19 - 06 - 2024

أسواق السلاح تتوسع والميزانيات الدفاعية تتصاعد: تقادم عصر الدبابات والمستقبل لأسراب المسيّرات

أسواق السلاح تتوسع والميزانيات الدفاعية تتصاعد: تقادم عصر الدبابات والمستقبل لأسراب المسيّرات

يشهد العالم اليوم نشاطا واسعا في اقتصاديات التسلح إنتاجا وتطويرا صناعيا عبر شركات عريقة وجديدة ناشئة وتجارة، حيث دفعت الصراعات والحروب المنتشرة حول العالم العديد من الدول إلى زيادة إنفاقها العسكري، والسعي للحصول على الأسلحة الأكثر تطورا من حيث الدقة والقوة التدميرية. وعلى الرغم من احتلال أمريكا وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا مواقع متقدمة في صناعة السلاح وتصديره، إلا أن ثمة دول دخلت في السنوات الأخيرة على خط المنافسة على الأقل في الطائرات المسيرة "الدرونز" على اختلاف أدوارها والصواريخ بمديااتها المختلفة.

تقف مجمل مجموعة الدراسات التي ضمها كتاب "سباق التسليح العالمي بعد الحرب الأوكرانية" التي أعدت وصدرت عن مركز إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية بأبوظبي على محاور عدة تتناول السلاح والتسليح، منها اتجاهات تغير خريطة تجارة الأسلحة بعد الحرب الأوكرانية، والتطورات المتوقعة على سلاح الدبابات مستقبلا والحضور الاستخباراتي والعسكري لطائرات الدرونز، وأهداف الدول الصاعدة في التوسع في إنتاج الدرونز، ومشكلة انتعاش السوق السوداء وتحديدا مع الحرب الروسية الأوكرانية وغير ذلك من القضايا ذات الارتباط. 

ترى إحدى دراسات الكتاب أنه رغم المكانة التي تتمتع بها روسيا في تجارة السلاح الدولي بوصفها ثاني مصدر بعد الولايات المتحدة لموردين كثر، فإن المخزون الروسي نتيجة الحرب يتم تدميره ببطء في ساحات القتال في أوكرانيا يوميا، ما يضع روسيا أمام خطر خسارة دورها الرائد في ذلك المجال، مقابل تقدم موردين منافسين لها. وتكمن خطورة ذلك في كون تجارة السلاح دعامة أساسية في الاقتصاد الروسي، ومن ثم فإن أي خسائر أو تراجع في المبيعات الروسية من الأسلحة خسارة فادحة لاقتصاد روسيا. ورغم العلاقات الروسية الصينية القوية، فإن أي تراجع للسلاح الروسي هو زيادة في القيمة السوقية للسلاح الصيني، بيد أن السلاح الصيني لا يصل إلى جودة السلاح الأمريكي والفرنسي، غير أنه يظل بديلا معقولا لمستوردي الأسلحة بأسعار أقل. وثمة مؤشرات قوية تدل على مدى الاهتمام الصيني بتجارة السلاح، وهو ما يزعج ويثير مخاوف قوى دولية وإقليمية عدة؛ فقد أنفقت الصين نحو 207.3 مليار دولار على قواتها المسلحة خلال السنوات القليلة الماضية، حتى أصبح جيش التحرير الشعبي أكبر قوة مسلحة في العالم، علاوة على استحواذ الصين في السنوات الأخيرة على 4.6% من تجارة الأسلحة العالمية.

وتؤكد على أن التوسع الصيني في إنتاج السلاح مثل تهديدا مباشرا للدول المجاورة لها في جنوب شرق آسيا، للدرجة التي جعلت تلك الدول تعتقد أن أمريكا تشكل تهديدا أقل بكثير من التهديد الذي تمثله الصين خاصة في ظل التحركات العسكرية الصينية حول الجزر الواقعة في جنوب شرق آسيا. وبينما رفعت اليابان في السنة المالية الجديدة، التي بدأت في أبريل الماضي، إنفاقها العسكري من 1% من إجمالي الناتج المحلي إلى 2%  وهو ما مثل الحد الأقصى المسموح به للإنفاق العسكري ـ بدأت فيتنام هي الأخرى تعزز قواتها البحرية ببطء، علاوة على توقيعها صفقات جديدة للمعدات العسكرية، فيما وقعت إندونيسيا صفقة لشراء ست طائرات مقاتلة فرنسية من طراز رافال، وحصلت على موافقة الولايات المتحدة على شراء طائرات F-15، كما اشترت الفلبين صواريخ "براهموس" الأسرع من الصوت من الهند؛ حيث تسعى هي كذلك إلى تطوير ترسانة استراتيجية.

وتلفت دراسة أخرى إلى أنه منذ نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، ارتفع التحشيد العسكري للقتال على الأراضي الأوكرانية، سواء بأسلحة روسية أو بأسلحة تركية وأوروبية كمعونة لأوكرانيا، واتجهت دول عدة نحو توسيع ميزانياتها الدفاعية؛ ما ينذر بتصاعد التوترات في العالم الذي يشهد بالفعل العديد من النزاعات الإقليمية، وربما يستمر العالم في سباقات تسلح موازية لينتهي الأمر في النهاية إلى حرب عالمية ثالثة كأسوأ سيناريو محتمل، مثلما أدى سباق التسلح المدرع في أوائل القرن العشرين بين ألمانيا وبريطانيا إلى نشوب الحرب العالمية الأولى.

وتلاحظ دراسة حول الطائرات المسيرة أنه مع التطور الهائل في الأسلحة، وخاصة الأسلحة الجوية، والدور الذي تلعبه الدرونز على وجه الخصوص في الحروب الجديدة، وبالنظر إلى الانتقادات الموجهة إلى الدبابات بوصفها آلية عسكرية تقليدية على مستويات الحركة والدفاع والقدرات الهجومية، فإن السنوات الأخيرة شهدت جدلا حول مستقبل الدبابات في الحروب الحديثة، ومدى استمرار الاعتماد عليها، وخاصة الخسائر التي تشهدها الجيوش في دباباتها بأسلحة أقل تكلفة مثل الطائرات المسيرة؛ فعلى سبيل المثال، شهدت الحرب الأرمينية الأذربيجانية في عام 2020، تدمير العديد من الدبابات الأرمينية بواسطة الطائرات بدون طيار التي يمتلكها الجيش الأذربيجاني من طراز "بيرقدار TB2". ومع اندلاع الحرب الأوكرانية، تجدد الجدل حول دور الدبابات في الحروب ومستقبله على مستويين: الأول هو خسائر الدبابات في المعارك، خاصة على الجانب الروسي؛ حيث تشير تقديرات إلى فاعلية الدور الذي لعبته الصواريخ الحديثة الموجهة المضادة للدبابات والدرونز التي قدمتها الدول الغربية لأوكرانيا في تدمير الدبابات الروسية؛ الأمر الذي عزز حضور التساؤلات حول مستقبل دور الدبابات في الحروب. وعلى العكس من ذلك، فإن المستوى الثاني يرتبط بالحاجة الأوكرانية إلى الدبابات الغربية والتعويل عليها للعب دور حاسم في صد ومواجهة الجيش الروسي؛ حيث ألحت كييف على الدول الغربية لتزويدها بدبابات غربية متطورة وحديثة لإحراز تقدم ميداني في ساحة المعركة.

أما عن القدرات القتالية للدرونز، فتوضح أن ثمة توقعات بأن يضاعف استخدام الطائرات العسكرية بدون طيار عبر نمط "السرب" من قدراتها ويحد من القدرة على مواجهتها. حيث يمكن أن تؤسس أسراب الدرونز لحقبة جديدة من الحروب الذكية؛ بحيث تكون آلاف الطائرات بدون طيار الروبوتية صغيرة الحجم غير مرئية بشكل كامل عند انتشارها وإطلاقها بشكل فردي؛ لتجنب لفت الأنظار، وللاختفاء عن رصد الرادار، قبل أن تتمكن من التجمع والاندماج في سرب كامل كأسراب الطيور والحشرات، وتهاجم أهدافها بشكل جماعي وذكي في اللحظات الأخيرة. كما أن عملية الهجوم الجماعي عبر "سرب" ترفع احتمالات استكمال الهجوم ونجاحه؛ نظرا إلى أن الهجوم عبر مجموعات كبيرة يعزز القدرة على امتصاص الخسائر دون توقف أو تراجع، وكذلك القدرة على تجنب الدفاعات الجوية نظرا لكثافة الهجوم وتعدد مصادره التي تشكل أهدافا للدفاعات الجوية؛ حيث يكون مطلوبا في تلك الحالة مهاجمة واعتراض آلاف المسيرات في وقت واحد. إضافة إلى أنه أسراب المسيرات تعمل كل طائرة وتقوم بأداء مهامها بشكل مستقل، وتشارك المعلومات والبيانات التي تجمعها مع بقية السرب. ويتمكن السرب من تنفيذ هجوم جماعي مدمر يصعب على الدفاعات الجوية المضادة إيقافه، فضلا عن عنصر المفاجأة المرتبط بحجم الهجوم عند تجمع الدرونز، وهو ما يعني أن نمط الأسراب يعتمد على  تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ووسط توقعات نمو سوق الطائرات المسيرة خلال 2024 ليصل إلى 25.70 مليار دولار ويصل خلال 2025 إلى 39.30 مليار دولار وعام 2026 إلى 41.30 مليار دولار تشير إحدى دراسات الكتاب إلى أن الدوافع والأهداف وراء لجوء عدد من الدول مثل إيران وتركيا واليونان وأندونيسيا والهند وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها غير المحسوبة على الدول الكبرى في سوق السلاح العالمية للتوسع في برامج تصنيع محلية للطائرات المسيرة، وكيفية الاستفادة من ذلك القطاع على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية، وتضيف أن "تركيا تعمل على توسيع استثماراتها الخارجية لزيادة صادراتها من الدرونز؛ الأمر الذي يعزز مكانتها في سوق السلاح الدولية ويعزز نفوذها السياسي لدى الدول التي تعتمد على تلك المسيرات. كما تسبب رواج المسيرات التركية في الحرب الأرمينية– الأذربيجانية، والحرب الأوكرانية، في بدء اعتماد بعض الدول الأفريقية على تلك المسيرات؛ فبخلاف استخدام تلك المسيرات في ليبيا وتوجو والنيجر، عرضت دولة مالي، في فبراير2023 دفعة من طائرات بيرقدار التركية المسيرة، وذلك استغلالا لبحث الجيش المالي عن شركاء عسكريين جدد بدلا من الاعتماد على فرنسا".

وتكشف أن تدفق الأسلحة من ساحة الحرب الأوكرانية إلى أسواق السلاح غير المشروعة تثير العديد من المخاوف؛ لما له من ارتدادات أمنية إقليمية وعالمية، منها: مخاوف من استيلاء جماعات إجرامية وإرهابية على السلاح، سواء أثناء نقلها أو الاستيلاء عليها من مخازنها، وهي المخاوف التي تعضدها خبرات سابقة في البلقان والعراق وأفغانستان، فضلا عن استغلال تلك الجماعات حالة السيولة التسليحية، وانتعاش شبكات الاتجار غير المشروع بالسلاح لشراء السلاح الغربي المتطور من السوق السوداء بأسعار رخيصة، ونقله إلى أماكن نشاطها خاصة في أفريقيا.

وتكشف أنه فضلا عن العوائد الاقتصادية المهمة لتجارة الدرونز في ظل العقوبات الغربية المفروضة على طهران، تستخدم إيران قدراتها التصنيعية في مجال الطائرات بدون طيار لتحقيق عدد من الأهداف السياسية، منها ما تسميه بعض التقارير "حربا بالوكالة" أو دعم طرف لتحقيق مصلحة مشتركة وإلحاق خسائر بعدو مشترك بشكل غير مباشر. وهو الأمر الذي ينطبق على صادرات المسيرات الإيرانية لروسيا، التي تستخدمها موسكو في الهجمات على أوكرانيا؛ حيث تعتمد روسيا في الحرب الأوكرانية على الطائرتين الإيرانيتين: "شاهد ـ 136" الانتحارية البعيدة المدى، و"مهاجر 6" الهجومية القصيرة المدى. كما توفر الحرب الأوكرانية فرصة لطهران للترويج لقدرتها على استخدام المسيرات وقدراتها العسكرية ضد أمريكا والدول الغربية. كما تستغل إيران سلاح المسيرات في سياستها الخارجية ومحاولة كسر عزلتها الدولية التي يحاول الغرب فرضها عليها.

وتؤكد دراسة أخرى حول ملامح تزايد دور الشركات الناشئة في مجال الصناعات الدفاعية أن التطورات الجيوسياسية الأخيرة، في كثير من دول العالم، بما في ذلك الحرب الأوكرانية، وما ترتب عليها من توترات أمنية وجيوسياسية واسعة، أدت إلى تزايد دور الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة في مجال الصناعات الدفاعية، وقد ساعد على ذلك التسارع التكنولوجي الراهن والتنافس المحتدم على اقتناء أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا من تقنيات؛ حيث أتاح ذلك فرصا جديدة أمام هذه الشركات لإثبات وجودها في صناعة الدفاع، وبخاصة الشركات المتخصصة في التكنولوجيا. أضف إلى ذلك الاهتمام الحكومي الصاعد في عدة دولة بتحفيز الشركات الناشئة على دخول سوق الدفاع؛ للاستفادة من إبداعاتها وابتكاراتها في هذه الصناعة الشديدة الحساسية والأهمية في الوقت ذاته للحكومات.
--------------------------------
عرض - محمد الحمامصي








اعلان