19 - 06 - 2024

الحرب على غزة، التضليل المتواصل

الحرب على غزة، التضليل المتواصل

يمكن بلا أي وجل وبكل يقين إطلاق اسم "حرب التضليل" على هذه الحرب على غزة، التي تواصل إسرائيل شنها منذ 7 اكتوبر 2023 وحتى اليوم الـ122 منها، الذي يصادف هذا اليوم وما سيليه من أيام وشهور بل وسنين. 

منذ صباح ذلك اليوم المشؤوم والتضليل الذي تمارسه إسرائيل وحلفاؤها من جهة، الميديا وزبائنها من المحللين وبياعي الكلام الممجوج والمكرر من جهة أخرى، إضافة إلى ما تبثه هذه الميديا من صور حقيقية من الميدان ومشاهد تدعي أنها حصلت عليها، والساعات الطويلة للبث المباشر حيث ارتفع عدد متابعي قناة الجزيرة إلى أكثر من 19 مليار مشاهد في مدة الحرب، كما قالت في احد تقاريرها، كل هذا يصب في هدف التضليل الذي بدأ مع بداية هذه الحرب القذرة وكان أحد أهم ادواتها، إضافة إلى ادوات القتل المميتة. 

لقد نجحت وسائل الإعلام وتصريحات قادة الأحزاب في إيصال رسالتها خاصة للمواطن العربي البعيد والمقموع والفلسطيني المتشوق للتحرير والعودة، بأن هذه الحرب هي حرب التحرير أو على الأقل هي الخطوة الأولى في هذا الإتجاه، مما حدا بهؤلاء للتغني بأهل غزة وتمجيدهم ، أحفاد صلاح الدين، معتبرين أن ما يلاقونه من موت وعذاب هي ضريبة لهذا التحرير القادم والعودة القريبة.   

كثافة الإعلام وحجم الصور التي بثها هذا الإعلام بكثافة في صباح اليوم السابع من أكتوبر، إضافة إلى دقة وكفاءة مصوريها وتنوع المناظر، كل هذا وغيره يطرح مئات الاسئلة، وكأن المصور/المصورين في ساحة تصوير فيلم عالمي وليس ساحة حرب، معهم كل أجهزتهم، يصورون بأريحية كاملة في مساحة واسعة، يتابعون الحدث ويلاحقونه، هناك في غلاف غزة وهنا في داخل غزة بين المواطنين المبتهجين، هل هذه حرب ام فيلم سينمائي؟! 

التقطت إسرائيل هذه الصور وضخمتها ونشرتها في مختلف وسائل الإعلام، وزادت عليها فبركاتها التي تريد وحرفت وانتقت واستخدمت كل خبراتها الإعلامية لتصل الرسالة التي تريد إلى كل العالم. 

وصلت رسالة إسرائيل إلى العالم الحر بقيادة بايدن، التي تقول أن شعب العماليق قد اعتدى وقتل واغتصب وقطع رؤوس أبناء وبنات ونساء من هذا العالم الأبيض الوديع. 

قامت الدنيا وتشكلت الأحلاف بقيادة بايدن شخصيا ضد غزة اليتيمة الحزينة التي لم يعمل لها أحد أي حساب أو ياخذ رأيها في مصيرها الأسود الذي ينتظرها. 

انطلقت طائرات اسراىيل والعالم والصواريخ والدبابات والمدفعية وجيوش النخبة والمظلات وجولاني والمستعربين وغيرهم تدك موتا ودمار وقتلا وتهديما وتشريدا في هذه الغزة وأهلها. 

باختصار، التضليل باستخدام الصورة قد لعب دورا هاما في التحشيد العالمي لهذه الحرب وتبريرها ومواصلتها واستمراريتها طول هذه المدة. لقد خلقت الميديا الذرائع التي تريدها إسرائيل لمواصلة تحقيق هدفها من هذه الحرب. 

هذا فضلا عن التضليل في الأهداف وفي تكتيكات سير العملية العسكرية والتركيز على أهداف لا علاقة لها بالحرب، سبق أن تطرقنا له باسهاب. لقد ضخمت وبالغت إسرائيل من قوة المواجهة ومن إمكانيات خصمها بهدف واضح لكل ذي بصيرة، استمرار بل إطالة الحرب وتدمير غزة تدميرا لا يمكن معه إعادة إعمارها. 

شكل آخر من التضليل تجلى في تركيز وسائل الإعلام، الجزيرة وغيرها، على الأزمة الداخلية في إسرائيل، وافردت لها ساعات البث الطويلة والخبراء من مختلف المناطق والتخصصات لتوهم المشاهد أن سقوط نتنياهو وشيك وأن أزمة إسرائيل الحزبية هي بسبب هذه الحرب، متناسين الأسباب الداخلية لهذه الازمة، ودليل على هزيمة إسرائيل تحت وقع ضربات المقاومة، وجعلت المشاهد العربي ينتظر يوما بعد يوم هذا السقوط ليعلن انتصاره، متناسين أن هذه حرب إسرائيل الدولة والمجتمع والفكر وليست حرب نتنياهو. 

هذا التضليل استخدم بهدف حرف أنظار المجتمعات العربية عن حجم الموت والدمار والبؤس الذي يعيشه أهل قطاع غزة، النازحون في الخيام تحت البرد والمطر وفي اللاصة والجوع والحزن العميق. 

عليكم أن تراقبوا هذه الأيام حجم المعلومات المضللة التي تبث لكم وتستهدفكم بخصوص الهدنة، التي أحد مطالب احزابنا منها توفير خيام للنازحين، الله أكبر، دون تحديد مكان هذه الخيام، هل سيبقى النازحون في رفح أم سيسمح لهم الانتقال إلى مناطقهم ليكحلوا عيونهم ببيوتهم المهدمة أو ما تبقى منها. منذ أكثر من أسبوع ولا شاغل للنازحين إلا انتظار هذه الهدنة، ولا عمل لوسائل الإعلام إلا بث الأخبار المزيفة وغير الحقيقية حول هذه الهدنة، بهدف تضليلنا وإظهارنا بالمنتصرين على نتنياهو وجيشه ودولته، بغض النظر عن واقع قطاع غزة المدمر والمستقبل البائس الذي ينتظر أهله، التهجير سيكون إحدى أمنيات أغلب هؤلاء الحزانى؟!.
----------------------------------
بقلم: د. رياض عبدالكريم عواد


مقالات اخرى للكاتب

الحرب على غزة، التضليل المتواصل





اعلان