قلتُ وأكرر أنّ الكاتب هو ضميرُ أمته المعبرُ عن آلامها وآمالها، فما يصوغه يراعُه، وتسطره يده حول قضية من القضايا، أو مشكلة من المشكلات، لا يعدو كونه خطوة في طريق الحل بما يقدمه من رأيٍ ثاقب، جاء نتيجة تراكم المعرفة واكتساب الخبرات، اللذين لابد منهما ليوصف المرء بالكاتب، أما ما نراه من بعض من حملوا هذا اللقب خطأ، فقدموا أفكارا مهترئة في جُملٍ مفككة بلا معني ولا مضمون فهو كما تقول العامة .. (ضحك علي الذقون) .
وبعيدا عن (شخصنة) الأمور، فقد دار كثيرٌ من اللغط حول مقالي الأخير .. ( ويروغ منك كما يروغ الثعلب )، الذي عبرتُ فيه عن مدي ألمي من صديقٍ أو أكثر عرفتهم في دنيا الناس، وحزنتُ لسيطرة ( الأنا ) عليهم، إذ صار لسانُ حالهم : أينما وُجدت المصلحة فثم التبسم عند اللقاء، وتبودلت الأحضان والقبلات الحارة، وتهللت الأسارير !
ومن المؤكد أنني لستُ الوحيد الذي صادف أمثال هؤلاء، بل صادفهم غيري الكثير، وتجرعوا مثلما تجرعتُ مرارة الغدر، وغصة الجحود، ولهؤلاء وغيرهم من المكلومين أقول :
كلّ إناء بما فيه ينضح، فعامل الناس بأخلاقك أنت لا بطباعهم هم، وثق بأن هناك ربا لا تخفي عليه الخفايا .. حكمه عدل، وجزاؤه باق، وعطاؤه فياض، وإن لم تفز به في الدنيا، فإنك لن تحرمه في الآخرة، التي وصفها ربنا بقوله سبحانه : ( وللآخرةُ خيرٌ لك من الأولي ).
شكرُ البشر - عزيزي القارئ - مآله إلي الانقطاع، أمّا شكرُ الخالق أبديٌ باق .
والحقيقة أن مقالي آنف الذكر، كان بجانب أنه (نفثةُ) مصدور، فهو تكملةٌ لسلسلة بدأتها بـ(صديقي الميكيافيلي)، وسيعقبها - بإذن الله - مقالاتٌ أخري، أردتُ منها أن تكون طوق نجاة لكل من أشرف علي الغرق في بحار الصداقة الزائفة المُعكّرة بخصال الكذب والخداع والغش، التي يتخذها أصحاب المصالح مطية لأغراضهم، وسلما لأهدافهم .
فليحرص كل قارئ علي عمره، ولا يضيّعه مع كل من هبّ ودب، ولا تحمل همّ الناس فوق رأسك، اسع لخدمتهم قدرَ جهدك، فإن وفقت فاحمد الله، وإن أخفقت، فقل : (لايكلف الله نفسا إلا وسعها)، ولا تلتفت لرضاهم أو حنقهم، فرضا الناس غاية لا تُدرك، حتي وإن ولج الجمل في سم الخياط !
وأقول - أخيرا - لمن يفتش بين السطور .. دعك من (شخصنة) المقال، وخذ منه العبرة .. هداك الله .
---------------------------------
بقلم: صبري الموجي
* مدير تحرير الأهرام