27 - 04 - 2024

ثورة الشبق

ثورة الشبق

ضاقت ميادين السياسة بالمصري وضاق بها، وضجت ميادين الثورة بالمتجولين ليلا حول دوائرها المفغورة، وعزف الشباب عن اللحى والمساجد، ولم تعد مقاعد الدراسة تغري المراهقين بالمكوث فوق أخشابها المتهالكة. ولأنه قد ذهب الذين يعاش في أكنافهم، لم يبق للمخلفين من الثوار من مضمار يحومون حوله وينفثون مكبوتاتهم غير الفن علا أو هبط، تسامى أو تسكع مثلهم في طرقات وطن سقط من معاجم البلدان ذات غفوة. ولأن الشيطان يسكن دوما مغارات العظام النخرة، فما على الأستاذ عبد الستار فتحي رئيس الرقابة على المصنفات الفنية من تثريب إن جلس فوق بساط العدم مادا قدميه معلنا سقوط إمبراطورية الأزهر في وطن كان.

بعد شهر ونيف، أعلن الرجل، لن يحول بين المتسكعين ليلا والفن الحرام إلا شرط السن. فإن تخطيت أيها المصري الحر حد الثامنة عشر، فقد فتحت أمامك أبواب الكبائر لتدخل من أي من أبوابها شئت. فالبلوغ في شرعة الفن شرط للتحلل من إثم الخجل وعباءة القيم. وعليه، ستعود أيها المصري المقموع حد الفضيلة في إبريل وما وراءه حرا كما ولدتك أمك، تنتقي من النهود والقدود والخدود ما تشاء، وتعوم في بحار اللذة بجنيهات معدودات. ولن يحول مقص الرقيب بينك وبين ما تشتهي، ولو كره المتطهرون.

لسنا أقل شأنا من أوروبا، فقد سبقتنا إلى جحر ذلك الضب منذ عقود، ولسنا أول من يخالف تعاليم الأخلاق وسنن الأزهر، هكذا يقول وزير ثقافة مصر في عهد ما بعد الثورات.  ولأنه "لا رقيب على الفنان بعد اليوم إلا ضميره،" كما تقول الفنانة إلهام شاهين، فعلى المسئولين عن الأخلاق والقيم أن يكفوا أيديهم ورماحهم، فقد وسد الأمر أخيرا إلى أهله بعد عام كامل من المشاورات والمراجعات التي سبقت اتخاذ القرار الملهم. 

وتصديقا لقولها، خرج فضيلة المخرج مجدي أحمد علي بفتوى تجيز عرض اللقطات الساخنة لأنها ليست محرمة، فقد سبق القرآن - على حد زعمه - إلى تصوير مشهد ساخن بين امرأة العزيز ويوسف عليه السلام (؟؟؟)، ولو صور الرجل المشهد الآن، لأظهرها في ثياب خليعة تظهر مفاتن جسدها، أو هكذا يقول. بعد إبريل، لن يكون ثمة حاجة لأصحاب العمائم واللحى المشذبة بعد أن أعلن الفنانون انتصارهم للخدود والقدود وحمالات الصدور، وسينتصر الفن رغم هزائمنا السياسية وعقدنا النفسية وتصدرنا المراكز الأخيرة في الرياضة والعلوم والفنون، لأن الفنانين مصرون على تحكيم ضمائرهم فيما تبقى لدينا من فتات قيمي وثقافي وأخلاقي.

ويحذر الأستاذ فتحي عبد الستار المتلاعبين بقوانين الوزارة بالويل والثبور وعظائم الأمور إن هم تهاونوا في تطبيق حد السن على رواد علب الليل. ويهيب بالراغبين في المتعة الحرام أن يضعوا أرقامهم القومية في جيوبهم قبل أن يتوجهوا إلى دور السينما الساخنة حتى لا تتعرض لهم الأكف الغليظة عند شبابيك التذاكر. ويحذر المراوغين ممن تقل أعمارهم عن السن القانوني للرذيلة من الاقتراب من بؤر الفن الليلية لأن أبصار الواقفين على حراسة الفضيلة قادرة على تسنين الواقفين في طوابير الاستمناء الفني حتى وإن لم يكونوا أصحاب هوية.  

أخيرا وضع السيد جابر عصفور يده على مكمن الألم، وأدرك بحنكة مثقف لم تخنه الذاكرة أن ثورة الشعوب تبدأ من بين أفخاذها، وأن الشباب الذي دك الميادين دكا إنما كان ينفث عن كبت وشبق. فرفع بقرار وزاري مقص الرقيب ليحرر الشياطين في ميادين الأزهر، ويسحق تاريخا من الإنسانية تحت أقدام رواد الفن الهابط. لا ثورة بعد اليوم إلا ثورة الفراش أيها المخلفون من الثوار، ولا مجد إلا للنواهد والكواعب من الساقطات. وعلى الثورة والقيم والأخلاق والتاريخ والأزهر السلام.

##

مقالات اخرى للكاتب






اعلان