07 - 07 - 2025

من الشرق للغرب.. هل تتم إعادة صياغة استراتيجيات الأمن القومي؟

من الشرق للغرب.. هل تتم إعادة صياغة استراتيجيات الأمن القومي؟

يشهد العالم اليوم تحولات كبرى ينتظر أن تؤدي إلى خلق نظام عالمي جديد متعدد القطبية، ففي ظل النزاعات والحروب والمواجهات والتصدعات التي تمتد على مساحة القارات بين أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا، تتصاعد التحديات أمام الدول الكبرى خاصة روسيا والصين من جهة وأوروبا وأمريكا من جهة أخرى، وهذا الكتاب "Security Concepts إعادة صياغة استراتيجيات الأمن القومي لدول العالم" الذي أصدره مركز إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية بأبوظبي، وعبر مجموعة من الدراسات تتشكل محاورها عبر تساؤلات لماذا تعاني الاستراتيجية النووية الأمريكية من القصور؟ كيف تؤثر الحرب الأوكرانية على الاستراتيجية العسكرية الأمريكية؟ ما أبعاد الاستراتيجية الألمانية الجديدة بشأن الصين؟ ما مضمون وتأثير الاستراتيجية البريطانية لمكافحة الإرهاب؟ لماذا أطلقت إيطاليا استراتيجية جديدة في ”منطقة المتوسط“؟ ما دلالات استراتيجية الأمن القومي الجديدة لكوريا الجنوبية؟.. يسعى الكتاب أن يكشف بعضا من جواب لما يجري على الساحة العالمية. 

أمريكا وروسيا

انطلاقا من الاستراتيجية النووية الأمريكية وما تعانيه من قصور تؤكد الدراسة أنه مع التوقعات المتعددة حول احتمالية أن تلجأ روسيا لاستخدام قوتها النووية لإنهاء الحرب بصورة أسرع، وحسمها لصالحها، وبالرغم من تأكيدات موسكو أنها لن تلجأ لذلك، ولن تبادر بشن ضربة نووية، لكن تلك الشكوك دفعت الولايات المتحدة الأمريكية لعودة التفكير في أنها لا يمكنها التخلف عن موسكو في تطوير قدراتها النووية خوفا من حدوث حرب مستقبلية بين الدولتين، تقوم فيها روسيا باستخدام قنابل تكتيكية تضرب أهدافا بعينها داخل الأراضي الأمريكية؛ ما يكبد واشنطن الخسائر.

وتكشف أن هناك انقساما في الآراء بين من يرون أن أي استئناف للتخطيط النووي الجاد سيكون استفزازيا، ويرغبون في مواصلة تقليص دور الأسلحة النووية في استراتيجية الدفاع الأمريكية، وبين أنصار التوجه الآخر الذين يرون أن أخذ الحرب النووية على محمل الجد هو الذي منع – على الأرجح – اندلاعها طوال هذه الفترة، فضلا عن أن الإنكار الأمريكي لهذه الاحتمالية، أدى إلى تفوق القوى النووية الأخرى في غفلة أمريكية؛ لذلك حان الوقت لإعادة تنشيط التفكير النووي الأمريكي؛ حيث إن المعضلة الآن هي في الأساس معضلة ثقافية، ويمكن صياغتها في تساؤل مفاده: هل تستطيع الولايات المتحدة استعادة قدرتها النووية التي فقدتها نسبيا منذ نهاية الحرب الباردة؟.

وتلفت إلى أنه لا يمكن إغفال أن تهديد مكانة واشنطن، سواء من خلال الصين أو روسيا التي تنظر للحرب الأوكرانية كمدخل لتغيير النظام الدولي القائم، يدفع الولايات المتحدة إلى تطوير استراتيجيتها العسكرية لإثبات تفوقها العالمي، وربما أيضا استغلال الاستنزاف الروسي في الحرب من أجل خدمة مصالحها، لا سيما أن الحرب كشفت لواشنطن عن الكثير من الاستراتيجيات والتقنيات العسكرية الروسية، كما أن الحرب ربما تخدم الولايات المتحدة وتدعم صورتها العسكرية من زاوية إثبات قدراتها وفاعلية أسلحتها التي ساعدت أوكرانيا على الوقوف في وجه الأسلحة الروسية. ويتوقع مع عدم وجود أي مؤشرات على انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية على المدى القريب، أن تسهم في تغيير البيئة الجيوسياسية العالمية؛ ما يفرض على الولايات المتحدة الأمريكية إحداث تغييرات في استراتيجياتها العسكرية لتكون أكثر ملاءمة للتطورات العالمية، والتحالفات التي ستفرزها تلك الحرب.

ألمانيا والصين

وفيما يتعلق بأبعاد الاستراتيجية الألمانية الجديدة بشأن الصين والتي دعت إلى تقليل الاعتماد على السلع الصينية بشكل كبير مع الحفاظ على العلاقات الاقتصادية التي تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات. كما ترفض الاستراتيجية فكرة الانفصال عن الصين، لكنها تشدد على حاجة ألمانيا إلى ”التخلص من المخاطر" أي تنويع سلاسل التوريد وأسواق التصدير بعيدا عن البلاد ومن ثم تقليل تعرضها للصدمات الخارجية. تؤكد الدراسة أن الاستراتيجية في مراحلها الأولى، لكنها تظل خطوة مهمة لألمانيا في تقليص اعتمادها على الصين؛ حيث من المحتمل أن يكون للاستراتيجية تأثير كبير على اقتصاد ألمانيا وأمنها في السنوات القادمة، وفقا لما تقره الوثيقة، خاصة مع إقرارها بعدم الانفصال التام عن الصين، بل بمجرد الحد من الاعتماد عليها في القطاعات الحيوية. ومع ذلك، فإن نشر مثل هذه الوثيقة يشير إلى تغير مهم في برلين، يجعل الحكومة الألمانية تتماشى بشكل أكثر وضوحا من المفوضية الأوروبية التي ظهرت باعتبارها صوتا أكثر انتقادا للصين في السنوات الأخيرة، كما يجب على واشنطن أن ترحب بموقف برلين الجيواستراتيجي الجديد تجاه الصين؛ لأنه يشير إلى مجال أكبر للتنسيق عبر الأطلسي.

بريطانيا والإرهاب

أما بالنسبة للاستراتيجية البريطانية لمكافحة الإرهاب، والتي ركزت فيها على الإرهاب الإسلامي، باعتباره التهديد المحلي الرئيسي للمملكة المتحدة؛ إذ شكل نحو ثلثي الهجمات في عام 2018 فضلا عن تشتت وانتشار أعضاء تنظيمي داعش والقاعدة، في الوقت الذي تحاول فيه الجهات الفاعلة الدولية المعادية للندن الاستفادة من الأنشطة الإرهابية لتحقيق أهداف خاصة لها بالمملكة. فإن هذه الاستراتيجية وفقا للدراسة تعد خطة شاملة تهدف إلى الحفاظ على المملكة المتحدة في مأمن من الإرهاب؛ حيث تعتبر خطوة مهمة إلى الأمام في الحرب ضده، باعتبار أنها تتناول جميع جوانب الحرب ضد الإرهاب، كما أن تركيز الحكومة على الوقاية والتعطيل والحماية هو نهج متوازن من شأنه أن يساعد في الحفاظ على أمن المملكة من العمليات الإرهابية المحتملة. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أنه لا يوجد حل واحد لهذه المشكلة المعقدة؛ حيث ستحتاج الحكومة إلى مواصلة العمل مع المجتمع، وتطبيق القانون، والعمل مع الشركاء الدوليين الآخرين في الشأن ذاته، بيد أنه على الجانب الآخر، جادل بعض النقاد بأن الاستراتيجية لا تذهب بعيدا بما فيه الكفاية في معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب، بل إن الأمر يتطلب المزيد من الجهود والخطوات الإضافية للحد من انتشار الإرهاب في البلاد.

البحر المتوسط الآمن

وترى دراسة البديل الآمن التي ناقشت إطلاق إيطاليا عملية ”البحر الأبيض المتوسط الآمن“، أن العملية مجرد رؤية إيطالية لمستقبل وحضور روما؛ ليس في منطقة المتوسط فقط وإنما أوروبا بشكل عام وتقديم نفسها كقوة أوروبية يعتد بها بجانب العمل على مواجهة تهديدات روسيا المتصاعدة لها سواء فيما يتعلق بأمن الطاقة أو تهديد نفوذها ومصالحها في بعض دول شمال أفريقيا.

وتضيف أن هذه الرؤية الإيطالية ستصطدم بعدة معوقات حتى مع شركائها مثل فرنسا التي تختلف مع روما في عدة ملفات منها ليبيا ومناطق أخرى، وهي الخلافات التي قلت حدتها بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي مثلت تهديدا لأوروبا بأكملها، كذلك في حال تراجع الدعم أو التفاهم الأوروبي مع روما ستتأثر خططها كثيرا سواء فيما يتعلق بالمتوسط أو رؤيتها لجنوب أوروبا وشمال أفريقيا. بجانب ذلك، ستواجه تحركات إيطاليا في المتوسط منافسة من قبل روسيا التي تعمل الآن على تعزيز حضورها بالمتوسط. كذلك، على روما التوافق وتعزيز علاقتها بشكل أكبر مع دول شمال أفريقيا وكذلك منطقة شرق المتوسط. وهذه تزاحمها فيها موسكو وقوى أخرى أيضا ستعرقل تحركات روما.

أمن كوريا الجنوبية

وتعالج دراسة "الردع الشامل.. دلالات استراتيجية الأمن القومي الجديدة لكوريا الجنوبية"، مضمون ودلالات الاستراتيجية، حيث صنفت صراحة كوريا الشمالية على أنها عدو يسعى إلى "توظيف آليات التخريب" على الرغم من تعرضها لصعوبات اقتصادية شديدة؛ حيث تنص الاستراتيجية على أن التحدي الأمني الأكثر إلحاحا هو استمرار كوريا الشمالية في تطوير قدراتها النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، في إشارة إلى تركيز بيونج يانج على نشر الأسلحة النووية التكتيكية التي تمكنها من تنفيذ ضربات نووية فائقة الدقة. وترجح الاستراتيجية ضرورة قيام سيول ببناء جيش قوي لجعل بيونج يانج تدرك أن هناك تضحيات أكثر من الفوائد التي من الممكن أن تحققها حال إقدامها على مهاجمة جارتها الجنوبية، وتنص الوثيقة أيضا على "أهمية تثقيف الجنود بأن النظام الكوري الشمالي وجيشه هم أعداؤنا".

تشير الدراسة إلى أن نهج كوريا الجنوبية الجديد وفقا للاستراتيجية تجاه الصين سيتخذ مسارا أكثر حزما؛ وذلك نتيجة للانحياز الصيني المتزايد مع روسيا وكوريا الشمالية، وهو ما سيضعف بدوره من إمكانية معالجة قضايا الأمن الإقليمي؛ ولذلك اتخذت إدارة يون موقفا علنيا في مايو الماضي، يقوم على الاعتماد على الردع الأمريكي الموسع، حتى لو كان هذا الموقف سيتسبب في استياء صيني من سيول، بيد أن بكين لا تساهم في فرض العقوبات الأممية المفروضة على بيونج يانج، وهو ما يهدد بدوره حالة الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية. وتبين الاستراتيجية بشكل واضح العملية العسكرية الروسية الشاملة في أوكرانيا، وتتعهد بمواصلة مشاركة سيول في العقوبات ضد روسيا، وتقديم مساعدات إنسانية لأوكرانيا، لكنها تعلن في الوقت ذاته أن كوريا الجنوبية ستحافظ على علاقات ثنائية مستقرة مع روسيا بشأن القضايا الرئيسية التي تربط بينهما.

---------------------
من المشهد الأسبوعية