23 - 05 - 2025

عبدالغني عجاج يتذكر أيام النصر ويكتب: لماذا انتصرنا في أكتوبر؟!

عبدالغني عجاج يتذكر أيام النصر ويكتب: لماذا انتصرنا في أكتوبر؟!

ساعات ونحتفل باليوبيل الذهبى لأعظم انتصار حققه شعب مصر وجيش مصر....علينا أن نتوقف كثيرا بالدرس والتحليل أمام دروس أكتوبر لعلها تساعدنا فى علاج مشكلات الحاضر والاستعداد للمستقبل.. وعلينا أن ندرس بعناية وإخلاص لماذا انتصرنا في أكتوبر ١٩٧٣؟!

بالطبع أنا لست مؤهلا للإجابة الشافية على هذا السؤال، فأنا لست من خبراء العسكرية ولست من خبراء الاستراتيجية.. صحيح أفخر بأننى خدمت فى القوات المسلحة كجندي مجند مؤهلات عليا ورقيت لدرجة عريف وأفخر بأن القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية وقتها كان أحد المخططين العظام لحرب أكتوبر وهو الجندي النحيف المخيف المشير محمد عبدالغني الجمسي، كما أفخر بأن قائدي فى لواء المدفعية الذى خدمت به كان أحد المدفعجية الذين دكوا الحصون الإسرائيلية وهو العميد (اللواء بعد ذلك) وجيه رياض رزق.. ولذلك فما سأقوله عن أسباب انتصارنا فى أكتوبر مجرد اجتهادات مواطن عاش الانكسار فى ٥ يونيو ١٩٦٧ وعاش الانتصار والزهو فى أكتوبر ١٩٧٣

أول أسباب انتصارنا فى أكتوبر اعترافنا بأننا كنا أهم أسباب النكسة فى ١٩٦٧ بتقصيرنا وتراخينا.. درسنا أسباب الهزيمة المرة وصممنا وعقدنا العزم على علاجها.. نجحنا نجاحا مبهرا فى تجنيد الشعب والجيش خلف هدف واحد وهو استعادة الأرض واستعادة الكرامة والثأر من العدو.

تفرغ جيشنا العظيم لمهمته الأساسية وهى الدفاع عن الأرض ومواجهة العدو، بذل الجهد والعرق فى تدريبات بالغة الجدية والمهنية، وبدأت الحرب وكل ضابط وصف ضابط وجندي يعرف تماما مهمته، ويعرف تماما كيف يتعامل مع المشكلات والصعاب التى يمكن أن تقابله.

اتبعنا الأسلوب العلمى فى التخطيط للمعركة.. تم الاستعانة بالخبراء والمتخصصين كل فى مجاله.. ساعة الصفر كمثال تقدم دلالة واضحة على احترام العلم واحترام آراء أهل الخبرة واحترام دراسات الجدوي، وتبرهن على عظمة العقل المصري إذا ما أتيحت له الفرصة للاجتهاد والابتكار.

انتصرنا لأن الشعب وقف بكل قوة فى ظهر أبنائه جنودا وضباط صف وضباط القوات المسلحة.. لم يقصر عامل فى الإنتاج، وفرت مصانع قها وإدفينا الجزء الأكبر من طعام جيشنا طوال الحرب، الفلاحون أخلصوا فى زراعة الأرض ورعايتها، الكل آباء وأمهات وأبناء وبنات وزوجات تحملوا غياب أبنائهم المجندين لسنوات، الكل شعر بالفخر عندما وصله نبأ استشهاد ابن أو قريب، حتى اللصوص والمنحرفين استجابوا للتحدي ووقفوا بجوار الوطن، فدفاتر أحوال مراكز وأقسام الشرطة لم تسجل وقوع أي سرقات أو مشاجرات أو حوادث خلال الأيام الأولى للمعركة.

التحام الشعب مع الجيش كان من أسباب النصر، والسويس شاهدة على هذا الالتحام وشاهدة على كسر الغرور والصلف الإسرائيلى.. فى السويس تحول الشيخ حافظ سلامة إلى جندي مجند يقود المقاومة الشعبية فى التصدي للقوات الاسرائيلية ونجح مع جنودنا وضباطنا فى دحر العدوان.

انتصرنا فى أكتوبر ١٩٧٣ لأننا نجحنا فى خداع العدو وتحقيق المفاجأة الكاملة، انتصرنا لأننا توكلنا على الله حق توكله بعد أن أخذنا بالأسباب ودرسنا وخططنا واحترمنا كل الآراء، انتصرنا لأن خطة الحرب كانت على قدر إمكانياتنا، انتصرنا لأن القادة وقفوا فى الصفوف الأولى مع جنودهم وضباطهم، انتصرنا لأن الكل كان يفكر فى شيء واحد هو تحرير الأرض واستعادة الكرامة والنصر أو الشهادة.. لم يفكر أحد وقتها فى الفوز بمنصب أو تكوين ثروة أو الحياة فى قصر، انتصرنا لأن الكل كان يقول من داخله مخلصا: نموت نموت وتحيا مصر.
---------------------------------------

حارة السقايين تمحو جراح كبوة 67 بالنصر

لا أنسى صوت الأذان الحزين وهو ينطلق من جوامع المدبولى وأبو طبل والصحابى والحنفى والشيخ صالح .. ولا أنسى أجراس كنيسة الملاك غبريال وهى تنتحب حزنا، عندما افاقت حارة السقايين ودروبها على نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧ عندما هزم جيشنا فى حرب لم يخضها.. ولا أنسى عم جمعة الذى كان يدخل الحارة كل صباح بعربة يد عليها قدرة فول وقدرة بليلة ويبدأ بنداء يا فتاح ياعليم يا رزاق يا كريم... أحس عم جمعة أن الناس أحجمت عن شراء الفول والبليلة كالمعتاد، بعد أن أصيبت بسدة نفس وفقدان الشهية نتيجة لما حدث.. صاح عم جمعة بكرة هننتصر إن شاء الله كلوا وأكلوا أولادكم الذين سيحررون الأرض.. فى أول يوليو ١٩٦٧ عادت بعض الفرحة لصوت الأذان وصوت أجراس الكنيسة بعد ما جاءت الأخبار "نجحت فصيلة من قوات الصاعقة المصرية فى صد هجوم إسرائيلى استهدف احتلال بور فؤاد شرق القناة" .. أعطتنا معركة رأس العش الأمل والثقة فى أن مصر قد تكبو لكنها سرعان ما تنهض.

عاشت حارة السقايين بكل حواسها مع يوميات حرب الاستنزاف خاصة وأن الكثير من ابنائها يخدمون على الجبهة.. صلاح الأيم (اشتهر بهذا اللقب لأناقته المفرطة وهو يرتدي بدلة الصاعقة المموهة وأيضا وهو يرتدي الملابس المدنية) صف الضابط فى قوات الصاعقة، وفوزي سليمان بطل مصر وأفريقيا فى الملاكمة وأحد ضباط الصاعقة وأحد الابطال الذين دافعوا عن جزيرة شدوان.. وعبدالمحسن إدريس وأخيه محيى ادريس، ومحمد سامي (مخرج الاعلانات الشهير بعد ذلك) وشقيقه ضابط المدرعات يسري سامى، والفنان التشكيلى أحمد نجم، وفني الكهرباء سمير طلبة عياد وحسنى جندي الصاعقة، ولطفى جمال جندي الشرطة العسكرية وكامل عامر جندي المشاة.. طوال حرب الاستنزاف كانت الحارة تستقبل هؤلاء الأبطال وتودعهم بالدعوات بأن ينصرهم الله ويحفظهم.

احمد نجم مع زميله عبدالباسط والرائد نبيه عبدالسميع

ولا انسى خروج حارة السقايين ودروبها درب الحمام ودرب المواهى والزير المعلق عن بكرة أبيها لتوديع جمال عبدالناصر إلى مثواه الأخير، وأكاد أجزم أن نداء الوداع ياجمال يا حبيب الملايين خرج من عابدين. وكذا هتاف فى ٩ و١٠ رجعناك وفى ليلة الاسراء ودعناك.. ودعت الحارة من قال ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.. وقال لا صوت يعلو على صوت المعركة وخاض حرب الاستنزاف التى مهدت لحرب أكتوبر العظيمة.

مع عبور قواتنا المسلحة قناة السويس ومع توالى البيانات العسكرية التى أدخلت الفرحة لقلوب كل المصريين ومن بينهم أهالى حارة السقايين وعابدين ، عادت أصوات المؤذنين ترفع الأذان بمقام النهاوند تعبيرا عن الفرحة والفخر، وعادت أصوات أجراس كنيسة الملاك غبريال فرحة مستبشرة وكأنها تنطق: عبرنا....عبرنا...عبرنا. وعاد صوت عم جلال أشهر بائع صحف فى عابدين يجلجل فرحا وهو يشدو بمانشيتات الصحف التى تنقل أخبار جنودنا وضباطنا فى جبهة القتال وعلى أرض سيناء.

كل أبناء الحارة أحاطوا العائلات التى لها أولاد فى الجبهة بكل الحب والرعاية. عم إبراهيم وأخيه ممدوح أصحاب أشهر بقالة فى حارة السقايين مدوا أجل سداد النوتة (كانت معظم عائلات الحارة تعتمد على النوتة لشراء احتياجاتها بالأجل مع السداد أول الشهر عند قبض المرتبات) وأعلنوا استعدادهم لتوفير احتياجات كل أبناء الحارة.. وأشهد أنه طوال الحرب لم يحدث أي تكالب على أي سلعة ولم تحدث أية أزمة تموينية، وكان كل أهل الحارة عائلة واحدة وكما نقول المليان يكب على الفاضي.

مع تطورات الحرب عاشت الحارة نوعا من القلق على أبنائها فى الجبهة، حتى توالت الأخبار صلاح الأيم وفوزي سليمان وحسنى أبطال الصاعقة بخير .. ولطفى جمال عاد فخورا وهو يحكى عن قيامه بأسر ضابط إسرائيلى وبعدها عاد بالسلامة عبدالمحسن وأخيه محيى وتم الاطمئنان على سلامة محمد سامى وأخيه بطل المدرعات يسري سامى، وكذلك كامل عامر.. وكانت الفرحة الكبري مع عودة السميرين وهما أحمد نجم الشهير بسمير وسمير طلبة عياد إلى الحارة بعد أن أصيبا أثناء المعارك بحروق فى الذراعين.

عبدالمحسن ادريس احد ابناء وابطال السقايين شارك فى حرب اليمن وحرب ١٩٦٧ وحرب الاستنزاف وحرب اكتوبر

وزع أبناء الحارة الشربات فرحا بعودتهما وقدموا التهنئة للحاجة نبوية والدة أحمد نجم وللمقدسة أم وديع والدة سمير عياد.. وكان أكثر أبناء الحارة فرحا بعودتهما أصدقائهم من أفراد (شلتهم) حسن ذكى وسعيد جمال، وأخى ضابط الشرطة عبدالسلام عجاج والذى كان مكلفا أثناء الحرب بتأمين المنشآت الحيوية فى بنى سويف والحفاظ على حياة الأسري من الطيارين الاسرائيليين.. وما زلت أتذكر ملامح الفخر والزهو على وجه أخى عبدالسلام وهو يزور مع مجموعة من رجال الشرطة نقطة حصينة من نقاط خط بارليف بعد أن استولى عليها جيشنا.

ولعل القارئ يتساءل ولماذا التركيز على حارة السقايين؟! حارة السقايين شاركت فى صنع نصر اكتوبر مثل كل حارات وشوارع ومدن وقري ونجوع مصر، فلا توجد حارة مصرية لم تشارك ببطل أو أكثر فى الحرب، وقدمت شهيدا أو أكثر، ولا توجد قرية مصرية تخلو مدارسها من اسم شهيد من شهداء حرب الاستنزاف أو حرب أكتوبر.. بالصدفة قريتى سندبسط زفتي غربية إحدي مدارسها تحمل اسم ابن عمى الشهيد الحسينى محمد عجاج، وهو أحد شهداء سلاح الطيران.. فى سندبسط تأكدت أننا سنحارب وسننتصر من خلال متابعتى لتدريبات ومناورات القوات الجوية فى سماء سندبسط وزفتى وميت غمر (على مقربة منها قاعدة المنصورة الجوية) حيث أعتلى سطح منزل جدي لأتابع الطائرات التى تطير على ارتفاع منخفض، وكنت أقدم التحية للطيارين وأشعر بأنهم يردون لى التحية.


اللواء عبدالسلام عجاج وقادة القاعدة الجوية فى الاقصر

في أثناء حرب أكتوبر، كانت الأنباء السعيدة تصلنا حارة السقايين من سندبسط بواسطة أخى الكبير عبدالحكيم رحمه الله موظف الأحوال المدنية، والذي خلع ملابسه المدنية وارتدي الزي العسكري متطوعا فى المقاومة الشعبية (كان من أوائل من انتقلوا للعمل فى سيناء بناء على طلبه وإلحاحه وذلك بعد فصل القوات الأول وذلك بناء على طلبه) طمأننا على ابن خالى صلاح غانم بطل الصاعقة وهو من أوائل من عبروا القناة وابن خالى فتوح غانم الذى تخصص فى رسم الخرائط العسكرية والمساحة.

تلك بعض المشاهد والذكريات الأكتوبرية التى كانت ومازالت وستظل تسكن أفق خيالي.

اللواء عبدالسلام عجاج(ملازم اول وقت حرب اكتوبر شرطة مركز ناصر بنى سويف)


العميد فوزي سليمان بطل قوات الصاعقة وبطل مصر فى الملاكمة(حى يرزق يبلغ من العمر ٨٤ عاما ربنا يمتعه بالصحة ويحفظه)


صورة البطل احمد نجم ابن حارة السقايين


كنيسة الملاك غبريال رئيس الملائكة فى حارة السقايين
-----------------------------------------------

معزوفة عمل جماعي .. أفكار ساهمت فى نصر أكتوبر

إحدي جوانب عظمة قادة حرب أكتوبر أنهم استقبلوا كل الأفكار بصدر رحب سواء جاءت من ضابط كبير أو صف ضابط أو جندي مجند أو حتى مواطن مدني... لم يحجروا على صاحب رأى واستمعوا له بانصات واهتمام ودرسوا رأيه وفكرته ومدي إمكانية تنفيذها والاستفادة منها.

من المؤكد أن انتشار جنود على شط قناة السويس يقومون بمص قصب السكر كانت فكرة أحد الضباط أو الجنود وتم الأخذ بها وساهمت بنصيب وافر فى خداع إسرائيل وجعلها على قناعة تامة أن مثل هؤلاء الجنود الكسالى لن يحاربوا ولو بعد مئة عام.

ولعل أوضح نموذج على مساهمة الأفكار والمبادرات فى صنع نصر أكتوبر ما طرحه المقدم مهندس (اللواء فيما بعد) باقى ذكى يوسف عن كيفية إهالة الساتر الترابى الذى أقامته إسرائيل كخط دفاع أول للنقاط الحصينة فى خط بارليف.. المقدم باقى ذكى يوسف طرح على قادته ما تعلمه أثناء مشاركته فى بناء السد العالى باستخدام مضخات ومدافع المياه لإهالة الساتر الترابى وفتح ثغرات فيه بسرعة كبيرة.. تلقف القادة الفكرة وتمت تجربتها واختبارها عشرات المرات وفى سرية تامة جري شراء مضخات ومدافع مياه بحجة استخدامها فى مشاريع زراعية واستخدامها لإطفاء الحرائق.

وكمثال واضح أيضا على ترحيب أعلى مستويات القيادة بالأفكار التى ساهمت فى تحقيق النصر ما طرحه المساعد صف ضابط أحمد إدريس (صول نوبى) باستخدام اللهجة النوبية فى الاتصالات كشفرة عجزت إسرائيل بكل ترسانتها التكنولوجية وبكل مساعدات الأقمار الصناعية الأمريكية لها عن حل رموزها... قادة الصول إدريس استمعوا للفكرة ورفعوها إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس محمد أنور السادات، والذى استقبل الصول أحمد إدريس واستمع اليه وأخذ عليه موثقا بأن تظل فكرته سرا لا يطرحها على أحد ولو على أهل بيته، كما كلفه بتشكيل فريق من الجنود الذين يجيدون اللهجة النوبية والاتفاق على المصطلحات أو الشفرات التى سيتم استخدامها أثناء المعارك.

تلك الأفكار ساهمت بنصيب وافر فى صنع النصر فى حرب أكتوبر والدرس المستفاد عدم الحجر على أية أفكار أو السخرية منها، فلا بأس من الاستماع لأي فكرة ودراسة امكانية الاستفادة منها. فتعدد الافكار والرؤي أكثر فائدة من احتكار شخص واحد مهما كانت قدراته وإمكانياته التفكير وطرح الرؤي.
--------------------------------------

عيسى وأفيخاى ومصنع الكراسي

أما عيسى فهو عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومؤلف كتاب المدخل لعلم السياسة - مشاركة مع دكتور بطرس غالى - محمود خيري عيسى الذي اشتهر بأناقته ومنافسته الطلاب فى مسايرة الموضة وارتداء ألوان السبعينيات المبهرة (عبر عنها فيلم شهير وسمير وبهير) كما اشتهر ببساطته وخفة ظله حتى أنه وهو يستقبل الطلاب الجدد فى حفل التعارف قال: ياولاد هاقول لكم نكتة.. جولدا رئيسة وزراء اسرائيل تعبت وارتفعت درجة حرارتها واستدعوا لها الطبيب وبعد الكشف عليها قال: جولدا سنضطر لإعطائك حقنة فى العضل فى المقعدة.. جولدا هل تودي أخذ الحقنة فى الضفة الشرقية او الضفة الغربية أو تأخذيها في الثغرة.. اهتز المدرج رقم ١ من ضحكنا.

ولعل نكتة أستاذنا الدكتور محمود خيري عيسى كانت أبلغ رد على مسئولى إسرائيل الذين يروجون فى كل عام الأكاذيب والمزاعم والتخرصات عن انتصارهم فى حرب أكتوبر.. ويصدرون المتحدث العسكري أفيخاى أدرعى للحديث بلغة عربية عن انتصار (جيش الدفاع الاسرائيلى) فى حرب أكتوبر

رواد وسائل التواصل الاجتماعى أشبعوا أفيخاى أدرعى سخرية.. غير أننى لا أنسى تعليق أحد الظرفاء: يا أفيخاى .. لا تنس أننا في أكتوبر ١٩٧٣ أخذناكم وراء مصنع الكراسي.

وما وراء مصنع الكراسى تعبير مصري انتقل من امبابة، حيث المصنع المهجور الذى أصبح مرتبطا بالأعمال الإجرامية والمنافية للآداب إلى العالمية، حيث غرد فريق بايرن ميونيخ بعد فوزه الساحق على منافسه بروسيا دروتموند: أخذناكم وراء مصنع الكراسي (بايرن ميونيخ اخذ التعبير من مشجع أهلاوي تمنى أن يأخذ الاهلى فريق البايرن وراء مصنع الكراسي)

المنصفون من قادة إسرائيل وخبراء الأكاديميات العسكرية الكبري فى العالم، يعتبرون ما قامت به القوات المصرية فى أكتوبر ١٩٧٣ فعلا فاضحا، فعلا فضح أكذوبة الجيش الذي لا يقهر، وفضح أكذوبة خط بارليف الذى لا تستطيع حتى القنابل الذرية تدميره، وفضح أكذوبة ذراع اسرائيل الطولى والتى بترها نسورنا وأبطال دفاعنا الجوي.
-----------------------------------------

وجوه من الحرب: نصار وأبناء سيناء 

هو أحد قامات مصر ورجالاتها العظام.. تولى رئاسة المخابرات الحربية والمخابرات العامة، يمكننا وبدون أي مبالغة أن نطلق عليه لقب (الزاهد) وكيف لا؟ وهو تولى وظيفة المحافظ لثلاث محافظات هى البحر الاحمر وسيناء (قبل تقسيمها الى شمال سيناء وجنوب سيناء) ومرسى مطروح، ولم يسمح لنفسه ولا لأحد من أولاده أو عائلته بامتلاك شبر واحد من أراضى هذه المحافظات الغنية بإمكانياتها السياحية الرائعة.

إنه اللواء أركان حرب فؤاد نصار الذى كلفه الرئيس محمد أنور السادات - رحمة الله عليهما - بقيادة المخابرات الحربية عام ١٩٧٢ استعدادا للثأر واستعدادا لمعركة استعادة الارض واستعادة الكرامة.

كانت مهمة فؤاد نصار الأساسية كقائد للمخابرات الحربية والاستطلاع معرفة كل شيء عن إسرائيل ومعرفة أدق التفاصيل عن قواتها وأوضاعها ومدي استعدادها، ومعرفة أدق التفاصيل عن قوات الاحتياط الإسرائيلية، وكم يلزم من وقت لاستدعائها وتكون جاهزة للقتال.. باختصار كانت مهمة نصار إحاطة قادة القوات المسلحة كل فى تخصصه بأدق التفاصيل عن العدو الذى يواجهه.

المهمة الأكبر التى وضعها فؤاد نصار نصب عينه، كيف نخدع إسرائيل ونخفى عنها أننا سنحارب، وباختصار كيف نفاجيء إسرائيل ببدء الحرب وعبور قناة السويس قبل أن تتمكن من استدعاء قوات الاحتياط عماد الجيش الإسرائيلى.

نجح اللواء فؤاد نصار فى زرع رجاله من ضباط وضباط صف وجنود في سيناء، ودربهم على رصد القوات الإسرائيلية.. كما نجح فى تحويل أبناء سيناء الأبطال إلى رادارات بشرية ترصد كل تحركات وسكنات القوات الإسرائيلية، وتقدم العون والمعلومات لرجال الاستطلاع من ضباط وجنود الجيش المصري الذين زرعهم نصار خلف خطوط العدو.

كما نجح نصار والمجموعة ٣٩ قتال بقيادة الشهيد البطل إبراهيم الرفاعى فى تنفيذ العديد من العمليات الناجحة ضد القوات الإسرائيلية فى سيناء وأسر بعض جنودهم، بل والحصول على أسلحة إسرائيلية متطورة جدا.

تحية إلى روح اللواء أركان حرب فؤاد نصار أحد أبطال أكتوبر، الذي عاش فى الظل ولم يسع إلى تكريم أو منصب أو مكسب مادي أو معنوي، وتحية لأبناء سيناء الذين ساهموا بأوفى نصيب خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر وقدموا خدمات جليلة للجيش.. وتحية لروح الشيخ السيناوي سالم الهرش الذى خدع قادة إسرائيل وأحرجهم أمام العالم كله، عندما حاولوا إقناعه بإعلان سيناء دولة مستقلة عن مصر، وجمع موشى ديان وسائل الإعلام العالمية لتشهد الإعلان فى مؤتمر الحسنة.. ووقف الهرش ليصفع ديان بكلماته: سيناء مصرية وستظل مصر وباطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن لم نكن تحت قيادة جمال عبدالناصر.

رفض سالم الهرش ومعه كل أبناء سيناء الشرفاء إغراءات المحتل الإسرائيلى، والتى وصلت إلى وضع صورة الهرش على العملة السيناوية أو عملة دولة سيناء الجديدة.

مقدمات ووقائع حرب اكتوبر تقول أن أبناء سيناء يستحقون كل التكريم والرعاية والاهتمام، فهم عيوننا الساهرة المدافعة عن البوابة الشرقية.
--------------------------------------
بقلم: عبدالغني عجاج
من المشهد الأسبوعية



مقالات اخرى للكاتب

رئيس البرلمان العربي يكرم ولي عهد الفجيرة بجائزة يوم الاستدامة العربي