26 - 04 - 2024

مشكلة الديكتاتور

مشكلة الديكتاتور

لو استمع الديكتاتور إلى معارضيه لما أصبح ديكتاتورا، بل سوف نصنف هذا الرجل ديمقراطيا، لذلك يمكن أن نصف من يتوجهون بالنقد أو النصح إلى الديكتاتور بالحمقى، لأن الديكتاتور يستمع إلى صوتين فحسب: صوت نفسه وأصوات من يقولون ما يريد الديكتاتور أن يسمعه، والديكتاتور لا ولن يرى نفسه شريرا أبدا، فهو عندما يقتل أو يعتقل أو يبطش فإنه يفعل ذلك باسم الشرعية والدولة، وهو دائما لديه المبررات التى يسوقها لنفسه أولا وأخيرا لكى يفعل ما يشاء، فهو ليس فى حاجة لكى يسوق مبررات لأحد، حيث لا يوجد أحد سوى الدكتاتور، وهو قبل أن يعتلى كرسى العرش لا يجد غضاضة فى أن يكذب، أو يعد وعودا يعرف هو أنه لن يفى بها أبدا، ولا بأس أن يبتسم ويضحك فى وجوه معارضيه، حتى يأمن شرهم ويستخدمهم فى الوصول إلى العرش، لكنه بالتأكيد قد خطط للإطاحة بهؤلاء، لذلك لن تجد فى حاشيته سوى المصفقين والمنافقين والمنتفعين والخدم، لأنه لا يطيق أن يسمع صوتا يعارض أو يناقش أو يرى رأيا غير رأيه، وكذلك لن يطيق أى ذى رأى أن يعيش ضمن هذه الحاشية التى تنظر إليه بعين العداء، لذلك فإن الديكتاتور لا يمكن لأحد أن يعالجه، وهو لا يستطيع الرجوع عن أخطائه فى اللحظة المناسبة، ولا يتعلم أبدا من أخطاء الديكتاتور السابق، بل هو يقنع نفسه دائما أنه قادر على تجاوز أخطاء من سبقوه، وأنه سوف يسد الثغرات التى أدت إلى سقوطهم، ودائما ما تجد الديكتاتور صامدا حتى اللحظة الأخيرة، فهو يعتقد دائما أن الشعب مجموعة من الخونة والدهماء والرعاع والسوقة، وأنهم لا يجرؤون على الاقتراب من أسوار قصره حيث الجنود مدججون بالسلاح، وهم يأتمرون بأمره، ولا يجرؤ واحد فيهم أن يخالف أوامره، لذلك فهم سوف يتصدون لهؤلاء الرعاع، وينسى الدكتاتور دائما أن هؤلاء الحراس من الشعب، ولهم أبناء وأخوة، وأصدقاء وأقارب خارج أسوار القصر، لذلك دائما ما يحدث أنقسام بين القوات لحظة سقوط الديكتاتور.

ولأن الديكتاتور يصل إلى القصر بمؤامرة حاكها هو بنفسه، وبما أن مؤامرته نجحت، فأول ما يفعله الدكتاتور هو الانتباه إلى المؤمرات ضده، ولأنه لا يثق حتى فى نفسه فإنه يعتقد أن الجميع يحيكون مؤمرات ضده، لذلك فالديكتاتور مهما تظاهر بالثبات فأنه لا ينام جيدا.

ولأن الديكتاتور لا يحب أن يسمع إلا ما يريد فإن الأخبار تصل إليه مغلوطة، وليس كما حدثت، لأنه إذا وصلت الحقيقة إلى مسامعه ينزعج جدا، وربما يعاقب من أخبره بها، لذا تحرص السلطات، والتليفزيونات والإذاعات على دغدغة مسامع الديكتاتور، وليس مشاعره، لأن الديكتاتور لا مشاعر له، وهو لكى يأمن غدر الآخرين فإنه يحاول زرع المقربين له جدا، كأولاده واحفاده، فى مراكز حساسة، ليضمن ولاءهم.

فى خضم هذه العملية كلها، من بطش وقتل وتنكيل لا يتسع وقت الديكتاتور للتفكير فى المصالح العامة، والمشاريع الإنمائية، ومن ثم يتخذ قرارات عشوائية بمشاريع وإنجازات عشوائية، وبما أن الإعلام إعلامه، والأمن أمنه، والوزارة وزارته، والبرلمان برلمانه، فلن يخبره أحد أن المشاريع فشلت، وأن أكوام القمامة ترتفع فى الشوارع، وأن الناس تعانى فقرا أشد، وأن السلطات تبطش بالجميع، وأن المشاريع وهمية، وعندما يحين الموعد المضروب، وتصل إلى أسماعه هتافات الجماهير المحيطة بقصره، ويبدأ أتباعه بالتخلى عنه، ويتناقصون واحدا بعد الآخر، ويشعر أن سلاحه الشخصى لا يكفى لقتل الجميع، وأن عضلاته التى كونها فى فرق الصاعقة لن تساعده فى هزيمة كل هؤلاء، فى هذه اللحظة لا تقوى ركبتاه على حمله، ويدب الخوف فى أوصاله، ويتمنى أن يعود الزمن إلى الوراء.

أشتهر عمر بن الخطاب بالعدل، فنام تحت الشجرة حتى قال الرجل الذى جاء لزيارته: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر، وعلى الرغم من هذه العدالة والأمن مات عمر مقتولا، لكنه ترك لنا حكمة لا تموت، هى أن العدل شرط الأمن، لذلك فإن الديكتاتور لا يعرف الأمن فى حياته لأنه لا يعرف العدل، وربما لن يعرف الأمن بعد موته، إلا من رحم ربى.

##

مقالات اخرى للكاتب

مارسيل خليفة يُغني





اعلان