لاشك أن هذا العنوان سيثير شجونا وهموما عند الكثيرين .
فمن منا لا يحلم بالسلام الذي ينبغي أن يسود العالم، من منا لا يمقت الحروب الطاحنة الدائرة هنا وهناك التي لا تبقي ولا تذر، التي تأتي علي الأخضر واليابس والتي لا نجني من ورائها إلا الويلات ، من منا لا يريد أن يعم الخير والعدل الجميع ، من منا لا يحلم أن يأتي يوما يكون العالم كله ، قلبه علي قلب بعضه كالجسد وكالنسيج الواحد إذا اشتكي أحد أعضائه يهتم بشكايته وبأوجاعه سائر الأعضاء.
من منا لا يريد الطمأنينة والراحة وهدوء البال. دوما ما نجلس أمام شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي نري ونسمع حربا هنا وأخرى هناك، أطفال تشرد وتيتم، شيوخ وعجائز تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، أمهات ثكلي حزنهم يقطع الأكباد ، شباب ، صبيان، نساء أرامل ، أطفال يبكون ويقولون سنشكوكم إلي الله ونخبر الله عما فعلتم بنا.
بأي ذنوب قتل هؤلاء.
مخيمات للاجئين تغرقهم الأمطار لا يجدون ما يدفؤهم اللهم إلا بعض الخرق البالية يشعلوها.
آمنون تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم ويصبحون جثثا تحت الأنقاض.
السلام اسم من أسماء الله تعالي فدعوة الله السلام وتحية الله السلام، وجميع الأديان السماوية دعوتها السلام، فالسلام طريق للحب والمودة والعطف، فلم لا نلبي دعوة الإله ونعيش وننعم بالسلام؟!
لماذا لا نضع أيدينا في أيدي بعضنا البعض لنحقق السلام، هل هذا صعب التحقق؟
في اعتقادي وإيماني أنه ليس صعبا ، كيف لا يكون صعبا ، ننزع الحقد والغل والحسد والضغينة من قلوبنا ونحب بعضنا البعض ويرحم صغيرنا كبيرنا ويعطف كبيرنا علي صغيرنا هذا علي المستوي الفردي، والفرد بدوره عضو فاعل في مجتمعه ، فلماذا لا يحاول أن يطبق هذه المعطيات علي واقعه، يطرح الأنانية جانبا ولا يكون ذئبا لأخيه الإنسان ويحيي قيم المواطنة فالجميع مواطنون من الدرجة الأولي ويترك الطبقية والعنصرية، فالجميع لآدم وآدم من تراب، والجميع متساوون في الحقوق وكذلك في الواجبات فلا داعي لهذه العنصرية البغيضة.
نعامل الإنسانية جميعا ممثلة في شخوصنا ، لا نغتصب حقوق الآخرين ، لا نحتل ونأخذ أرضا ليستفيد من حقنا ، لا نجرب كل ترسانات الأسلحة الحديثة على العزل الذين ليس لهم حول ولا قوة إلا بالله.
أما علي مستوي الدول أو علي الصعيد الدولي دوما ما نسمع مصطلح السلام الشامل ، السلام العادل ، مصطلح جميل ونحب أن نسمعه، لكن هل من الممكن تحقيقه أم هي عبارات رنانة تأخذ العقول وتذوب لها الأذان حين سماعها، نريد سلاما حقيقيا لا استسلاما، سلام تكافؤ القوي وتوازنها لا سلام تفرضه الدول الكبري علي الصغري ، جلوس علي طاولات مفاوضات والكبير يملي املاءاته علي الصغير، قبيح أن نطلق علي ذلك سلاما.
أري ويرى كل ذلك عقل رشيد أنه استسلام ومن يرعي ذلك فهو يضيع وقته لأنه بالحتمية والضرورة المنطقية سيكون سلاما هشا.
إذا أردنا سلاما حقيقيا لابد أن تطرح الدول أو ما تسمي بالدول العظمي، هيمنتها الإقتصادية والسياسية والعسكرية، تطرح ذلك أرضا وتوظف تلك الطاقات لرعاية وتحقيق السلام للجميع.
منذ بدء الخليقة وصراع مستمر بين الخير والشر هابيل وقابيل أحدهما يحمل بيده السلام والآخر يحمل بيده الشر، لكن ما استمر شر أبد الآباد، والغلبة في نهاية حلبة الصراعات ستكون لمن يحمل بيده أغصان الزيتون، ويحمل بشارات الأنبياء الذين كانت دعواتهم للسلام فها هو عيسي المسيح عليه السلام دعوته في مواعظه علي الجبل وترانيمه تحمل السلام، الله محبة والمحبة سلام، وها هو محمد صلى الله عليه وسلم راياته السلام وبشاراته السلام وتحيته السلام، وها هو موسي حينما يخاطب فرعون يقول له قولا لينا واللين سلام، لين الجانب سلام وليس استسلاما.
وإذا ما تطرقنا إلي هذا المفهوم قديما فدعوة الفلاسفة، منذ الفلاسفة الطبيعيين الأوائل إلي كانط فيلسوف العصر الحديث دعواتهم سلام ، وأذكر علي سبيل المثال الفيلسوف الرواقي زينون الرواقي ودعوته لانشاء المدينة العالمية ودعوته إلي وحدة الجنس البشري لأن الكون كله يخضع لإله واحد ويحكمه قانون واحد هو قانون العقل الذي بدوره يدعو إلي المحبة لأن المحبة من الإيمان وإذا ما تحققت المحبة سيتحقق السلام .
وكذلك ما ذكره إيمانويل كانط في كتابه المشروع الدائم للسلام العالمي ودعوته إلي إقامة مدينة عالمية تسودها الطمأنينة والهدوء، ومن قبله الفيلسوف الإسباني ريموند لول الذي تحدث عن السلام ومن قبلهما الفارابي في المدينة الفاضلة وكذلك ابن رشد ، وأيضا مصلحو العصر جميعهم دعواتهم إلي تحقيق السلام الشامل العادل الذي ينعم به الجميع، فهل هذا صعب التحقق، هل هذا صعب المنال.
يا سادة نفتش في أنفسنا جيدا ونطرح هذه الأفكار علي عقولنا ونستفتها ثم نعرضها علي قلوبنا وعلي فطرنا الخيرة التي فطرنا الله تعالي عليها، فالإنسان مفطور علي الخير وحب السلام وكراهية الشرور.
---------------------------------
بقلم: د. عادل القليعي *
* أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان