بداية تعرض ما كتب عن التجربة الحربية فى السرد تحديدا ﺇلى مقولات صادمة وللأسف راجت وتوارثتها الأقلام غير الفاحصة، وباتت تتجدد مع كل مناسبة وطنية. وأظن أنهم لا يدرون قدر خطورة تلك المقولات وبحسن نية يرددونها، مرة من باب الفصاحة النقدية، ومرة من باب التعالى على المتاح والمنتج، ومرة بيد خبيثة من أجل اخفاء منجز جيل كامل وربما أجيال عاشت تجربة وفلحت وحققت ما لم يتحقق منذ أن فتح صلاح الدين الأيوبى القدس ومنذ أن انتصر قطز والظاهر بيبرس على التتار؟!
قالوا أول ما قالوا: ﺇن ما كتب عن حرب أكتوبر أقل من قامة ﺇنتصار أكتوبر؟ ما يعنى أن ما أنتجته القريحة الإبداعية فى الفنون والآداب لا يتجاوز العمل الانفعالى البعيد عن الفنية الرفيعة. وهي مقولة غامضة وسوف أشير ﺇلى السرد وحده هنا، وغامضة لأنها لم تستوعب معنى التجربة الحربية ولا أن التجربة الحربية في أكتوبر 73 بدأت مع معركة رأس العش فى نهاية شهر يونيو شهر النكسة 67، وفيها كانت أول مواجهة مباشرة بين الجندي المصري والإسرائيلي. والراصد للأعمال الأولى التى صدرت خصوصا فى القصة القصيرة يتأكد أنها قصص معبرة عن رهافة فى الحس وطموح، وعلى الرغم من أنها كتبت بعد حزن وألم النكسة ﺇلا أنها خلت من الشعارات والصوت الزاعق (فى أغلبها) وهو ما لم يلاحظ مع قصص معارك العراق- إيران التي استمرت لثماني سنوات.
الشق الآخر للإجابة على السؤال الذي طرحته عليّ جريدة "المشهد"، وهو عدم فهم جوهر التجربة الحربية في أكتوبر 73 حيث أنها تقع على ثلاث مراحل، الأولى منذ النكسة حتى بدايات معارك 6 أكتوبر، ثم مرحلة المعارك من 6 أكتوبر حتى وقف إطلاق النار. ثم الفترة التالية للمعارك وأثر الحرب على الناس والبلاد. إن كل مرحلة لها ملامحها وخصوصيتها وبالتالى فنية القصة أو الرواية فيها مختلفة وقد رصدت ذلك فى أكثر من كتاب لي في تنظير أدب الحرب وأدب المقاومة.
وبناء عليه، لا توضع كل الأعمال في سلة واحدة فالمرحلة التالية للنكسة ثم فترة الاستنزاف، وبعدها فترة اللا حرب واللاسلم، ثم فترة الاستعداد للمعركة الحاسمة وهي الأعمال التى كانت تدعو للانتباه وللثأر مع رصد بعض بطولات أثناء حرب الأيام الستة، مثل رواية فؤاد حجازى "إنهم يضعون المتاريس" التى رصدت تجربة الأسر، وقد احتفظت ﺇدارة المتحف الحربي فى موسكو بتلك الرواية وبعدد من أوراق الكاتب التى هى أوراق شكائر الرمال وأوراق جرائد كتب عليها فؤاد مسودات روايته.
أما المرحلة التالية فهى مرحلة المعارك والتى يمكن رصدها من خلال بعض الكتابات الشعرية والقصص القصيرة، ويشرفنى أن أسجل هنا جهد مجلة "الشباب" التى كانت تباع بقرش صاغ واحد، وهي عبارة عن ملزمة مطوية، وقد نشرت فى أعداد اليومية حوالي 6 قصص قصيرة عبرت عن مشاعر وأحلام جندى يحارب خصوصا بعد وقف إطلاق النار أي بداية من أواخر شهر أكتوبر. وهناك روايات رصدت البطولات بفنية عالية، ولي منها رواية "السمان يهاجر شرقا".
أما المرحلة التالية للمعارك ولفترة ما يتم رصد ما حدث وبفنية أكثر وهو الأمر الذي يتوقف على حرفية وكفاءة المبدع نفسه. وتحضرني هنا رواية "مراعي القتل" لفتحي إمبابي والتي تابعت الجندي المصري الفلاح بعد الحرب، وقد تم تسريحه فلم يجد سوى الهروب "سلكاوي" إلى ليبيا ويحدث ما هو أشق وأصعب من الحرب ذاتها.
وبالعموم هناك نصوص رصدت البطولات وهي مطلوبة في ذاتها للأجيال القادمة وللتاريخ.. وهناك النصوص المتألمة والتى تحفز على المقاومة والثأر وبلا صوت زاعق فى أغلبها ومنها ما كتبة محمد الراوي ومصطفى نصر وقاسم مسعد عليوه والسيد نجم وغيرهم.. وتجىء النصوص ما بعد المعارك والتى تكتب حتى اليوم ومنها روايتى التى صدرت منذ ايام "حصار الحمام الأبيض".
فى الختام أقولها بملء فاه "أدب التجربة الحربية" لم يقرأ بجدية ونقدية حقيقية حتى الآن، ويجب أن ننسى مقولة أدب أكتوبر أقل من قامة أكتوبر.
--------------------------------------
بقلم: السيد نجم
من المشهد الأسبوعية