20 - 05 - 2025

حرب التيارات الكنسية ومعارك الأذرع الجانبية

حرب التيارات الكنسية ومعارك الأذرع الجانبية

يقول بولس الرسول في الرسالة إلي تيموثاوس الأولي: أحسن الجهاد في معركة الأيمان الجميلة، بينما يلهو البعض بإيمان زائف داخل الكنيسة، و هو ليس بجديد، فقد حذرنا السيد المسيح من الأنبياء الكذبة، وبولس الرسول، من المرتدين في وسطهم (أعمال الرسل 20: 29-31). وحذّر تيموثاوس من المخاطر الروحية واصفا اياهم بانكسار سفينة الايمان ،بينما قدَّم يوحنا توضيحًا للحالة الروحية لمن ضلوا عن الإيمان ليسوا أشخاصًا "فقدوا"خلاصهم؛ بل لم ينالوا الخلاص في المقام الأول، لكن يظهروا بمظهر الكذبة في النهاية بألوانهم الحقيقية. حيث يمكن تمييز الزوان عن القمح، و أوضح بولس الرسول أيضا في نفس الرسالة حقوقه الرسولية، الذي لم يسع وراء ربح وليس بمخادع.

فعندما يصبح الايمان العقائدي سلعه للتغطية و الدفاع المأجور المصحوب بمسحة ايمانية مزعومة، فهذا أخطر الأنواع السائدة، فقد تفقد وزن وثقل قيمة الراعي الدينية نفسه الذي استأجرهم و جعلهم عثرة للجميع ، ومنذ أكثر من ٢٠٠٠ عاما تصدي خيرة الآباء الأولين ضد الهرطقات و البدع وتمسكوا بالايمان الصحيح في جولات وجها لوجه في المجامع المسكونيه، و لكننا لم نسمع قط أنهم كونوا جبهات من الرعية لتراشق بعضهم البعض أو تسببوا في انشقاقات إلا لصالح الإيمان وحده في مسألة مصيرية، فكانت معركتهم الفكرية وحدهم بدون الحاجة لأبواق إعلامية أو كتاب أو أشخاص اعتبارية تتقرب باسم الإيمان سعيا لعضوية مجلس النواب أو منصب ما أو تفرق مجاملات نكاية في أشخاص تختلف معها أو بحثا عن المال، فترتكب أبشع أنواع المكائد والخطايا، فاختلطت المصالح الشخصية باسطوانات إيمان مصطنعة ومتحدثين باسم بعض القيادات الكنسية علنا دون استحياء، و لذلك صمد الآباء العظماء أمام ولاه وسلاطين حتي النفس الأخير و استشهدو بقوة، لأن القضيه الإيمانية كانت حقيقية محددة الأهداف تخدم مصالح الكنيسة مصحوبة بمعونة إلهيه وإيمان نابع من القلب، لذلك نجحوا و خلدت ذكراهم ونجحت الكنيسه كلها، بينما تتساقط أوراق الأبواق المصطنعة، فسريعا ينتهي دورهم حيث يقترب سقوطهم من كثرة الأخطاء.

ولم يورد قط أن مارمرقس الرسول أو القديس أثناسيوس الرسولي منذ القرن ١٦ وظف أحدا بالوكالة بدلا منه للهجوم أو التجريح أو الإساءة لمن اختلف معهم عقائديا، و هم في طريقهم للدفاع عن القضية الإيمانية، ما بين سحل وسجن و تعذيب ونفي وأضرار معنوية وكان الله نفسه يدافع عنهم في صور ملموسه، و لم نسمع أو نر أيضا أي اختلافات تطفو علي السطح بين التلاميذ وبعضهم في مراحل تأسيس الكنائس ونشر المسيحيه ولم يخرج تلميذ أو أحد السبعين رسولا في مشهد تعارض استثنائي بل استكمال للخدمة، فما ينقصنا هو كيفيه الدفاع وإلي من نوجه هذا الدفاع بتحديد زوايا المنهج الفكري، وما أخشاه هو أن نكون قد أفرغنا من الدفاعات وصرنا نتربص ببعضنا البعض.

و الحقيقه الثابته هو تخليد ذكري كل شخصيه محوريه دافعت عن الإيمان في التاريخ الكنسي حتي أصبحت إنجيلا معاشا ،فماذا تعلم جيل السوشيال ميديا؟؟ وأتساءل أيضا هل مناهج الآباء و قوانين الدسقولية تبلغ درجة من الصعوبات في التنفيذ داخل هذا الجيل! و لماذا كان في استطاعتهم القدرة علي إدارة المشهد ، بينما نفشل اليوم و نستمر في اللهو بعيدا عن قضيتنا الأساسيه؟ و لماذا كانوا متميزين وتركوا إرثا ونبتة صالحة علي صخرة الإيمان ، بينما لم نترك في هذا الجيل سوى لجان و مسميات إعلاميه مشينه وصكوكا للايمان، حتي أصبحنا نفرق بين أبناء الكنيسه الواحدة، فتلك الحملات المسعورة التي تشكك في إيمان الرعية وتقودنا للتراشق فيما بيننا، بالتأكيد يقف وراءها مستفيدون لإضعاف الطائفة.

وأتساءل أيضا عن نوعيه المتطوعين الذين يوزعون صكوكا إيمانية مزعومة مدفوعة بغباء اجتماعي لتسوق نفسها وتجد محتوي ربحي، أين تأهلوا وما هي المقومات التي تؤهلهم للدفاع عن الإيمان السليم؟، هؤلاء هم جهلاء الإيمان الذين لم يوكلهم أحد، و لم يدرسوا داخل كليه لاهوتية واحدة أو خاضوا دراسات للتأهيل ولم يقرأوا الكتب ولا تفاسير أو مقارنات لاهوتية ولا أصول الدفاعات، بينما يستمدون معلوماتهم المتناثرة ليس بتصرف بل موجهة لخدمة أغراض مشبوهة ولا تكف عن شق الصف و هي أخطر مرحلة تعبر بها الكنيسة، و تنطبق عليهم الأية "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يارب، يارب! أليس باسمك تنبئنا و باسمك أخرجنا شياطين، و باسمك صنعنا قوات كثيرة، وأخيرا ستنتصر الكنيسه بأبنائها دون تفرقة، و لذلك يقول بولس الرسول في الرسالة إلي أهل أفسس ٤ ، كيف ننظر باحتقار لمن هم أقل منّا، فنحن وهم بدون المسيح أقل من التراب، وكل ما أخذناه هو من نعمة الله، أما من يسلك بطريقة خاطئة لن ينقاد للروح القدس ويعاند، ولن يخضع لتجديد الروح القدس مهما تشدق بالدفاع عن الإيمان السليم، وبالتالي لن يثبت في المسيح، فلا شركة للنور مع الظلمة ولا اتفاق للمسيح مع بليعال، كما وصفهم نفس الاصحاح ب "أطفال مضطربين" ، و هم غير الثابتين و المتلونين في الرأي والتعليم والإيمان، فيقول الأنبا رافائيل عظته، إنه حتي إن كان المعلم الأوحد ارثوذوكسيا في الفكرة سيقود تابعيه إلي هوة عبادة الأشخاص ، وإن كان منحرفا في فكره و ليس أرثوذوكسيا فسيقودهم إلي الهلاك أجمعين.

إن ما يحدث هذه الأيام ، ينطبق عليه أيضا قول نيافه الأنبا رافائيل ، إن المستعلي عند الناس هو رجس قدام الله، لقد حارب السيد المسيح هذه الروح المتكبرة التي تجعل الكنيسه مليئه بالنتوءات ، والاحساس بالتميز كمثل ورم خبيث لا يتآلف مع باقي أنسجه الجسم وأصلح علاج هو الاستئصال، واحتقار الآخرين و إدانتهم ليس من روح المسيح. ولكي أضع تساؤلا في موضعه، لابد أن نذكر دور المركز الثقافي القبطي في مواجهه الهرطقات و البدع، و لكن -عزيزي القاريء- هل يوجد دور خفي لدي المركز لمحاربه الإلحاد؟ وإن كان حقيقيا، فلماذا لا يخرج نية الكنيسة للعلن من خلال سلسله فاعليات للتوعية و حملات كاملة، و كل ما نتمناه أن يختار المركز الأشخاص المناسبين لتلك المهام، فشتان الفرق بين المدافع عن الإيمان بالروح و من يتخذ من الإيمان وسيله للظهور ، تختلط الحنطة و الزوان.
----------------------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي

مقالات اخرى للكاتب

صراع الأجنحة الخفي بين الصهيونية البروتستانتية واليهودية| تحالف المصالح أم الأيديولوجيات؟