16 - 06 - 2024

وهكذا !! دقت طبول الحرب مع الكيان الصهيوني!

وهكذا !! دقت طبول الحرب مع الكيان الصهيوني!

و هكذا تقترب مصر من خوض حرب مع الكيان الصهيوني ! و لا جيش مصر و لا شعبها  يخشاها !!    

في هذه اللحظات يتزايد احتمال أن تؤدي الاستراتيجية التي صممت لتجنب أن تتدحرج الأمور على خلفية ما يجري في قطاع غزة إلى الدخول في صدام عسكري مع الكيان الصهيوني ؛ إلى وقوع هذا الصدام ! إنها الاستراتيجية التي ظللنا نتابع بالتحليل إخفاقاتها المدوية ، و التي لم نتوقف عن نقدها ؛ بملاحظة مآلات الإصرار على التمسك بها ، و إهدار الوقت الذي كان متاحا لتغييرها ، و تحاشي الكثير من آثارها المدمرة على الأمن القومي المصري . و في خضم هذا النقد تعمدنا تكرار المقولة التي اعتقدنا أنها ستكون الأكثر قدرة على إقناع واضعي هذه الاستراتيجية بتغييرها ، و هي أن " تفادي الدخول في مواجهة عسكرية مع تل أبيب على خلفية ما يجري من أحداث ؛ هو قرين منعها من تهيئة الظروف الدافعة لتهجير / ترحيل / طرد الفلسطينيين ؛ بمعنى فعل كل ما يلزم لتثبيت الفلسطينيين على الأرض ؛ خاصة أن دعم صمودهم الذي لا تراهن القيادة المصرية عليه إلى ما لا نهاية ؛ يجعل الصدام العسكري بين القاهرة و تل أبيب المؤكد حال تحرك الفلسطينيين مهجرين عبر الحدود ؛ أمرا مستبعدا مع بقائهم على الأرض ، و على قيد الحياة ! "

لا يزال هناك القليل من الوقت المتاح لإعادة تأمل هذه المقولة ، و التصرف على أساس ما أثبتته من مصداقية على مدار الشهور الماضية . و لعل ما جرى الأيام الأخيرة يكفي لا لتغيير تلك الاستراتيجية بل لبناء استراتيجية بديلة - استراتيجية حرب و مواجهة ! 

سيتساءل البعض مستخفا : و ما الذي جرى ؟ لقد أقنعتنا المداخلات التي طفحت بها وسائل الإعلام بأن كل شيء على ما يرام ، و بأن الكيان الصهيوني لم يتعرض لمعاهدة السلام التي وقعتها معه مصر و ملاحقها الأمنية . و الحقيقة أن ما جرى هو تهديد سافر لأمن مصر القومي ، و اقتراب حثيث من مواجهة عسكرية مع هذا الكيان . 

ما جرى أن الكيان الذي كان يغلق معبر رفح البري بين مصر و قطاع غزة بالنار أغلقه بالقوة العسكرية المباشرة ، و باتت مدرعاته تتبختر على بعد سنتيمترات من أعلام مصر المرفوعة على حدودها الشرقية ، و تتهادى بعلم ضخم للكيان في محور صلاح الدين ! 

ما جرى أن هذا الكيان المزروع في قلب أراضينا العربية سيطر على ثلاثة كيلو مترات من حدود مصر مع قطاع غزة من جهة الشرق التي يبلغ طولها نحو خمسة عشر كيلو مترا ؛ ضمنها يقع معبر رفح الذي يربط بين مصر و القطاع ، و دفع - حسب المخابرات الأميركية - بحشود عسكرية ضخمة معززة بأسلحة ثقيلة و مدرعات  إلى المنطقة " دال " الواقعة شرق الحدود المصرية مع  فلسطين التاريخية و على امتدادها ، و هي منطقة حددت عمقها ، و عينت حجم القوة العسكرية فيها وثيقة كامب ديفيد الثانية ، و ملاحق معاهدة السلام الأمنية ، و أحكم قبضته أيضا على ما يتجاوز خمس ممر صلاح الدين الموازي للحدود المصرية مع القطاع . 

و محصلة ذلك مثلما يُفهم أن قطاع غزة بمن فيه من مدنيين بات محاصرا و معزولا تماما عن العالم ، و محروما من كل الاحتياجات الحياتية ؛ بما فيها الغذاء الذي لا يتجاوز مخزونه أياما معدودات ! و لذلك ؛ بدأ المصريون قبل ساعات بتمرير الاحتياجات العاجلة إلى أهالينا في غزة عبر نقطة التماس الحدودية عند منطقة تل السلطان ؛ تحت حماية عناصر من قبائل سيناء . 

ما الذي جرى ؟! الذي جرى أن الكيان الصهيوني بدأ بالفعل قبل ساعات قليلة اجتياح رفح بكاملها ، و أن القطاع بات مهيأ لمقتلة جماعية عبر التجويع و القصف ، و من ثم لعملية ترحيل قسري باتجاه الأرض المصرية ، و هو الخط الأحمر الذي حددته الاستراتيجية التي لا يزال واضعوها يدافعون عنها و يتمسكون بها ! 

ما جرى هو خطوة متقدمة على طريق اختطه بنيامين نيتانياهو منذ البدء للسيطرة على محور صلاح الدين بالكامل ، و ترحيل الفلسطينيين ، و عزل القطاع ، و إغلاق و شطب معبر رفح من معادلة غزة ؛ خطوة متقدمة قطعها و قطع ما قبلها من خطوات استنادا إلى الاستراتيجية التي أشبعناها نقدا لم يكترث به أحد !! 

ما جرى بعبارة دقيقة حاسمة و قاطعة أن رئيس حكومة الكيان العنصري الفاشي الموتور لم تبقَ له وسيلة لإنقاذ نفسه ؛ حتى يتمكن من تنفيذ مشروعه الصهيوني المتعلق بما يسمى إسرائيل الكبرى ؛ إلا الدخول في مواجهة مع مصر ! 

من يعرف بنيامين نيتانياهو عبر الاقتراب منه أو محاورته و دراسته و متابعته يدرك أن هذا المجرم يعادل في تركيبته الشخصية و النفسية تصورات جنرالات الكيان المعتوهين عن الحيوانات البشرية ، و تسكن خلايا جسده النجس على الدوام الكراهية العمياء لأجناس و شعوب بعينها ، و أولوياته في هذا المجال هي الفلسطينيون و الإيرانيون ( الفرس ) و المصريون .

و اتباعا لعلماء النفس فإن المراحل الختامية في حياة  الأشخاص المؤثرين عادة ما تشهد تحولات انقلابية مروعة ؛ تُظهر على نحو فجّ ما كان مخبوءا - لاعتبارات براجماتية - في صدورهم من قناعات و تصورات عن الذات و العالم . و عادة ما تنتهي هذه الظاهرة إلى نهايات كارثية تعصف بهم ، و بمن تتعلق مصائرهم بأفعالهم الخارجة عن أية اعتبارات منطقية و تنتمي إلى الواقع . و قائمة الكراهية لدى نيتانياهو هي من تأثيرات والده العنصري الحاقد بن زيون الذي يتفاخر دائما بما علمه إياه بالقول أنا ابن والدي ؛ على طريقة عشائر البدو ، و المتطرف الصهيوني السفاح جابوتينسكي الذي يرى فيه معلمه الأول . 

و هذه الحقائق عندما ترتبط بالحالة الخطرة التي يجد نفسه فيها ؛ بسبب ما جرى في السابع من أكتوبر و ما تلاه ؛ تجعله مؤهلا بامتياز تحت تأثير الانهيار العقائدي القيمي الذي أصابه لأن يقرر خوض معاركه الأخيرة مع من يكّن لهم الكراهية ، و هو يفعل بهمّة عالية مع الأشقاء الفلسطينيين ، و حاول و سيحاول مجددا مع الإيرانيين ، و ما من شك في أنه يرتب لمواجهة نهائية مع المصريين الذين أذاقوه مذلة الأسر ؛ عندما جبن عن مواجهة جندي مصري في حرب 73 ، و ساعده رفيق له على الهرب من آسره ، و كاد يغرق في مياه قناة السويس ! 

قلنا في المقالات السابقة : إن فكرة ديمومة الصراع و الاشتباك المسلح المحتمل مع طرف آخر ، و التهديد الدائم الذي يمثله كل طرف للطرف للآخر ؛ هي فكرة راسخة في العقيدة " العسكرية " لمصر و الكيان الصهيوني ، و إن إجماع المراقبين على أن نيتانياهو يريد إطالة أمد الحرب الدائرة الآن لأسباب شخصية ؛ يفتقد إلى المنطق ، و يتجاوز عن التأثير الحاسم للإيدولوجية التي يتبناها الأشخاص المؤثرون في بناء استراتيجياتهم و اتخاذ قراراتهم ؛ فهو يعلم أنه ذاهب إلى السجن لا محالة ؛ إن هو بقي على قيد الحياة ، و من ثم فإن أقصى ما يطمع فيه هو أن يؤجل هذا القدر ، و أن يظل محتفظا بائتلافه الحاكم حتى ينهي مهمته الأخيرة التي تجعل الناس يتذكرونه باعتباره حاميا للشعب اليهودي ، محققا لنبوءات إشعياء المتعلقة بمصر و شعبها ، و تشعره بأنه كان أمينا حتى النهاية لمعلميه الذين تتلمذ على أيديهم . 

هذا ما يمكننا من فهم حيثيات التفاعلات الحادثة في مجريات العلاقات بين الطرفين ، و هي تنصب ظاهريا و ليس جذريا في النزاع الآخذ الآن في الصعود بشأن ممر صلاح الدين الذي لا يمكن الاختلاف حول أسس و ترتيبات السيطرة عليه ، و على معبر رفح المشرف عليه ؛ طبقا لوثيقة كامب ديفيد الثانية ، و بحكم معاهدة السلام التي وقعتها مصر مع الكيان الصهيوني في العام 1979 ، و بموجب اتفاقية قطاع غزة و منطقة أريحا التي أبرمت بين منظمة التحرير الفلسطينية و حكومة الكيان في مايو 1994 ، و بمقتضى بروتوكول الترتيبات المتعلقة بالمنافذ الذي ألحق بها في أكتوبر من العام نفسه ، و التعديلات التي نظمت عملية السيطرة على هذا الممر ؛ بعد الانسحاب أحادي الجانب للكيان المحتل من قطاع غزة في العام 2005 . 

و المؤكد إن المؤسسة العسكرية المصرية - حتى في ظل المشكلات التي تواجهها الدولة المصرية – ستكون مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى في تحدي الرغبة الإسرائيلية في السيطرة على ممر صلاح الدين ؛ خاصة مع إدراكها لحقيقة الارتباط بين هذه الرغبة ، و مخطط تهجير الفلسطينيين القاطنين في قطاع غزة ، و المشروعات المتعلقة بتهيئة و تفعيل مسارات بديلة للنقل و الإمداد تنهي القيمة الآستراتيجية لقناة السويس ، و تعصف بركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي المصري . 

و ألحقنا بما تقدم أن مقولة الرئيس السادات الأشهر ( حرب أكتوبر هي آخر الحروب ) تتناقض تماما مع قواعد الاستراتيجية الراسخة ؛ فالدول تبقى دائما معرضة للاعتداء من جانب الأعداء الدائمين أو المحتملين . و من المفهوم للعاملين في مجال الأمن القومي ؛ أن التهديد المتمثل من جانب دولة أخرى بدفع أعداد هائلة من الناس عبر الحدود إلى أراضيها قسرا ؛ و بدون موافقتها ؛ هو إخلال فجّ بأمنها القومي ، و اعتداء سافر لا يمكن التغاضي عنه ، و يستوجب استخدام الوسائل العسكرية ؛ ما لم تنجح الوسائل الأخرى في منعه و تطويقه . 

فإذن ؛ لا يمكن استبعاد احتمال نشوب حرب بين مصر و إسرائيل ؛ على خلفية ما يجري في قطاع غزة . و الأبعد من ذلك ؛ أنه لا يمكن استبعاد وقوع حرب كتلك في أي وقت من الأوقات ، و بصفة دائمة ، و تحت أي ظرف ، مع الانتباه إلى القاعدة التي تقول إن مسائل الأمن القومي لا يجوز أن تتباين فيها مصلحة الدولة و مواطنيها ، و مع الاعتراف بأن الحروب تفرض على الدول الطبيعية الرشيدة ، و لا يمكن أن تكون مطلبا لها ، و بأن ما يدعو الدول إلى المبادرة بالحرب بدون دواعٍ تستند إلى مفهوم الحرب العادلة ؛ هو تبنيها لعقيدة إمبريالية تشكلها أطماع معينة ، و رؤى مبنية على أفكار العنصرية و التفوق و التفرد . 

استعدادا لمواجهة عسكرية باتت احتمالات وقوعها أكبر بكثير من احتمالات تجنبها ؛ هذه هي اللحظات التي يجب الاعتراف فيها بأن الاستراتيجية التي اتبعت منذ السابع من أكتوبر الماضي كانت مبنية على افتراضات خيالية ؛ في مقدمتها أن مهادنة الكيان ستدفعه في النهاية إلى القبول باتفاق لوقف إطلاق النار ، و إنهاء عدوانه الإجرامي على غزة ؛ لكنها واقعيا كانت استراتيجية مكلفة و غير منتجة ، و الأكثر من هذا أن بنيامين نيتانياهو استثمرها لصالحه وصولا إلى هدفه المعلن المتمثل في ترحيل الفلسطينيين ؛ كخطوة على الطريق إلى هدفه الدفين المتمثل في الانقضاض على مصر و هزمها !!  

الآن لم يعد هناك من إجراء تالٍ من جانب الكيان الصهيوني يمكن احتواؤه أو السكوت عليه أو تمريره بمداخلات إعلامية هزلية و هزيلة ! و لم يعد تغيير الاستراتيجية التي تتبعها مصر من جانب واضعيها إجراء مناسبا لتحقيق الأهداف التي صممت لتحقيقها ، ومنها منع الحرب . الآن علينا أن نتحرك باتجاه استبدال استراتيجية جسورة مقدامة للمواجهة و الحرب بالاستراتيجية الصبورة الوديعة التي كلفتنا الكثير ؛ استراتيجية يكون الهدف الأساسي منها هو منع الكيان من تحقيق أهدافه الاستراتيجية الكبرى التي ذكرناها . 

و الإجراءات التي يقول واضعو الاستراتيجية التي أثبتت فشلها إنها قيد البحث ؛ من عينة سحب السفير المصري في تل أبيب ، و تجميد معاهدة السلام الموقعة مع الكيان - لم يعد لها مجال أو جدوى ، و هي ستكون بمثابة أفعال يائسة للإبقاء على استراتيجية تجاوزتها الأحداث كانت تراهن على حدوث تغييرات في داخل الكيان نفسه وضغوط أميركية ودولية ، تدفع باتجاه تحاشي نزاع مسلح مع الكيان ، و وقف عدوانه الإجرامي على الفلسطينيين في غزة .  

و المفارقة أن التغييرات و الضغوط التي عوّل عليها واضعو الاستراتيجية التي تم الإعلان عن وفاتها بسيطرة جيش الكيان على معبر رفح بالقوة المباشرة - ستقع ؛ لكن في الاتجاه المعاكس ؛ إذ يبدو أننا على مسافة قريبة جدا من وقوع انقلاب يميني متطرف يحكم قبضته على جيش الكيان و يشل قدرة الرئيس الأميركي على التأثير في قرارات تل أبيب . و يعزز هذا التوقع على الأرجح أن الجيش الصهيوني يصعد تمرده على المستوى السياسي في الكيان ، و يضعه في نطاق العلن ، و يوجهه مباشرة إلى رئيس الحكومة الذي تحوط لهذا التطور ، و اعترف بوجود هذا التمرد علانية ، و يعمل بقوة على احتوائه و السيطرة عليه .   

و ربما كانت التصريحات الأخيرة لإيهود باراك رئيس الوزراء و وزير الدفاع الأسبق هي الأكثر دلالة في هذا الصدد : إن دخول رفح هو خطأ استراتيجي ، نحن على بعد خطوة واحدة من الهزيمة الكاملة ، و يجب أن نسلم غزة للجيش المصري – يقصد : نسلمها بالاتفاق ، و ليس بالحرب ، و نتجنب مواجهة يقودنا إليها نيتانياهو مع المصريين !
-----------------------------
بقلم: عبد المجيد إبراهيم 
[email protected]

 

مقالات اخرى للكاتب

في مناسبة عيد الإعلاميين ( 4 ) : قضية المتقاعدين في ماسبيرو أمنية وليست فنية !





اعلان