفي رأيي هذا لهاث وركض وراء الوهم.
وهذا هو السيناريو الأقرب للحدوث ستحاول إسرائيل بذل المزيد من العدوان والدخول في حروب مستمرة بغية تحويلها إلى حرب إقليمية لعلها تعيد لها الهيبة وترتيب الأوراق بما هو في صالح كيانهم المأزوم.
أعتقد هناك سيناريو موازي أن تبدأ إسرائيل في مراجعة نفسها وإحياء طريق أسلو لأنه يحقن دماء الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي ظل أسلو كان عدد قتلى الكيان أقل من 7 أكتوبر وما تلاها من أحداث، وهذا السيناريو مستبعد في ظني، فالثامن من أكتوبر قادم كما جاء يوم السادس من أكتوبر في 1973 والسابع من أكتوبر في 2023 بسبب سياسة الغطرسة التي تتبعها إسرائيل وتجاهل الأيدي الممدودة بالسلام.
* ما تبعات هذا المشهد إذا استمر الوضع على ما هو عليه على الداخل الإسرائيلي؟
- إسرائيل في عملية مراجعة وجودية حول طبيعة الدولة، وإذا استمر هذا الشكل سيتحول إلى مشهد أقرب إلى حرب أهلية وهذا وارد جدًا؛ لأن البعض ينظر إلى الحكومة على أنها قتلت الأسرى مرتين، حين تركتهم في الأسر وحين قصفتهم بالسلاح الثقيل، وهناك من يُخَوِّن عائلات الأسرى، ويجري الرد على هؤلاء بالتخوين أيضًا، وذلك يجعل عملية رابين 2 ورادة باغتيالات سياسية داخل الكيان لنتنياهو أو المعارضين له.
نرى مشاهد غير مسبوقة في الكيان قد تدفع إلى إيجال عامير جديد (يهودي إسرائيلي من أصل يمني، عُرف بقتله لرئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين). يقوم بمعاقبة الخائن الذي ضحى بالأسرى أو الخائن الذي يضحى بإسرائيل من أجل أفراد. فهناك احتقان غير عادي وتصدع متزايد داخل الكيان.
* ماذا ينتظر نتنياهو بإطالة أمد الحرب؟ هل ينتظر أن يصل ترامب إلى الحكم؟
- هو متخيل أن الإسرائيليين سوف ينسون الديكتاتورية التي صنعها بقمع القضاء، وفشله في السابع من أكتوبر. يتخيل أن الناس سوف تنسى ذلك مع طول أمد الحرب مما يخفف المسؤولية عنه أثناء المحاكمة التي تنتظره، فلو حُوكِم بعد 7 أكتوبر كان من المحتمل أن يستحدثوا عقوبة الإعدام خصيصًا له؛ لكن الآن الناس دخلت في تفاصيل كثيرة جدًا، مثل هل تأخر في إخراج الرهائن؟ هل هو المسؤول أم وزير الدفاع؟ هل إيران فعلت كذا؟ علمًا بأن إيران أحيانًا تتدخل لتسحب الغطاء عن القضية الفلسطينية وتعطي شرعية لأفعال نتنياهو الذي يراهن على الزمن ليخفف من وطأة محاسبته وفي التقليل من غضب الناس نحوه.
* حدثنا عن الحالة المزاجية في الشارع الإسرائيلي؟
- هناك شوارع وليس شارعا واحدا، الشارع الأول: الحريديم في عالم منفصل ليس لهم علاقة بالأمر يرفضون التجنيد ويفضلون الموت والسجن على ذلك، وعلى استعداد لإسقاط الحكومة وإغلاق الشوارع إذا ما تم تجنيدهم.
وهناك شارع ثان.. يطالب بالمساواة والعدالة ودولة غير قائمة على الفصل العنصري، يصبح فيه فلسطينيو الداخل لهم الحقوق نفسها التي لليهود الأشكيناز، فرغم أنهم قبلوا الجنسية الإسرائيلية والتزموا بالقانون وجندوا في الجيش ويعملون في جهاز الشرطة وبعضهم تولى مناصب وزارية لتجميل الوجه القبيح للكيان لكنهم يعانون من العنصرية الشديدة.
وشارع ثالث يطالب بدولة يهودية ديمقراطية مع أنه لا يمكن الجمع بين دولة ديمقراطية ويهودية في الوقت ذاته، فتجدهم يطالبون بإجراء انتخابات لا توجد فيها أغلبية من عرب 48.
وشارع رابع يطالب بإسرائيل الكبرى التي لا يحددون حدودها ويطالبون بإعادة المستوطنات في غزة ويسألون عن سبب تنازلهم عن سيناء ويدعون إلى إعادة المستوطنات بها أيضًا. ويطالبون بأجزاء من الأردن.
وشارع خامس يقول إن نفوذنا كان يمتد من المحيط إلى الخليج، فلماذا ضحى نتنياهو بهذه الرفاهية والتنسيق الأمني والعلاقات الاقتصادية والتطبيع من أجل 1% في غزة، أحرق كل هذه المنجزات، وأعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد أن اختفت، ويرى هذا الفصيل أن الأولوية لإخراج المحتجزين الآن بصفقة أو بتنازلات أو بأي شيء.
* ماذا عن الأغلبية؟
- الآن الأغلبية في الكيان ترفع شعار لا لنتنياهو، فهناك معسكر واضح ضد هذا المسار الذي يتبعه.
* وماذا عن سيناريوهات سقوطه؟
- كل السيناريوهات تؤدي إلى سقوط نتنياهو حتى وإن استمر لفترة، إما عن طريق الخيانات داخل حزب الليكود ومن داخل الائتلاف مع الحريديم، فالائتلاف متصدع، ويمكن من خلال الحكومة نفسها من الداخل. فإسرائيل ليس لها حكومة تكمل مدتها، فعادة ما تسقط أي حكومة في المنتصف من مدتها لأسباب تافهة وأقل مما جرى في السابع من أكتوبر، مثل أن أحد الوزراء سافر يوم السبت في الطائرة فتسقط الحكومة، وآخر أدخل قصيدة لمحمود درويش إلى المناهج فتسقط الحكومة فالخيانات متكررة داخلهم.
* وما دور عرب 48 الذين قبلوا الحصول على جنسية الاحتلال في هذا الوضع السياسي المعقد داخل الكيان؟
- لو اتحد عرب 48 أو فلسطينيو الداخل يمكن أن يحققوا خُمْس المقاعد في الكنيست الإسرائيلي، فهم القوة الثانية أو الثالثة حزبيًّا داخل إسرائيل، ويمكن أن يتخطوا الليكود نفسه، لكن المشكلة أنهم لا ينزلون الانتخابات في قائمة واحدة، ولديهم انشقاقات داخلية، كما أن النظام يستخدم ألاعيبه لأخذ أصوات العرب ويعطيها لليكود المناهض لهم ليكمل عدد مقاعدهم في الكنيسيت، ويتعمدون كذلك زرع الانشقاقات بين الكتلة العربية، فهناك الحركة الموجودة في كفر قاسم باسم الحركة الإسلامية أسسها الشيخ نمر عبدالله درويش، إلى أن خرج واحد من الشمال في الناصرة يدعى رائد صلاح وأسس الجناح الشمالي. وبعدها صنع الكيان انشقاقات داخل القائمة العربية المشتركة بعد أن أصبحت رسميًا القوة الحزبية الثالثة وكانت مؤثرة، عبر تخويف رؤساء البلديات ورشوتهم وتخويفهم أن هؤلاء بدو ويمكن أن ينتقلوا إلى حزب الليكود وغيرها من ألاعيب تقزم من دور عرب 48.
* نرى في هذه الحرب وجود عرب ودروز يخدمون في جيش الاحتلال؟
- بعض الدروز يجندون بشكل إجباري وإنما العرب البدو يدخلون الجيش الإسرائيلي برغبتهم عبر التطوع كقصاصي أثر، وهناك دروز وطنيون في سوريا يرفعون صورة حافظ الأسد وضد الكيان.
* تنشر المقاومة الفلسطينية مقاطع فيديو لاستهداف عناصر الجيش الصهيوني وإيقاعه في كمائن فماذا عن تأثير ذلك على الداخل الإسرائيلي؟
- لها تأثير خطير على الداخل الإسرائيلي لأنها مكتملة الأركان، يظهر فيها المقاوم والعناصر الإسرائيلية التي يجرى اصطيادها، في حين المتحدث العسكري الإسرائيلي يخرج فيديوهات لجنود يطلقون الرصاص على حوائط والحوائط لا يمكنها أن تبادلهم إطلاق النار! فأين الإنجاز، أو فيديو من طائرة ثم تخرج دخانه أو بقعة داكنة تتصاعد، مشاهد يمكن صنعها بالذكاء الاصطناعي.
هناك مطالب بعدم إذاعة فيديوهات المقاومة لأنها تؤذي مشاعر أهل القتلى، كما أن أغلبية الفيديوهات تمنع من قبل الرقابة العسكرية، وفي الفترة الأخيرة تقوم الرقابة العسكرية باشتراط موافقة الأهالي للنشر، وفي ظني ذلك يحدث كتمهيد من الجيش الإسرائيلي للانسحاب من غزة ليخبرهم بكم الخسائر التي تبرر هذا الانسحاب.
* لو خيرت بين دولة واحدة أو اثنين في فلسطين فماذا تختار؟
- الإجابة التي تتمتع بالخبث حل الدولة الواحدة لأن الحضارة والثقافة العربية الشرقية ستذيب الأقلية الصهيونية داخلها، لكن في ظل المذابح والشرعية الدولية التي نرتكن إليها يصبح الحل العملي هو حل الدولتين بشرط وجود دولة قابلة للحياة تمتلك مقومات الدولة ببنك مركزي متواصلة الأطراف، وربما يكون حل الدولتين مرحلة في النهاية لحل الدولة الواحدة وهذا ما تخشاه إسرائيل.
* كيف يمكن أن تتحقق هذه الدولة الفلسطينية؟
- فكرة دولة فلسطينية تحتاج إلى نقاش فاليافطة بشكل عام كان نتنياهو موافقًا عليها في أكثر مناسبة؛ لكنه تراجع حتى عن هذا الكلام، فالسؤال هنا هل سيكون لها بنك مركزي؟ هل لها جيش؟ هل سيكون هناك طريق يربط بين الضفة وقطاع غزة عبر تبادل أراضي؟ فالكيان لا يريد تواصلا جغرافيا وصنع دولة قابلة للحياة فإذا كنت تريد تسميها دولة فلك ذلك سيمنحهم قرية أبوديس خارج القدس ويوسع من صلاحيات بلدية القدس وتصبح فلسطين دولة عاصمتها القدس في أبوديس وفق المخطط الصهيوني، فالشيطان يكمن في التفاصيل وبالطبع لن يفكك المجمعات الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية.
* حمل الكيان الصهيوني قيادات مصرية في المخابرات السبب وراء فشل المفاوضات الرامية لوقف إطلاق النار فكيف ترى ذلك؟
- ذكر المسؤول المصري واتهامه بإفشال المفاوضات أضعه في خانة الإفلاس الإسرائيلي فبعد أن اتهمت قطر بإفشال المفاوضات فتنحت عن المفاوضات، ولم تبق إلا مصر التي دائمًا هي التي تنجح الصفقات ولديها أوراق الضغط على كل الأطراف وإدارة الأمر بحنكة.
ما قيل من الجانب الإسرائيلي حالة من الإفلاس بالضغط على مصر لتضغط على المقاومة، ومصر لن تفعل ذلك لأن دورها أقرب إلى الراعي، فإذا كان هناك ضامن لإسرائيل أن تتوقف وتلتزم، فمصر هي ضامن لالتزام المقاومة بما جرى الاتفاق عليه. وحين أدركت إسرائيل أن هذا الضغط لا يجدي مع مصر ذهبت إلى أمريكا لتضغط من خلال أبواقها الإعلامية، ومصر قابلت التصعيد بتصعيد. ونجحت مصر حين جاء إعلان بايدن قريبًا من الصفقة المصرية ولتكتشف الفروق تحتاج إلى عدسة مكبرة فليس هناك فروق جوهرية. وواضح أنه كانت هناك رغبة من نتنياهو في التملص مما وافق عليه الوفد الإسرائيلي المفاوض ورئيس الموساد وبلينكن كان شريكا في هذه الورقة.
* كيف تقيم الدور المصري في هذه الأحداث؟
- سؤال منطقي ومطلوب، ودون تردد أقول لك إن مصر لديها خبرة السنوات، ودور أخلاقي بوصفها الشقيق الأكبر، ودور تاريخي، وهناك الأمن القومي المصري، ولا أرى هناك تعارضًا بين حماية الأمن القومي وأن أدافع عن القضية الفلسطينية، هناك تقييمات للموقف المصري قائمة على الهوى، فلو دخلت مصر وحررت القدس لقيل لماذا لم تحرر إسطنبول وواشنطن، فهناك من يقومون بالمزايدات وهناك من يرفعون الشعارات ومصر بعيدة عن هذا وذاك.
* لكن الموقف المصري يواجه انتقادات شديدة؟!
- قدمت مصر تضحيات كبيرة، فمن يقولون مصر مصر، عليهم أن يروا الصورة كاملة وحجم الضغوطات الكاملة التي تمارس عليها، وإذا اتجهت مصر إلى الحلول الخشنة وهذا غير مستبعد فمن سيقف معها. فالحديث عن الحلول الخشنة إذا انتهت الحلول الأخرى يجعل العيون تتطلع لمن سيقف معك ومن ضدك وهي حسابات معقدة والأفضل للجميع استنفاد الحلول الأخرى، عبر الوساطة والضغوط الإعلامية والضغوط الاقتصادية والقانونية والصراع الدبلوماسي بسحب السفير وطرد السفيرة وتقليل مستوى العلاقات، فمصر لاتستخدم أسلوب المزيدات كمن يطالب بإرسال أسطول الحرية 2 الذي قتل في البداية بعضهم وقبض على الآخر وظلت غزة محاصرة، فمشاهد الشو لا تفعلها، فمصر هدفها ليس دخول الإغاثة ولكن أن تصل الإغاثة إلى الناس في غزة، فالأمور ليست بالبساطة التي يظنها البعض.
والملاحظ في الموقف المصري أنه آخذ في التصاعد وفق الأحداث وفشل الطرق الدبلوماسية، ويعلن عن هذا التصعيد مثل خبر محكمة العدل الدولية، أو الأخبار التي تصدر بصيغة صرح مصدر مسؤول، وأيضًا خطابات الرئيس أن هناك خط أحمر في مسألة التهجير ولا يوجد شيء بعد الخط الأحمر فهناك استعداد واستنفار وتهيئة للرأي العام بأن كل السيناريوهات مفتوحة.
* البعض يرى أن إسرائيل لا تعبأ بالموقف المصري؟
- هناك اجتزاء للصورة بأن إسرائيل لا تعبأ ولا تكترث، فإسرائيل أعلنت أنه لن يدخل وقود أو غذاء لكنه دخل في النهاية بإرادة مصرية، وقالت نحن صامدون حتى الإغاثة وصنعت اعتصاما لدخول الإغاثة وأتت بأنطونيو جوتيرش الأمين العام للأم المتحدة على الحدود وصنعت ضغوطا كبيرة حتى أصبح يدخل إلى القطاع شاحنات مماثلة لما كان يدخل قبل السابع من أكتوبر 500 شاحنة يوميًّا، كما أن اللاءات المصرية والفيتو المصري كبح القوات الإسرائيلية كثيرًا، وجرى تقديم ترضيات وتطمينات لمصر وتنسيق وإبلاغات لمصر مسبقة، ومع هذا الجانب المصري غير راض عن التصرفات الإسرائيلية وترى أنها قد تجاوزت الحدود، إلا أن الأمل ما زال موجودًا وهذا ما يصبِّر القاهرة؛ لأنه بالفعل جرى وقف إطلاق نار وتبادل أسرى، وهذا ليس وهمًا، فقد قال الكيان لا في البداية ثم استجاب للضغوط التي تعرض لها وتراجع.
* ما نوعية هذه الضغوط؟
- هناك ضغوطات لا يمكن الإعلان عنها، فهناك ملفات معينة وتلويحات بأوراق بعينها، والعد التنازلي لنفاد الصبر المصري، فمصر ما زالت تحتفظ بأوراق الضغط الخاصة بها فلم يتم سحب أو طرد السفيرة ولم تعلق كامب ديفيد وهذا ما يقلق إسرائيل أكثر، فإذا ألغيت الاتفاقية هذا الأسبوع تتساءل ماذا ستفعل الأسبوع المقبل، فإسرائيل دخلت رفح بطريقة مختلفة وبذلك أسقطت من يديها ورقة الضغط على السكان من أجل نزوحهم إلى سيناء، فهذه الورقة سقطت من إسرائيل ولا يلتفت الناس إليها، مليون نسمة من المليون ومائتي ألف نسمة رحلوا إلى الاتجاه الصحيح الوسط، فكانت تلك ورقة ضغط كبيرة لدى إسرائيل، فكانت تقول أنا لن أدخل الفلسطينيين إلى سيناء لكن حماس هي من ستفعل، ويتبادلون الاتهامات على من دفع الناس إلى الحدود المصرية، الآن هذه الورقة سقطت.
الأمر الثاني واللطمة الإسرائيلية الكبرى أن ما تريده لم يتحقق منه شيئ على الأرض. كما أن هناك رفض مصري قاطع لوجود إسرائيل على معبر رفح أو وجود تنسيق أمني، تطالب إسرائيل مصر برد الجميل لأنها سمحت بوجود قوات في المنطقة ج لمواجهة الإرهاب، فترد مصر أنها لن توافق، فإسرائيل وافقت كتابة على دخول القوات المصرية لمنطقة ج وأن مصر كانت تواجه مرتزقة إرهابيين، بينما إسرائيل تواجه مقاومة على أرض محتلة.
تتخيل إسرائيل أن مصر يمكن توافق أو تراجع نفسها في مسألة نقل السكان من غزة لسيناء وهذا هدف حرب إسرائيل على القطاع والرئيس عبدالفتاح السيسي أصابهم بالجنون لما طالبهم بنقلهم إلى النقب، وإنجاز للفلسطيني أن يعود للنقب بعد أن هُجِّر منها في 48 فهناك قريته وجذوره وهذا مهم وامتداد لغزة ولا يوجد عائق جغرافي يمنع ذلك، فهم في أذهانهم سيناريوهات معينة وأن مصر هي من أدخلت السلاح وهذه أكاذيب.
هناك انفراجات تحدث على أرض الواقع وإجبار العدو على إدخال الإغاثة يثبت الفلسطينيين على الأرض، فهناك أفق للتفاوض ولم يغلق الباب وما زالت إسرائيل ترسل وفودا للمفاوضات الثلاثية فلو أن هناك صلف إسرائيلي فهو ينكسر في النهاية.
* هل تعتقد إن إسرائيل تخطط للبقاء في معبر رفح ومحور صلاح الدين؟
- لا أظن أن إسرائيل ستبقى في محور صلاح الدين ومعبر رفح لأن هذا به استفزاز لمصر، وهو واحد من شروط المقاومة الرئيسية لا تفاوض دون الانسحاب من رفح
* كيف ينظر الصهاينة لمصر؟
- هناك ثلث متدين يرى أن مصر تريد تدمير إسرائيل وهي امتداد لفرعون الخروج ودائم التفكير بهذه الطريقة، وهناك مجموعة ترى مصر دولة عربية تستحق السحق وتنادي بالموت للعرب، وتصف العرب بالقذارة والجبن والخيانة ويقتلون من الظهر، وهناك مجموعة مع السلام وأن مصر جارة وهي أولى بأن يكون معها سلام من دول بعيدة عن إسرائيل وتدعو لأن يتحول السلام مع مصر لسلام دافئ.
* والأغلبية؟
- أغلبية الإسرائيليين يتوجسون من مصر خيفة ويسألون عن سبب تدعيم الجيش المصري وصنع أنفاق تحت قناة السويس، وأسباب تعديل الاتفاقية ماذا تقصد برد الفعل هذا أو ذاك؟ لماذا تعتبرهم مصر أعداء؟ لكن مصر تتعامل معاملة طبيعية مع الكيان فدولة تقوم بمثل هذه الاعتداءات من الطبيعي أن تولد اتجاها للكراهية، ففي عهد السلام أرسلت إسرائيل جواسيس ومبيدات مسرطنة ودعمت داعش والإخوان فمصر تقوم بالمعاملة بالمثل.
* ما أسباب خروج اليهود من مصر؟
- ما تزال هناك طائفة مصرية يهودية في الإسكندرية أغلبهم من كبار السن لا يتجاوز عددهم الثلاثين، فالعامل الاقتصادي أدى إلى تقليص عددهم في مصر في القرن الماضي خاصة مع الاتجاه إلى تمصير الوظائف وتقليل عدد الخبراء، وكذلك تأميم الممتلكات بالإضافة إلى توريط الموساد لبعض اليهود في فضيحة لافون، لكن مصر لم تضع أحدا من اليهود في لوري أو مراكب وطردتهم من مصر فهم بالتدريج من اختاروا الخروج، كان عددهم من 60: 70 ألفا؛ لكن من كانوا يحملون الجنسية المصرية منهم أقل من النصف، لأن الجنسية المصرية كانت لها رسوم للحصول عليها فلم يتقدموا لنيلها، وبعضهم كانت له خطط للسفر إلى أوروبا للحصول على أي من جنسياتها، وبعضهم كان يحمل الجنسية البريطانية الفرنسية ليتمتع بحماية المحاكم المختلطة؛ لكنهم كانوا يتمتعون بالمواطنة الكاملة وكان منهم أعضاء في مجمع اللغة العربية ومنهم فنانون، ولم يكن أحد يسألهم عن دياناتهم، فمصر لها تجربة فريدة في جعل الجميع تحت مظلة واحدة فشمس مصر تمصر الجميع، وقدمت الحل للمسألة اليهودية في إذابة اليهود في نسيج المجتمعات التي يعيشون فيها.
* كم عدد اليهود المصريين الذين ذهبوا إلى إسرائيل وما موقفهم من الحرب؟
- في حدود 20 ألف مصري يهودي ذهبوا إلى إسرائيل، وجزء منهم يزايد في مواقفه ليبرر تأخر حضوره إلى فلسطين، ولهم مواقف متشددة، وهناك مجموعة ترفض العنصرية ضدهم كيهود شرقيين، ويسألون عن سبب تعامل الدولة معهم على أنهم درجة ثانية رغم أنهم قادمون من بلد التاريخ، ويرفضون أن يعاملوا معاملة اليهودي اليمني والمغربي؛ لكنهم في النهاية يعانون من العنصرية بوصفهم شرقيين، إلا أن منهم أبواقا إعلامية لامعة وبعضهم يعملون في الفن.
* هل يشعرون بالحنين إلى مصر؟
- طبعًا يشعرون بالحنين إلى الجذور، وعبروا عن ذلك في كتاباتهم منهم فيكتور نحمياس الصحفي اليهودي الذي كتب "الرجل الذي ولد مرتين"، وهناك شخص تورط في فضيحة لافون وأتى إلى مصر في طائرة مناحم بيجن وهو المدعو روبرت داساه الذى حكى قصته في كتاب "العودة للقاهرة" وكان لديه تخوف من أن يلقى القبض عليه مرة أخرى، خاصة حين تعرف عليه ضابط مصري وأخذه في سيارته وأحاط به المخبرون يمنة ويسرة ما أصابه بالرعب، فهذه هي مشاعرهم لديهم حنين وفي الوقت نفسه خوف من المصير.
* هل ما زالت تربطهم ذكريات بمصر وهل يشعرون بالندم على مغادرتها؟
- كثير من اليهود الذين ذهبوا إلى الكيان يشعرون بالندم بسبب المعاملة العنصرية وعدم وجود حياة الرفاهية التي وعدوا بها. فصيحة الندم داخل اليهود المصريين موجودة ويتساءلون عن الذي فعلوه في أنفسهم بالخروج بتأشيرة بدون عودة باختيارهم وتلقوا صدمة العيش في الكيان العنصري.
وأغلب هؤلاء اليهود الآن فوق الثمانين ولديهم حنين لمصر، فإحدى اليهوديات كانت تتحدث عن أنها كانت تسكن في ميدان التحرير، وأثناء سفرها باعت "زهرية ورد" بخمسة جنيهات وهي تستحق 6 جنيهات ونصف، هذه هي طريقتهم، عبر حكي الذكريات، والمحافظة على اللهجة والنكتة المصرية، وبعضهم يأتي إلى دمنهور من أجل مولد أبوحصيرة، المولد رسميا ألغي لكن الزيارة مسموح بها، لكن الذبح والمبيت وعمل طقوس لم يعد متاحًا.
* وكيف عبروا عن هذا الحنين لمصر في الأدب وفي الأفلام؟
- ستجد هذا في الفيلم الأشهر "زيارة الفرقة الموسيقية" 2007م، الذي يحكي عن زيارة فرقة عسكرية مصرية من الإسكندرية (فرقة متخيلة وليس لها وجود في الواقع) إلى إسرائيل، يضم شخصية كلاسيكية كبيرة في السن، غير قادر على ممارسة الحب أو متردد في فعله مع الفتاة الإسرائيلية، وهناك الجيل المتمرد الذي تجاوز الحروب والمذابح الماضية.
وهناك رواية إسرائيلية لأديبة مهمة لديهم، قدمت فيها صورة الحنين إلى الماضي والعودة إلى مصر، تكشف فيها أن هناك جيل قادم وهو ما تعول عليه إسرائيل بعيدًا عن الجيل القديم المصر على العداء. وفي هذه الرواية انحازت المؤلفة أورليكاستن بلوم لمصر وبأن المكان والمعاملة المصرية كانت أفضل من معاملتهم في إسرائيل. وتكشف أن اليهود الذين ذهبوا إلى إسرائيل ندموا على ما فعلوا ويتمنون العودة إلى مصر وحاولوا ذلك لكن جيش الاحتلال منعهم، ففي الأحداث هناك مهندس جسور أراد الوصول إلى الحدود المصرية لكن أوقفه جيش الاحتلال وطالبه بهدم هذه الجسور، وفي مرة دخل المهندس الحدود المصرية وقال أنه دخلها لأنه تائه ولم يكن تائهًا، واختار البلكونة أكبر من الشقة ميزتها أن تنظر إلى البحر وتعطي ظهرها إلى إسرائيل لتشير لأمله في الخروج من هذا الكيان، ففي هذه الرواية أكثر من رمزية تدل على الحنين لمصر. مثل حقيبة الجد المعدة دائمًا للعودة تختفي وتحضر، فالعمل مملوء بكثير من الرموز التي تبين عنصرية إسرائيل والأجواء السيئة بها وغياب التعاون والديمقراطية.
* أصبح هناك جيل ثان من هؤلاء المهاجرين منهم رئيس الكيان الحالي، الذي كانت أمه تحمل الجنسية المصرية؟
- صحيح، إسحاق هرتسوج وكان من المفترض أن يكون يعول عليه بأن يكون الشخص العاقل والناضج في إسرائيل، وكنتُ أتوقع إذا حدثت أزمة ما في الكيان مثل الجارية الآن أن يتم توسعة صلاحياته لأن نتنياهو مرفوض عربيًا ومنبوذ عالميًّا وأصبح كارت محروق، لكن مشكلة إسحاق أنه بعد أحداث 7 أكتوبر بدأ يأخذ مواقف متشنجة بعض الشيء، رغم كونه كان يساريًّا معتدلًا وزعيمًا لحزب العمل المعارض، فبدأ يُوقِّع على دانات المدافع ويدلي بتصريحات مخيبة للآمال بأنه لا يوجد أبرياء في غزة، فيما مضى كان هو أفضل الخيارات السيئة، وكان قريبًا من أن يأتي في حكومة واحدة مع نتنياهو في 2016 بصفته زعيم حزب العمل غير أن نتنياهو تحالف مع ليبرمان زعيم الحزب اليميني المتشدد، وبعدها ذهب أقصى اليمين المتشدد مع بن غفير وأقرانه، مما قاد إسرائيل إلى ورطتها الآن.
* هل فرق جوهري بين اليسار واليمين في إسرائيل؟
- كلهم يريد أن يحققوا مصالح الصهيونية في النهاية، فيائير لابيد صهيوني يساري يريد أن يحقق مصالح إسرائيل ولكن بطريقة مغايرة للشكل الفج الذي يقوم به نتنياهو الذي يؤدي بأفعاله إلى نتائج عكسية، يقول يائير بأنه يريد السلام مع الدول العربية هدفه من ذلك سلام إسرائيل وليس محبة في السلام.
* بعد اتفاقية كامب ديفيد ذهب بعض المصريين إلى إسرائيل فما موقهم الآن؟
- بالفعل ذهب بعض المصريين الذين لا يزيد عددهم عن خمسة آلاف مصري إلى الكيان ظنًا منهم أن هناك سلام دائم وشامل؛ لكن ذلك توقف تمامًا. وجرى طي هذه الصفحة، فمن اعتقدوا أن العلاقات مع الكيان ستكون مثل علاقة مصر بالبرتغال أو إيطاليا اتضح لهم أنهم شعبيًا وأمنيًا منبوذون ووجدوا أن الرفاهية الاقتصادية الموعودة في إسرائيل غير حقيقية.
- أخيرًا ... لو خيرت بين 7 أكتوبر وطوفان الأقصى بعد المعطيات التي تشاهدها الآن هل مع حدوثها أم لا؟
- سؤال كالجمرة، فالتضحيات التي قُدِمت كبيرة للغاية، لكن في المقابل هذه التضحيات كانت تقدم مجانًا في القدس والضفة الغربية من هدم لبيوت بالعشرات ومئات يسجنون وإبعاد من القدس وقتل يومي من الرضيع للمسن.
حين أقيم من خلال رؤية شاملة أقول إن الظهر كان إلى الحائط ومن غير الطبيعي ألا تقاوم، وترك الفرص تهدر، وكان من الواضح أن القضية الفلسطينية قد تجاوزها الزمن وهناك توجهات نحو تطبيع كامل مع ترضيات مالية للسلطة الفلسطينية وتُغَيَّب القضية للأبد.
وفي ظل صمود المقاومة لأكثر من تسعة أشهر أرى أن هذا القرار لم يكن من أخذه مهرب، ولم يكن لديهم رفاهية الانتظار للحصول على أوراق ضغط أفضل بأن أمريكا سيهديها الله أو الاحتلال يحمل عصاه ويرحل طواعية، فالمقاومة كانت هي الحل الأمثل.
------------------------
حوار أجراه: د. عبدالكريم الحجراوي
الحلقة الأولى من الحوار
من المشهد الأسبوعية