07 - 06 - 2025

في تحقيق للجارديان مع الأطباء في غزة: "لا يمكننا إجراء العمليات، ولا يوجد لدينا أدوية"

في تحقيق للجارديان مع الأطباء في غزة:

- مسؤول في الأمم المتحدة بخانيونس كان يبحث عن حمار لنقل والده الذي فاجأته أزمة قلبية للمستشفى
- الخسائر غير المباشرة تتزايد في غزة مع تراجع الخدمات الصحية
- 350,000 شخص في غزة من أمراض مزمنة ويفتقرون إلى معظم الأدوية

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تحقيقا موسعا عن الخدمات لذوي الأمراض الخطيرة قي قطاع غزة، وقالت  "في ظل توقف علاجهم: أمراض خطيرة تهدد حياة عشرات الآلاف، في غياب أي وسائل للدفاع".

يقول التحقيق : تعاني الخدمات الصحية في قطاع غزة من "تدمير كبير"، حيث يعاني الطاقم الطبي من الإرهاق بعد ثلاثة أشهر من الحرب، حيث يضطرون لاستخراج شظايا من المصابين، أو حتى إجراء بتر بدون تخدير، فضلا عن مشاهدة وفاة الأطفال بسبب السرطان نتيجة لنقص في المرافق والأدوية.

قامت الصحيفة بعمل عشرات المقابلات مع الأطباء وإداريي الرعاية الصحية في غزة، والتي تكشف عن وضع كارثي وتدهور مستمر حيث تتعثر الخدمات الصحية في التعامل مع عشرات الآلاف من الضحايا المستمرين للهجوم الإسرائيلي المستمر على القطاع، وما لذلك من تأثيرات على الأزمة الإنسانية الحادة الجارية هناك.

ورغم تركيز الانتباه على الضحايا المباشرين للهجوم العسكري الإسرائيلي في غزة، إلا أن الفريق الطبي الذي يعتني بالضحايا غير المباشرين للحرب يشعر بقلق متزايد.

هناك عشرات الآلاف في غزة الذين يعانون من أمراض مزمنة تهدد حياتهم لم يتلقوا العلاج لشهور، والآن هم "بدون دفاعات"، حيث تضعف أجسادهم بسبب سوء التغذية والبرد والتعب، وفقًا لتصريحات الأطباء. 

على سبيل المثال توفي طفل بحالة دماغية قبل ساعات من وصول فريق الأمم المتحدة بالدواء الحيوي الضروري.

أخبر أطباء السرطان الصحيفة أنهم لم يتمكنوا من علاج المرضى الذين في حاجة ماسة، بما في ذلك الأطفال الذين يعانون من لوكيميا أو ورم يتطلب جراحة فورية لإنقاذ حياتهم. 

يقول الدكتور صبحي سكيك المدير العام لأمراض السرطان ومدير عام مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني في غزة "ليس لدينا شيء نقدمه لهم. لا يمكننا العمل وليس لدينا أدوية على الإطلاق، كما أُغلق القسم الرئيسي للأمراض السرطانية في المستشفى في بداية نوفمبر".

وقال صبحي: "هناك أشخاص يعانون من سرطان يهاجم الكبد والعظام والرئتين، يجب علي أن أشرح لهم حالتهم وأنه ليس هناك شيء يمكننا القيام به، لدينا مرضى باللوكيميا، بما في ذلك الكثير من الأطفال، الذين توفوا، إذ ليس لديهم آلية دفاع، ليس لديهم نظام مناعة وفي هذه البيئة حياتهم مهددة جدا."

قال سكيك إن رجلاً قد أحضر ابنه إليه يوميًا لمدة ثلاثة أسابيع، حيث يعاني الطفل من ورم سريع النمو في حلقه سيعيق تنفسه قريبًا.

يضيف: "كل يوم يأتون وكل يوم يجب علي أن أقول أنه ليس هناك شيء يمكننا القيام به. أنا جراح، يمكنني القيام بهذا العمل بدون صعوبة ولكن ليس لدينا مرافق. إنه أمر فظيع".

جدير بالذكر أن من بين 36 مستشفى في غزة، يظل 15 مستشفى مفتوحا فقط، منها ثلاثة فقط لا تعاني من أضرار.

ووفقًا لمسؤولي الصحة الفلسطينيين، يعاني 350,000 شخص في غزة من أمراض مزمنة ويفتقرون إلى معظم الأدوية.

 إحدى المخاوف الرئيسية تتعلق بالأمراض النفسية، حيث تكاد الأدوية تكون قد نفدت، إلى جانب الأدوية الخاصة بعلاج ارتفاع ضغط الدم.

حسين عوض، البالغ من العمر 37 عامًا، والذي يعيش مع عائلته في كلية تدريب مهني تابعة للأمم المتحدة غرب خان يونس منذ تدمير منزله وقتل العديد من أقاربه في بداية الحرب، يقول : "الجميع يعاني من السعال. الأطفال جميعهم يعانون من الإسهال أو التهابات الصدر، وهناك الكثير من حالات التهاب الكبد فيروس إيه أيضًا".

تُجرى محاولات لإعادة فتح مستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة، الذي أصبح مركزًا لحرب الدعاية الشرسة في العام الماضي عندما تم اتهام الاحتلال بالاستهداف المتعمد للموقع، بينما نفى المسؤولون الإسرائيليون ذلك وقالوا إن المقاومة قامت ببناء مركز قيادي تحت المستشفى واستخدمت مرافقه.

ووصفت منظمة الصحة العالمية المستشفى بأنه "منطقة موت" بعد توقف عملياته إلى حد كبير في ظل الإغارة عليه احتلاله من قبل القوات الإسرائيلية في نوفمبر، لكن المستشفى عاد واستأنف الخدمات الأساسية فقط.

قال الدكتور مروان أبو سعادة، مدير مستشفى الشفاء، إنه يأمل في فتح وحدة العناية المركزة في الأسبوع المقبل ولكن لا يزال الوقود والكهرباء والدواء نادرين، حيث تم تدمير مولدات الأكسجين الكبيرة ويتم الاعتماد على الأسطوانات.

ويعد الوصول إلى الرعاية الطبية مشكلة كبيرة، حيث لا يكاد يكون هناك وقود في غزة نتيجة للقيود التي تفرضها إسرائيل، لذلك لا يكاد يكون هناك تقريبًا أي وسيلة نقل. 

في هذا السياق قال أحد المسؤولين في الأمم المتحدة في خان يونس إنه كان يبحث عن حمار لينقل والده، الذي كان يعاني من أزمة قلبية، إلى المستشفى.

في ديسمبر، اضطر طبيب في مدينة غزة إلى بتر الجزء السفلي من ساق ابنة أخيه بدون تخدير على طاولة في المنزل بعد أن أصيبت عندما ضربت المنزل قذيفة وأدى القصف الإسرائيلي الكثيف في المنطقة إلى أن يكون من الصعب الوصول إلى مستشفى الشفاء، والذي يبعد عادة ست دقائق بالسيارة. حول هذه الواقعة يعلق الطبيب هاني بسيسو: "للأسف، لم يكن لدي أي خيار آخر. الخيار كان أن أترك الفتاة تموت أو أحاول قدر استطاعتي"

الانقطاعات الطويلة في وسائل الاتصال، بسبب ضربات الاحتلال أو باوامر مباشرة منه، تسبب أيضًا في مشاكل خطيرة حيث يمنع الأشخاص من استدعاء سيارات الإسعاف.

تتوجه فرق الهلال الأحمر الفلسطيني إلى مواقع الضربات الجوية أو القصف عندما يرونها أو يسمعون عنها، ولكن هناك قلقًا كبيرًا بالنسبة للآخرين، مثل النساء اللواتي يدخلن في وضع الولادة.

 وفقًا لنبال فرسخ، المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني. هناك تقارير متعددة عن نساء اضطررن إلى الولادة في المنزل أو في خيام بدون رعاية طبية، والبعض الآخر لا يمكن الوصول إليه بسبب القتال.

وتضيف: "لا يمكن لسيارات الإسعاف دخول المناطق التي يفرض عليها جيش الاحتلال طوقا عسكريا. سيطلقون علينا النار. هناك أشخاص تعرضت عائلاتهم لإصابات، ولا يمكننا الوصول إليهم. كما ان هناك أشخاص لديهم أقارب موتى معهم لأيام لأنهم لا يستطيعون الخروج لدفنهم في فنائهم".

وأشارت فرسخ إلى أن 14 سيارة إسعاف قد تم تدميرها و19 تضررت في القتال على مدى ثلاثة أشهر، مما يترك حوالي 24 سيارة تعمل، كما قتل ثمانية من موظفي الهلال الأحمر وأصيب 29 آخرون.

أما الاحتلال الذي قتل أكثر من 25 ألف شهيد فيزعم أنه يحاول تجنب الخسائر المدنية، ويزعم أن المقاومة تستخدم السكان المحليين كدروع بشرية من خلال وضع بنية تحتية عسكرية بينهم وتحتهم، وهو مانفته المقاومة من جانبها للعديد من المرات.

في حين يقول مسؤولون إسرائيليون إنهم لا يطلقون النار على سيارات الإسعاف التي تنقل مدنيين، ولكن بعضها تم استخدامها من قبل حماس لنقل مقاتلين أو أسلحة.

يتجاوز سكان مدينة رفح على الحدود مع مصر 1.3 مليون نسمة، يخدمهم مستشفى عام صغير بحوالي 40 سريرًا، بالإضافة إلى بعض العيادات الخاصة وعدد قليل من المستشفيات الميدانية التي لا يمكنها تقديم رعاية أساسية جدا.

حول هذا يعود سكيك ليضيف :"بالنسبة للتشخيص، لدينا فقط تقديرنا العام. ربما يمكننا إجراء أشعة سينية أو بعض الأشعة بالموجات الصوتية ولكن لا شيء أكثر. لقد رجعنا إلى الوراء 30، 40 عامًا".

بينما قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي الأربعاء الماضي إنه من المتوقع أن تكون هناك مستشفيات ميدانية إضافية جاهزة للعمل في الأيام القادمة.

في الأسابيع الأخيرة، قالت "إسرائيل" إنها قد انتقلت إلى عمليات عسكرية أقل كثافة ستقلل من خسائر المدنيين وتسمح للمزيد من المساعدات بالوصول إلى غزة.

 ومع ذلك، تكثفت الضربات في رفح وخان يونس ذات الكثافة السكانية العالية، حيث يخشى أن يتعين إغلاق المستشفى هناك.

من جانبه قال قال وليام شومبورج، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة.: "ما تقوله الأطراف المتحاربة وما نراه على الأرض يختلفان تمامًا. هناك ضربات جوية متواصلة، وقصف بالمدافع، وحركة دبابات، ونشاط بحري. هناك انقطاع بين الخطاب والواقع، وهانحن نرى العواقب الإنسانية لذلك"

وفي يوم الخميس الماضي، قال نتنياهو للصحفيين إن "إسرائيل" تسمح فقط بأدنى إمدادات "ضرورية" لتجنب أزمة إنسانية.

وفي وقت سابق قال فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إن الإمدادات الإضافية فقط يمكن أن تعكس "تدهور الوضع الإنساني في غزة".

مغادرة القطاع أيضا مشكلة، إذ قبل الحرب، كان يتم علاج المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج الكيميائي في "إسرائيل" ولكن منذ اندلاع الصراع، أصبح ذلك مستحيلاً ولم يُسمح إلا للقلة فقط بالخروج من غزة لتلقي العلاج في مصر.

قالت السلطات الفلسطينية الأسبوع الماضي إن أكثر من 2000 شخص يتم تشخيصهم بالسرطان سنويًا في غزة، بما في ذلك 122 طفلًا، بينما قال سكيك إنه قد كتب إحالات لـ 2500 مريض ولكن لم يغادر سوى 300 إلى 400 منهم.

وصف طبيب بريطاني المشاهد في مستشفى الأقصى في دير البلح، وسط غزة  يدعى جيمس سميث، والذي سافر إلى غزة مع منظمة الإغاثة الطبية للفلسطينيين، إن المستشفى، مثل غيره من المرافق الطبية، تحول إلى ملجأ لآلاف النازحين، الذين اعتصموا في كل مكان، فالمرفق الذي يحتوي على 250 سريرًا يضم 700 مريض، كل واحد منهم مع أقاربه، بما في ذلك الأطفال، قليلون من يرغبون في المغادرة بعد العلاج، لذا أصبح قسم الطوارئ "قسمًا داخليًا".

جعل الزحام والضوضاء الرعاية التلطيفية للمحتضرين أمرًا صعبًا للغاية، قال سميث. "كان هناك مساحة محدودة جدًا لتحقيق أفضلية في تخفيف الألم أو الكرامة أو الراحة. كانت الظروف ضيقة للغاية، والضوضاء كانت كبيرة جدًا".

بحسب سميث: "جاء العديد من الضحايا مع حشود من الأقارب يطلبون المساعدة لأحبائهم، ولكن آخرين كانوا وحدهم، خاصة الأطفال الصغار الذين قتلت أسرهم بأكملها أو أصيبوا بشكل مستديم. "جرى إحضار طفل عمره ست سنوات وحده ملفوفًا في بطانية. كان يعاني من حروق كبيرة في وجهه وجرح خطير جدًا في الصدر. لحسن الحظ، عثرنا عليه، وإلا لكان قد توفي".

كما ان قلة التجهيزات أدت إلى الانتظار لعدة أيام قبل إجراء عمليات على ضحايا الحروق، إذ أدى نقص الإمدادات الأساسية إلى أن يقضي البعض ساعاتهم الأخيرة في أوجاع مريرة، وفقا لشهادة الطبيب.

قال سميث، الذي عاد من غزة قبل أسبوعين "جرى إحضار طفلة تعاني من حروق عميقة في وجهها وجزء كبير من أطرافها. كانت لا تزال على قيد الحياة بطريقة ما وبوضوح كانت تعاني من آلام شديدة. ما كانت تحتاج إليه هو المسكنات، ولكننا لم نستطع تقديمها، في النهاية تم فقط تخدير الفتاة".

الأربعاء الماضي أكد نتنياهو أن الحرب ستستمر حتى تحقيق إسرائيل لأهدافها: إعادة الرهائن الـ 130 الذين اختطفتهم حماس في 7 أكتوبر والذين لا يزالون في غزة، و"القضاء على حماس وضمان أن غزة لن تشكل تهديدًا لإسرائيل مرة أخرى".

من جانبه قال الطبيب صبحي سكيك أنه يأمل في أن تنتهي الحرب قريبًا، يستحق أهل غزة أن يعيشوا مثل الآخرين ولا يستحقون الوفاة في أي لحظة، مثلما هو الحال الآن".
------------------------
ترجمة: أسماء زيدان
لقراءة المقال بالإنجليزية يرجى الضغط هنا