صدرت عن دار "ذات السلاسل" في الكويت رواية بديعة للروائي الكويتي فيصل عادل الوزان، بعنوان "حديث كاظمة". الرواية تستدعي أحداثا وقعت على أرض الكويت، فتعيد اكتشاف تاريخ هذا البلد العربي عبر أزمان سحيقة، بما يغير الأفكار السائدة في شأن تاريخ الكويت. الراوي ينطلق من اهتمام علماء آثار بإعادة رسم خارطة الكويت التاريخية من خلال الاكتشافات الأثرية التي يقومون بها، في ظل محاولات حثيثة منهم لإنقاذ عدد من المواقع من الزحف العمراني. هذا الشق من الرواية هو الشق الذي يعتبر خارج الخيال الأدبي بما أنه يعيد بناء الأحداث من المصادر التاريخية ودواوين الشعر العربي.
أهم ما تقدمه الرواية هو بعث روح الاهتمام بتاريخ الكويت عبر تاريخ "كاظمة" وهو الاسم القديم لها، وتتحدث عن إهمال الأجيال الجديدة للتاريخ الوطني. وهذه ظاهرة عربية وليست كويتية فقط. كما أن إهمال كتابة التاريخ في ضوء المكتشفات الأثرية ظاهرة عربية أيضا. ففي العراق جرى إهمال تضمين العديد من المكتشفات ونتائجها في الكتب التي تتناول تاريخ العراق. وهذا أيضا هو الوضع في مصر فهناك تقصير في إضافة نتائج الحفائر الأثرية عند كتابة تاريخ مصر القديمة. يقدم لنا الراوي فريقا أثريا يعمل في موقع كاظمة القديم، عثر على جرة فخارية بها مخطوط ذو أهمية تاريخية كبيرة. يجري نقل الجرَّة سريعا إلى متحف الكويت الوطني حيث معامل الترميم الحديثة. وهناك يستخرج المخطوط من الحرة وينطلق منه الراوي في سرد تاريخ كاظمة. لكن هذا المخطوط يُسرق من خزانة المتحف.
تدور الرواية في شهر يناير 2020، ومنه نري الراوي يستدعي مقولات المؤرخين عن كاظمة، مثل ذكره ما قاله الحسن الأصفهاني في كتاب (بلاد العرب) حيث يذكر: " كاظمة علي ساحل البحر، حصن فيه سلاح أُعد للعدو، ودور مبنية، وعامتهم تميم". كما يذكر ما قاله ياقوت الحموي: "كاظمة: جون على سيف البحر في طريق من البصرة، بينها وبين البصرة مرحلتان، وفيها ركايا كثيرة، وماؤها شروب، واستسقاؤها ظاهر، وقد أكثر الشعراء من ذكرها". لينتقل بنا إلى الرواية عبر أحداث تجري في أرض الكويت خلال العصر العباسي في خضم الحرب القرمطية العباسية حيث يشرع الشاب وهيب في جمع أخبار أهالي كاظمة وفيلكا وبطن فلج والعدوان وتدوين قصصهم التي ترجع إلى الأزمنة الإسلامية والجاهلية والهلينستية والدلمونية ليتساءل الرواي هل ينجح في إتمام مهمته؟
الرواي جعله ينجح في مهمته، فجعل المخطوط الذي سرق من المتحف يتحدث بهذا التاريخ، منطلقا من حركة القوافل على أرض كاظمة، وهجرة بعض العرب لها إثر حروب في شرق الجزيرة العربية. هذا يقودنا عبر تسلسل الأحداث إلى دور كاظمة كرابطة بين العراق شمالا والشام إلى شرق الجزيرة العربية، لنرى وصفا للخان بها كمحطة لاستراحة القوافل ومكان استضافة أيضا، كاشفا عن الخلق الرفيع لأهل كاظمة في استيعاب الفارين لها بلا مأوى. كذلك مهارة أهل كاظمة في التجارة، بل إننا نرى شعراء كاظمة عبر صفحات النص، لدرجة يمكن معها تقديم معلومات جديدة عن علاقة هؤلاء الشعراء كالفرذدق بكاظمة.
ويغزل الكاتب من المكتشفات الأثرية في جزيرة فيلكا بابا في الرواية وعلاقتها بحضارة دلمون في البحرين. بل هذا يقودنا لعلاقة كاظمة بالتجارة عبر البحر واستخراج اللؤلؤ. إن أكثر ما يدهش القاريء هو التحليل الدقيق الذي ساقه الراوي لكاظمة التي تحولت إلى أطلال، بسبب الحروب بين الجنابيين وبني عامر وبني كلب وبني الأضبط في كاظمة وما حولها. شعر التميميون والبكريون بضيق، فقد باتوا بين مطرقة العباسيين وسندان الجنابيين، حتى تناقص عدد القوافل المارة بكاظمة. بدأ الناس يفكرون مليا في هجر كاظمة إلى الساحل الفارسي في الضفة الشرقية من الخليج العربي، حيث التجارة المنتعشة، أو إلي نجد أو عُمان، حيث الهدوء التام. اقتنع أهل كاظمة بالفكرة بعد مرور وقت دون تحسن في الأحوال. باع كثيرون بيوتهم بأثمان بخسة، ورحلوا مع ما تبقى من أموالهم.
كما تذكر الرواية أن القلق تسلل إلى أهالي جزيرة فيلكا من امتداد نار الحرب إليهم، مع بدء الكساد التجاري يمتد إلي فيلكا، بعد أن منع العباسيون تجارتهم من التوقف والمتاجرة مع جميع موانيء الساحل البحريني، مشجعين اياهم على التجارة مع الساحل الفارسي. فهم اهتموا بميناء سيراف، وجعلوه أكبر ميناء على الإطلاق. يذكر الراوي انه مرت سنوات قاسى خلالها أهالي فيلكا وكاظمة وما حولها من العزلة وانكماش التجارة. أفلس كثيرون وباعوا ما يمتلكون. بدأ الفقر ينتشر، ويعيش الناس على الكفاف. بدأ سكان كاظمة وفيلكا في الهجرة لكن تذكر الرواية محاولات الصمود والبقاء في ظل ظروف صعبة، هذه الصفة الصمود والبقاء ظلا من صفات أهل الكويت إلى اليوم.