للصمت روح أخرى
لا يراها البلغاء المزيفون
لأنها تستمد نارها من شجر الحكمة والشوك
وحدهم
العارفين
والصرعى غيلة
والمقهورون
والضعفاء
هؤلاء هم سكان الصمت
الذين تعمل قلوبهم
حتى بعد الموت
عندما اخترق الخوف عظام المدينة
صفق الرئيس
وعزف السلام الجمهورى للسفينة
وهى تغوص شيئا فشيئا
الجنازات بين لحظة وأخرى تعبر الطريق
من الموت إلى الموت
إرهابيون فى أزياء عسكرية وقتلة
وأفراد عاديون من عامة الشعب
يسكنون التوابيت
وزخات الخوف
تبلل المشهد والمشيعيين
بينما ينتظر السهم فى جعبة الكنانة
اللصوص فى هذه المدينة آمنون
بعد أن خبأوا الغنائم فى خزائن الدم
وعينوا الخوف حارسا عليها
الشعب فى هذه المدينة آمن
فلم يعد لديه ما يغنمه اللصوص
ولا ما يخشاه
هكذا يتخذ الضلال أبهته تحت القبة
ويظل الجمر كامنا فى أعصاب المنتمين إلى أحلامهم
لماذا يفرغون القمامة كل صباح أمام باب النبى
ويطلقون كلاب الخوف فى المدينة التى أنهكها الحلم
يطاردون أشباح الحرية حتى لا تستقر فى مكان
ويمتهنون الكرامة
حتى يدربون الطامحين على القهر
فإذا حان الموعد المضروب
تفقد الحواس قدرتها على الفرح بالنور
هم يخافون من بعضهم البعض
ومن جرائمهم الدامغة التى يدل عليها الشهداء
يحتسون دم الضحايا كل مساء
وهم يقرؤون التقارير المزيفة
على ضوء الشموع السوداء
أين يسكن الشيطان فى هذه المدينة
ولم يعد هناك قلب ورع
ولا جريمة لم ترتكب
وفى خضم العاصفة
طاشت ريشة العدالة
إلى أفق لا ينتمى إلى حدود الخريطة
الحقيقة طفلة يطاردها السياف
عريها حشمتها
ليس من بين خياراتها الخوف أو الصمت أو الموت
فإذا قطع السلطان لسانها
تجدها بادية فى دموع المتهمين بالثورة خلف القضبان
أين تستريح الملائكة التى أنهكها الضلال
وقد تشبع الهواء، والأثير والفضاء بالفتنة والكذب المفضوح
وقد راح اللصوص يبدلون الأقنعة مباشرة على الهواء
وخبأ القضاة أدلة الأثبات على مرأى من الجماهير
بينما تكاد أدعية الظلومين
من فرط حماستها
أن تسقط المعبد الذى فرت منه الملائكة و الرحمة
أى سماء تلك التى ترى كل هذا وتلتزم الصمت
أى شعب هذا الذى أراد الحياة فكوفئ بالموت
وراح يصفق للراقصين حول جثث المغدورين
أى كرامة تلك التى رضيت بنقيضها مفتوحة العينين
تعفن الجرح الذى يسكنه الجلاد والضحية
وأغلقت الأبواب كلها دون رجعة
حتى تلحق الضحية بالجلاد
لقد سرقوا من الناس أيامهم وأموالهم
ودبروا مكيدة حتى لا يهبط الليل
فسرقوا من الناس أحلامهم
لكنهم بعد رحيل المشيعيين
راحوا يفتشون فى قلوب الميتين غيلة عن أحلامهم
فى ظلام القبور
ضعوا للشهداء فى المدافن جرة ماء عذب بارد
هاتوه من أعالى النيل
قبل أن يلوثه الصرف الصحى
والجثث
والخوف
فقد ماتوا واقفين فى الميدان
عطشى إلى الماء والحرية والأمن
ضعوا جرة أمن فارغة فى ركن من أركان الجبانة
لعلها تمتلئ وتفيض
عندما تتنزل ريشة العدالة ماعت
فى وسط الميدان
هذه نصيحة صادقة للطغاة
وكلى يقين أنهم لن يعملوا بها
مهربكم الوحيد
أن تكونوا نورا
لا ينقص من المصباح شئ إذا أضاء
لكن ملاك حماقتى قال:
ومتى تحولت القلوب الآثمة إلى نور.
##