هناك أشياء تحدث فى وطننا العزيز تجعلك تؤكد لنفسك وللآخرين أن المشكلة ليست مشكلة قانون أو تطبيق أو وزير أو حتى محافظ، وإنما مشكلة الفساد فى المحليات والتى توغلت فى مصر خلال العشرين عاما الماضية وحولت شوارعها ومدنها وقراها إلى كتل خرسانية وتسببت فى تدمير ما يزيد عن 470 ألف فدان من الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة، هى بالأساس مشكله "سوس مخفي" لا تراه ولا يمكن رصده بالعين المجردة، أو قل لا يريد البعض رصده لأنه يستفيد من تواجده.

ولا تعلم الحكومة المركزية فى القاهرة شيئا عنه مطلقا وسأسرد لك قصه وظيفة معينة يعمل بها الحاصل على دبلوم متوسط فقط وغالبا ما يكون على الدرجة من الخامسة الى الثالثة ولكنه الأخطر فى شبكة فساد المحليات فى مصر.

الوظيفة "فنى تنظيم" ولو سألت بسهولة وزير التنمية المحلية أو حتى رئيس الحكومة عن هذه الوظيفة قطعا لا يعلموها ولا يعلموا دورها وغالبا لم يسمعوا عنها.

خطورة السيد "فنى التنظيم" أنه الحلقة الأولى فى استخراج تراخيص البناء أو تحرير محاضر مخالفات البناء أو حتى استيضاح هل هذه البناية تقع داخل الحيز العمرانى أم لا؟أيضا هو من يقول أن يمر الشارع هذا او ذاك ومتى تم التعدى عليه أو أنه لم يتم التعدى عليه، ودون توقيعه الكريم لا شيء مما ذكرت يمكن أن يتم وطبقا للقانون أيضا سواء قانون البناء الموحد أو قانون 119 أو قانون التصالح رقم 16 أو المعدل منه، وحتى شهر مضى طبقا للتعديل الذي أقره مجلس النواب المصري.

إذن ببساطه يستطيع أن يقول إن بنايتك التى تتكلف الملايين أحيانا مخالفة وبناء على تقريره وقراره، يتم استصدار قرار إزالة من الجهة الادارية ملزم لجهات التنفيذ وهو غالبا ما يتوغل على اختصاصات الإدارات الهندسية بشكل أو بآخر.

فى صعيد مصر والمحافظة التى انتمى إليها جنوبا وبقية إقليم الجنوب ووسط الصعيد أكاد أجزم أن فنى التنظيم هو الأعلى دخلا وحتى من وزير التنمية المحلية ذاته.

يذهب عم عوضين ونفسه ومنى عينه أن يبنى منزلا لأولاده على أرض زراعية أو يقوم بتعلية منزل صغير وقبل كل شىء يسال عم "عوضين "، من هو فنى التنظيم المسؤول عن منطقتنا، ويتعرف عليه وغالبا ما يهاتفه ويقوم بعزومته على فنجان من الشاى وتبدأ الرواية. 

عوضين: النبى يابيه عايزين نبنى شقه للواد اللى مسافر بره البلد علشان يكون مستقبله واحنا مستعدين لأى تكاليف. 

فنى التنظيم: ياعم عوضين القانون مانع وهيتم تطبيقه عليك بشده وانت عارف أنا موظف صغير وما ليش فى كده 

عوضين: بس برضه البركة فى سعادتك وبرضه مستعدين لأي تكاليف 

فنى التنظيم: بص علشان انت طيب وأنا بحب اخدم، انت هتبنى بس تترك جانب من السور مبنى "كده وكده" علشان لو الموضوع خرج من إيدى وحضرت إزالة يبقى ناخد الجانب ده بس، وأنا هاعمل محاضري عادى بس انت ما شوفتني ولا عرفتنى وانت وذوقك بقى وانت عارف الحياة غالية.

وهنا تتواصل القصة لما هو أعلى، وتقريبا تسير الأمور هكذا ولا يمكنك انت المسؤول أن تحاكمه، لأنه ببساطة عمل محاضره وطبق القانون، وإذا حضرت المتغيرات المكانية أيضا ولم يتم عمل المحاضر يسرع "البيه فنى التنظيم ورئيس قريته ومدينته" فى عمل المحاضر وغالبا بتاريخ قديم.

مشكلة بلا حل وزاد عليها أيضا الدفع بقيادات صغيرة، رؤساء أحياء ومدن وقرى باتت القيادات هذه تقتنع أن راتبها لا يناسبها وغالبا ما تبحث عن تحسين دخلها وهنا باتت صيدا "ثمينا" لهذه النوعية من صغار الموظفين، وأكاد أضرب مثلا أمام عيني حتى بقيادات نسائية صغيرة للغاية تساوم وتفاصل فى مخالفة القانون، وغالبا ما يتم التحويل إما للسائق أو الساعي ظنا منها أنها فى أمان وبعيدا عن أعين الرقابة والحكومة.

بات وجوبيا على وزير التنمية المحلية ان يقوم بحملة تظهير واسعة تنال من معظم القيادات الوسطى والصغيرة بجنوب الصعيد ومحاكمتها على ما اقترفت يداها فى حق  الوطن وأبنائه.

فى لحظات تمنيت لو أنى فنى تنظيم ليصبح حالى مثلهم وأمتلك ما يمتلكون، وسريعا أعود لصوابي مرددا أن المال الحرام إلى زوال حتما وعاقبته الندم والحسرة.

عزيزى فنى التنظيم سعادة الباشا تحياتى ....
---------------------
بقلم: عادل عبدالحفيظ