عندما سرق لصوص في وسط غزة بطارية سيارة محمد أبو كرش في شهر مارس الماضي ، طاردهم في طريق مظلم وقُتل برصاصة في رأسه.
اتصل الأقارب بالشرطة، التي فتشت مسرح الجريمة في ريف دير البلح، لكن هذا كان كل ما يمكنهم فعله.
قال ابن عمه محمود فؤاد: "قالوا إنه لم يعد لديهم سجن، وإذا عثروا على الجاني، فقد تهاجمهم عائلته أيضًا" مضيفًا "نرى معارك بين العائلات بشكل يومي و الناس يعلمون أنهم لن يعاقبوا على أي شيء يفعلونه".
لا تزال الجريمة والعنف بين سكان غزة في ارتفاع، بعد مرور ما يقرب من تسعة أشهر على الحرب بين إسرائيل وحماس، ويشمل ذلك السرقة والقتل امتدادا إلى التهريب وانتشار العصابات التي تحمي مقابل المال او تسرق المساعدات، ويؤدي هذا الاتجاه إلى إزهاق المزيد من أرواح الفلسطينيين، ويعرض للخطر عمليات المساعدات الدولية الهشة بالفعل، ويثير تحذيرات المسؤولين الأمريكيين والعرب الذين يشعرون بالقلق من أن غزة قد تعاني من فشل كامل في الحكم لسنوات قادمة.
لقد كسرت سلطات الاحتلال قبضة حماس على النظام العام لكنها لم تملأ هذا الفراغ بنفسها ولم تسمح للسلطة الفلسطينية التي تتخذ من الضفة الغربية مقرا لها بالدخول لاستعادة الخدمات الأساسية، قائلة إنها تريد العمل مع الفلسطينيين غير المنتمين سياسيا لفتح او حماس او اي جهة اخرى.
وفي شمال غزة، الذي فر منه معظم السكان، فإن المنازل المهجورة التي لم تتعرض للقصف من قبل إسرائيل معرضة لنهب الأثاث والألواح الشمسية واسطوانات الغاز.
ويقول السكان الذين بقوا وحاولوا تأمين منازل جيرانهم إن اللصوص أصبحوا أكثر وقاحة، زاعمين أن المعاناة التي فرضتها الحرب تمنحهم الترخيص لسرقة كل ما يحتاجون إليه.
ويتكدس معظم سكان غزة الآن في مخيمات وفي المراكز الحضرية التي تعرضت للقصف في المناطق الجنوبية والوسطى، دون ما يكفي من الغذاء أو الماء أو الدواء وتندلع نزاعات عنيفة بشأن الإمدادات الأساسية يوميًا، كما أن قوة الشرطة التي تسيطر عليها حماس إما غائبة أو عاجزة، وفقًا للسكان.
ويقول رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن الشرطة تعمل الآن وفق خطط الطوارئ وتفرض الأمن والأمان في الأماكن التي يمكنها ذلك، بما في ذلك محاولة منع النهب وملاحقة اللصوص وإعادة المسروقات إلى أصحابها.
وقال ثوابتة إن عدوان إسرائيل استهدف العشرات من مراكز الشرطة وقتل المئات من ضباط الشرطة منذ بداية الحرب، مما قوض قدرة القوة على العمل بكامل طاقتها وأضاف أن الحملة العسكرية الإسرائيلية “تهدف إلى زرع الفوضى وتعطيل السلامة والأمن في قطاع غزة وإحداث فراغ إداري وحكومي”.
ورفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق على الفوضى في غزة.
في إحدى الحوادث الأخيرة، أدى نزاع بين مراهقين من عائلتين في مخيم النصيرات بوسط غزة إلى توريط أقاربهم البالغين فيه في نهاية المطاف وقال أحد الشهود إن رجلاً قتل رجلاً آخر، وسحق رأسه بكتلة خرسانية.
وقال الشاهد إن عائلة الضحية انتقمت بإشعال النار في المبنى السكني للعائلة الأخرى وأضاف أن رجال الإطفاء تمكنوا من السيطرة على الحريق وفرقت الشرطة الحشد المتجمع، لكن المشاجرات استمرت.
وقال الشاهد: “أنا أكره حماس ولم أدعمهم قط، لكني أتمنى أن يعودوا للسيطرة على غزة بسبب الفوضى التي نعيشها” مضيفا "لقد أصبح الأمر مخيفًا جدًا".
كانت الشرطة قبل الحرب تقوم بدوريات في الشوارع، التي كان سكان غزة يعتبرونها آمنة نسبيا، مع القليل من الجرائم الصغيرة والعقوبات القاسية التي توقع على المجرمين.
إن تواجد الشرطة في أنحاء غزة هذه الأيام متقطع. لقد تم قصف مراكز الشرطة والسجون المهجورة، لذا فإن حبس المجرمين ليس خيارًا وقد قُتل العديد من ضباط الشرطة ونزح آخرون وهم مشغولون بمحاولة تأمين الغذاء والإمدادات الأساسية الأخرى لأسرهم.
رجال الشرطة الذين ما زالوا يعملون مرهقون ويعانون من نقص الموظفين، ويقولون لضحايا السرقة أنهم إذا حاولوا تعقب كل سلعة مسروقة فلن يكون لديهم الوقت لفعل أي شيء آخر.
ويعني نقص الوقود والاتصالات المتقطعة في غزة أنهم لا يستطيعون قيادة سيارات الشرطة ولا يوجد إرسال، لذلك يقومون بدوريات راجلة ولا يمكنهم طلب الدعم وهم عادة لا يرتدون الزي الرسمي أو يحملون أسلحة خوفا من استهدافهم من قبل جيش الاحتلال، كما أنهم معرضون لخطر الوقوع في وسط دورات من العنف الانتقامي وأن يصبحوا هم أنفسهم أهدافًا ويغطي البعض وجوههم لإخفاء هويتهم لتجنب الهجمات الانتقامية.
وقال مسؤول أميركي مشارك في عمليات الإغاثة: "لقد تدهورت القدرات العسكرية لحماس" وأضاف: "وكذلك، فهي لا تتمتع أيضًا بالقدرات اللازمة لفرض القانون والنظام، لذلك لا ينبغي لأحد على الإطلاق أن يتفاجأ بأن هذا هو الوضع داخل غزة في الوقت الحالي".
ويقول الفلسطينيون إن مستوى انعدام الأمن، بين الجريمة والغارات الجوية الإسرائيلية، وصل إلى مستوى مرتفع جديد في الأشهر الأخيرة.
وأفاد العديد منهم أنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان في الشارع في وقت متأخر من الليل خوفًا من التعرض للاعتقال تحت تهديد السلاح أو السكين.
وقد مكّن انعدام القانون من نمو تهريب السجائر عبر شاحنات المساعدات التي تدخل غزة من إسرائيل، كما ساهمت في نمو عمليات النهب التي تستهدف المستودعات التي يتم تخزين هذه البضائع فيها، وفقًا للسكان وعمال الإغاثة.
وتعرض هذه المؤسسات الإجرامية حياة سائقي شاحنات المساعدات للخطر وتعرقل تسليم السلع الأساسية، مما دفع المجموعات الإنسانية إلى وقف بعض العمليات مؤقتًا وإعادة النظر فيما إذا كان بإمكانها الاستمرار في العمل في غزة.
وأدت الحرب والحصار شبه الكامل إلى شل البنية التحتية الأساسية في القطاع الصغير، مما أثار الجوع والمرض ودفع الفلسطينيين اليائسين إلى نهب شاحنات ومستودعات المساعدات.
وقال ويليام شومبورج، رئيس البعثة الفرعية للجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، في أواخر يونيو: "إن الانهيار العام للقانون والنظام... يشكل عائقاً كبيراً أمام الجميع في غزة" مضيفا "إننا نرى حالات عالية جدًا من النهب، والتي ترجع جزئيًا على الأقل إلى يأس المدنيين".
إن إحجام الدولة الصهيونية عن تحمل المسؤولية عن الإدارة المدنية ورفضها السماح لحماس أو السلطة الفلسطينية بأية مجال لإدارة الخدمات المدنية الأساسية كان سبباً في خلق فراغ خطير في السلطة
وقال مسؤول دولي أن الحل الأفضل هو وقف إطلاق النار ووضع خطة للحكم والأمن وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب.
عندما يقع حادث ما، عادة ما يسأل المدنيون في جميع أنحاء الحي لتعقب الشرطة. لكن نادراً ما يكون الضباط قادرين على فعل أكثر من استعادة هامش من النظام إلى مكان الحادث، مما يسمح باستمرار دورات الانتقام.
وفي 25 يونيو ، بدأ أطفال عائلتين يحتمون في خيام بالقرب من الشاطئ في دير البلح في التشاجر حول من سيكون أول من يجلب المياه من صنبور مشترك وقال شهود إن الخلاف تصاعد وتبادل آباء الأطفال إطلاق النار لمدة 10 دقائق تقريبا.
وقال ابن عمه وجيرانه إن سهيل بدوان، وهو أب في الأربعينيات من عمره، وقع في مرمى النيران وتوفي وقد وصلت الشرطة وأبعدت المسلحين، ثم غادرت بعد نصف ساعة دون إلقاء القبض على أي شخص.
---------------------------------
وول ستريت جورنال - ترجمة وتحرير: هيباتيا موسى
من المشهد الأسبوعية