من الصعب التعامل مع حالات الاستفزاز التي بدأ بها بعض المحافظين الجدد أولى خطواتهم في مناصبهم الجديدة على أنها سلوك فردى وأخطاء غير مقصودة جاءت نتيجة التسرع أو عدم الخبرة أو خطأ غير متعمد أو مقصود نتج عن رغبة في إثبات القوة والضرب بيد من حديد على يد المخالفين للقانون بهدف تحسين الأوضاع وتقديم أفضل خدمة للمواطن المأزوم.
فنظرة سريعة لصولات هؤلاء المحافظين وجولاتهم التي بدأت سريعة وبحماس يبدو موظفا ومتعمدا لكنه للأسف لايهدف لصالح المواطن، بل جاءت أقرب لمشاهد استعراضية مفتعلة غير متقنة وموظفة لإظهار المحافظ بصورة حامى حمى الوطن والبطل المغوار الذى لايشق له غبار صاحب اليد الحديدية الضاربة بقوة على يد المخالفين، بغض النظر عن وضعهم وحالتهم الرثة والظروف المعيشية الصعبة وحجم مخالفاتهم وهل يمكن التغاضى عنها إذا كانت بالفعل تعد مخالفات حقيقية تشكل تجاوزا فجا وانتهاكا صريحا للقانون ..
لايهم كثيرا هؤلاء المحافظين كل تلك التفاصيل رغم أهميتها وخطورتها وكونها أحد الوسائل الكاشفة عن حجم المعاناة التي يتكبدها المواطن المطحون، والذى لايجد صدى لصرخات ألمه ومتاعبه فلا تجد آذانا صاغية لدى المسؤولين ولا يعيرونها اهتماما، بينما يواصلون طريقهم بكل قوة لتحسين صورتهم وتجميلها لنيل رضا من حملهم المسؤولية طمعا في البقاء على كراسيهم زائفة البريق لأطول فترة ممكنة، من الصعب ألا نتخيل أنها لاتحقق مكاسب عظيمة ومن الغفلة ألا نتشكك في نواياها ونتوهم أنها جاءت لخدمة الله والوطن.
ومع الاعتراف أن التعميم أمر خاطيء وأنه لايجوز أن نصدر الأحكام المتسرعة قبل أن نمهل هؤلاء قدرا من الوقت يكون كافيا لإختبار صدق نواياهم وقدرتهم على تحمل المسئولية ومواجهة حجم المشاكل الضخمة التي ترهق كاهل المواطن، لكن أول قصيدة هؤلاء المحافظين جاءت غير مبشرة وباعثة لمزيد من اليأس في نفوس لم يعد لديها أدنى أمل في تغيير وضعها للأحسن.
فمن محافظ الدقهلية الذى اقتحم بيت سيدة فقيرة، بحجة أنها تتاجر في الخبز المدعوم .. إلى محافظ سوهاج الذى عنف طبيبة بحجة أنها لاتتعامل بإنسانية مع المرضى، في حين أن كل ما فعلته هو طلب تذكرة للمريض طبقا للوائح القانونية التي تحكم العمل بالمستشفيات.
إلى محافظ القليوبية الذى أشرف بنفسه على إزالة طوابق مخالفة، في الوقت الذى أكد فيه بضرورة تقديم التسهيلات للراغبين في التصالح في المخالفات، ولا نعلم إذا كان قد تأكد فعلا من جدية صاحب العقار المخالف في التصالح أم لا !! والغريب أن يتقدم أحد المواطنين في نفس الوقت للمحافظ أثناء جولته الحماسية بشكوى من تأخر مجلس مدينة بنها في إصدار تراخيص بناء ليسرع على الفور بتكليف رئيس المدينة بعقد اجتماع عاجل مع ممثلين من جامعة بنها ومسؤولين عن منظومة التراخيص لبحث سبل تسهيل إصدار التراخيص وحل مشاكل المواطنين!!
وكأن المشاكل ظهرت فجأة، وكأن حال المواطنين الصعبة غير بادية للعيان، وكأن الأزمات ليست طافية على السطح وزكمت برائحتها العطنة الأنوف !!
لكنها بالطبع لا تشغل بال هؤلاء الباحثين عن اللقطة وتجميل الصورة وتضخيم الإنجازات حتى وإن كانت وهمية ..
للأسف جاءت ردود الأفعال لتؤكد تلك القناعة.. فبينما برر محافظ الدقهلية مافعله بالمحافظة على حق المواطن في الدعم وضمان عدم سرقته والمتاجرة فيه وأمر بتوفير فرصة عمل للسيدة التي اقتحم منزلها، متغافلا أن مافعله يعد إنتهاكا صريحا للقانون مطمئنا أن أحدا لن يسائله ويحاسبه على مافعله !!
لكن على الجانب الآخر لم تمر واقعة محافظ سوهاج بشكل هادئ، فمن ناحية قدم مجلس نقابة أطباء سوهاج استقالاتهم احتجاجا على ما تعرضت له زميلتهم من عنف لفظى وتوبيخ وإهانة من المحافظ .. تصاعد حدة الأزمة دفع المهندس مصطفى مدبولى لتقديم اعتذار للطبيبة، بينما دعاها الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة لمكتبه في محاولة واضحة لامتصاص الغضب والتأكيد على أهمية الحفاظ على احترام الأطباء وتقديرا لمكانتهم!!
للأسف، لاتكفى تلك المحاولات لإعادة الثقة في المسؤولين .. لأن ما خفى من ظلم وقهر وانتهاك للكرامة وضياع للحقوق يفوق كثيرا ما يطفو على السطح، وأن كل ردود أفعال المسؤولين لاتخرج عن كونها مجرد مسكنات لامتصاص الغضب، وإن كنا نتشكك كثيرا في أن غضب الشارع يهمهم كثيرا.
ولنكن أكثر دقة وصراحة للاعتراف أن ردود الأفعال تلك، هي مجرد محاولة لتجميل الصورة فقط، فالرغبة في المواجهة الحقيقية لتلك الأزمات والسعى لحل مشاكل وأزمات المواطن المطحون، تتطلب أكبر كثيرا من مجاملات تطييب الخاطر، لأنها أشد تعقيدا وخطرا وتتطلب جهدا حقيقيا ونية خالصة وعزيمة صادقة للأسف لاتبدو خطواتهم وقراراتهم وسياساتهم تعرف الطريق إليها.
------------------------------
بقلم: هالة فؤاد