هيمنة الصين على العالم.. صداع مزمن في رأس الولايات المتحدة
ازدادت في السنوات الأخيرة، التكهنات حول نية الصين السيطرة على العالم، ومما زاد من هذه التكهنات، صعود الصين كقوة عظمى اقتصادية وعسكرية، بالإضافة إلى سياستها الخارجية المتنامية على مستوى دول العالم.
فقد شهدت الصين نموًا اقتصاديًا هائلاً خلال العقود القليلة الماضية، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يُعزى هذا النمو إلى استراتيجية تصنيع قوية وتركيز على الصادرات، يُمكِّنها من الاستثمار في جيشها وتكنولوجياتها، وتعزيز نفوذها على الصعيد العالمي.
التفوق العسكري
تُعد الصين واحدة من أسرع الدول نموًا من الناحية العسكرية في العالم، فقد زادت الصين بشكل كبير من ميزانيتها الدفاعية في السنوات الأخيرة، وقامت بتطوير تكنولوجيات عسكرية متقدمة، حتى احتل جيشها المرتبة الثالثة على مستوى أقوى جيوش العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا وفق مؤشر "غلوبال فاير باور" لعام 2023، إذ يصل عدد القوات إلى 1.6 مليون جندي، كما أنه الثاني من حيث الميزانية بعد الولايات المتحدة؛ مما يشكل تهديدًا للدول الأخرى.
وأعلنت الصين مؤخرًا عن إطلاق قوة حرب المعلومات لدعم دفاعاتها العسكرية، بعد تقدم البلاد في تقنيات الصواريخ والأسلحة النووية والذكاء الاصطناعي، وهو قرارٌ استراتيجي اتخذته الصين لتعزيز حماية المعلومات؛ بحسب ما أفاد به الرئيس الصيني.
وبدأت الصين التي لم تخض حربًا منذ عام 1979م، في بناء ترسانات أمن المعلومات في إطار حملة تحديث وإضفاء طابع احترافي في الأمن السيبراني لجيشها، مهمة هذه القوة العسكرية هي إحباط أي هجمات سيبرانية والتحقيق فيها، وتحمُّل كافة المسؤوليات في تعزيز وتطوير وتسليح الجيش الكترونيًا، والانتصار في الحروب.
النمو الاقتصادي
وشهد الاقتصاد الصيني خلال العقود الأربعة الماضية نموًا هائلًا جعله ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وحقق الاقتصاد الصيني معدلات نمو سنوية متوسطية فوق 9% خلال العقود الأربعة الماضية، ففي عام 2023 بلغ النمو الاقتصادي للصين 3%، فيما حددت هدف النمو الاقتصادي لعام 2024 بنسبة 5%، وبلغ نصيب الفرد من الدخل القابل للتصرف في الصين حوالي 5511 دولارًا أمريكيًا في عام 2023، بزيادة 6.3%.
وركزت الصين على تنمية قطاعها الصناعي فأصبحت أكبر مُصنِّع في العالم، واستثمرت بشكل كبير في البنية التحتية، مثل الطرق السريعة والسكك الحديدية وموانئ البحر، كما اتبعت منذ عام 1978م سياسة الانفتاح الاقتصادي التي شملت خصخصة بعض الشركات وجذب الاستثمار الأجنبي.
كما أصبحت الصين لاعباً رئيسيًا على الساحة الدولية مما زاد من نفوذها في المنظمات الدولية، وعلاقاتها الثنائية المتنامية مع الدول الأخرى، بما يؤثر على القواعد والأعراف الدولية لصالحها.
وتُعدّ الصين من أكبر الدول المستثمرة في العالم، حيث تُقدّر استثماراتها الخارجية المباشرة في عام 2023 بأكثر من 1.8 تريليون دولار أمريكي، وتتوزع هذه الاستثمارات على مختلف أنحاء العالم، مع تركيز خاص على الدول النامية.
وتتنوع مجالات الاستثمار الصينية لتشمل مختلف القطاعات الاقتصادية، مع تركيز خاص على البنية التحتية، والطاقة، والموارد الطبيعية، والتكنولوجيا والزراعة.
استثمارات الصين في مصر
تُعد الصين من أهم الدول المستثمرة في مصر، ويأتي هذا التنافس في سياق سعي الصين لتوسيع نفوذها الاقتصادي في أفريقيا وإقامة مبادرة الحزام والطريق، ومما يدفع الصين للاستثمار في مصر؛ أن مصر تتمتع بموقع جغرافي متميز على مفترق طرق التجارة العالمية مما يجعلها بوابة إلى الأسواق الإفريقية والأوروبية.
وكان السفير الصيني في مصر ليا ليتشيانغ، أكد خلال مؤتمر صحفي عُقد في مارس المنقضي؛ أن الصين أكبر شريك تجاري لمصر منذ 11 عامًا متتالية، وأن بلاده تعد من أكتر الدول نشاطًا وأسرعها نموًا في الاستثمار في مصر.
وتُقدّر الاستثمارات الصينية حالياً بأكثر من 11 مليار دولار أمريكي، وتتنوع هذه الاستثمارات لتشمل مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الطاقة؛ فتُعد الصين من أكبر المستثمرين في مشاريع الطاقة في مصر، خاصة مشاريع الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، كما تُشارك في العديد من مشاريع البنية التحتية الكبرى في مصر، مثل مشاريع الطرق السريعة والموانئ والسكك الحديدية، وتُقيم الصين منطقة اقتصادية خاصة في قناة السويس، تهدف إلى جذب المزيد من الاستثمارات الصينية وتشجيع التعاون التجاري بين البلدين.
مخاوف بشأن هيمنة الصين
تخشى بعض الدول من أن تؤدي ممارسات الصين التجارية العدوانية، مثل الإغراق وإعانات الصادرات، إلى إلحاق الضرر باقتصاداتها، وتتعرض الصين لانتقادات واسعة النطاق بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك قمع الحريات السياسية واحتجاز الأقليات الدينية، كما يثير تنامي القوة العسكرية للصين قلق الولايات المتحدة والدول الحليفة لها في المنطقة.
وفي تصريحاته الأخيرة، عبَّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن قلقه إزاء دعم الصين العسكري لروسيا، وذلك بعدما أعلنت الصين عن زيادة ميزانيتها العسكرية بشكل كبير، مؤكدًا أن ذلك يمثل تهديدًا للولايات المتحدة وحلفائها، معلنًا زيارته للصين هذا الأسبوع لبحث سُبل تهدئة التوتر بين البلدين فيما يتعلق بالتجارة العالمية والصراعات الإقليمية والحرب بين روسيا وأوكرانيا، وذلك بعدما دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى فرض رسوم جمركية عالية على المنتجات المعدنية الصينية، وردّت الصين بالمثل.
ويؤثر هذا الخلاف بين الولايات المتحدة والصين، سلبًا على الاقتصاد العالمي، كما يهدد باندلاع حرب باردة جديدة بين البلدين.
وتشير التصريحات الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين، إلى أن هذه التوترات من المرجَّح أن تستمر في التصاعد مستقبلا.
التحديات التي تواجهها
تواجه الصين عددًا من التحديات الداخلية التي يمكن أن تُعيق طموحاتها العالمية، وتشمل هذه التحديات عدم المساواة الاقتصادية المتزايدة، والفساد، والتهديدات البيئية، وإذا لم تتمكن الصين من معالجة هذه التحديات، فقد تُصبح غير مستقرة داخليًا، مما يُقلل من قدرتها على السيطرة على العالم، كما أنه من المرجَّح أن تواجه مقاومة كبيرة من الدول الأخرى إذا حاولت السيطرة على العالم، حيث تُشكل الولايات المتحدة وحلفاؤها، مثل الدول الأوروبية واليابان، قوة عسكرية واقتصادية كبيرة يمكن أن تُعيق أي تقدم صيني.
الآفاق المستقبلية
لا تزال نوايا الصين الحقيقية غير واضحة، فمن الممكن أن تسعى الصين إلى الهيمنة العالمية، أو أنها قد تكون راضية عن دور أكثر تواضعًا في النظام الدولي، ويُعد عدم اليقين هذا أحد العوامل الرئيسية التي تُعيق تقييم إمكانية سيطرة الصين على العالم.
من غير الممكن التنبؤ بشكل قاطع ما إذا كانت الصين ستسيطر على العالم أم لا، فتُشير بعض العوامل إلى أنها لديها القدرة والإمكانيات لتحقيق ذلك، بينما تُشير عوامل أخرى إلى أن هناك عقبات كبيرة أمام تحقيق هذا الهدف، ومن الممكن أن تسعى الصين إلى لعب دور أكثر نشاطًا في الشؤون العالمية، مع تعزيز مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
ومع ذلك، من الممكن أيضًا أن تظل الصين أكثر تركيزًا على شؤونها الداخلية، مع تجنب التدخل في النزاعات الدولية.
في النهاية، سيعتمد مستقبل الصين على خياراتها الداخلية والديناميكيات الدولية المتغيرة.
-------------------------------
من المشهد الأسبوعية