نحتفل هذه الأيام باليوبيل الذهبي لأول حرب في تاريخ الأمة تشهد حالة خاصة من التكاتف العربي من أجل الأمة كلها، لتصبح بالفعل مسار تغيير تاريخ في العالم وليس منطقة الشرق الأوسط فقط.
في الحرب الرابعة بين مصر وإسرائيل قبل 50 عامًا، كان من بين الأهم في المشهد هو حالة التكاتف العربي غير المسبوق، في تحقيق النصر، بوقوف 12 دولة عربية إلى جانب مصر وسوريا في حربهما ضد إسرائيل، لتظل تلك الحرب هي رمز الفخر والعزة للعرب جميعًا، وهو ما لم يشهده الصراع العربي الإسرائيلي على مدى تاريخه، ودعمت دول عربية الجيش المصري لهزيمة إسرائيل التي تحققت، وفتحت أبوابًا لمسارات جديدة في المنطقة، ودعوات لعلاقات جديدة.
لم يتخلف أحد عن دوره في حرب التحرير وكأن الجميع كان يقرأ المستقبل، وكان سلاح النفط أحد الأدوات المهمة في أكتوبر 1973، قامت الإمارات بقيادة مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بقطع النفط عن الدول التي تدعم إسرائيل وكان عامل ضغط قوي على الدول الأجنبية، كما قامت به السعودية بإطلاق حظر عربي على تصدير النفط يستهدف بلدان العالم بشكل عام وأمريكا وهولندا بشكل خاص لدعمهما إسرائيل، كما أنشأت جسرًا جويًا لإرسال 20 ألف جندي إلى الجبهة السورية، فيما قامت الكويت بإرسال 5 طائرات "هوكر هنتر" إلى مصر، كما بعثت طائرتي من طراز سي 130 هيركوليز لحمل الذخيرة.
وأرسلت العراق إلي مصر سربين من طائرات "هوكر هنتر" في إطار الإستعدادات لحرب النصر، وطلبت من الاتحاد السوفييتي شراء أسلحة وطائرات لإرسالها إلى مصر لمواجهة أية هجوم إسرائيلي عليها، وقدمت ليبيا مليار دولار مساعدات لشراء أسلحة خلال الحرب، وأغلقت اليمن مضيق باب المندب على إسرائيل.
والدليل على أنها حرب عربية مشاركة القوات الأردنية في الحرب على الجبهة السورية بإرسال ألوية مدرعة، والمشاركة في خداع المخابرات الإسرائيلية حيث تم رفع استعداد القوات الأردنية إلى الحالة القصوى يوم 6 أكتوبر 1973 مما أثار قلق إسرائيل ودفعها إلى إبقاء جزء من جيشها في إسرائيل للتصدي لأي هجوم محتمل على تل أبيب من الحدود الأردنية، وقامت قوات المقاومة الفلسطينية بشغل العدو عن المخابرات المصرية، بنصب الكمائن وزرع الألغام وشن الغارات.
وأرسل المغرب لواء مشاة إلى الجبهة السورية، وتم وضع اللواء المغربي في الجولان، كما أرسل المغرب قوات إضافية للقتال تشمل طائرات حربية ودبابات، فيما جاء الدور التونسي متمثلا في إرسال كتيبة مشاة إلى مصر قبل الحرب بخلاف 5 طائرات "هوكر هنتر".
وكانت السودان من أوائل الدول التي أعلنت دعمها الكامل لمصر حيث نظمت مؤتمر الخرطوم بعد نكسة 67 والذي تم الإعلان من خلاله عن ثلاثية "لا" وهي لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض، وأرسلت السودان فرقة مشاه علي الجبهة المصرية كما لم تتردد في نقل الكليات العسكرية المصرية إلي أراضيها.
وبعد خمسين عامًا جرت مياه كثيرة ومتغيرات أكثر في ملف العلاقات العربية الإسرائيلية، وتم التوقيع على العديد من إتفاقيات (السلام) أو (تطبيع) أو أي مسمى آخر بداية من "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل، وما تلى ذلك من إتفاقيات مع الأردن، والإمارات والبحرين، وعلاقات مع قطر وسلطنة عمان، والمغرب، وما يجري مع إتصالات حاليا مع السعودية، وما يدور مع السودان، ودول عربية أخرى.
ووصلنا لمرحلة تكاد تصل فيها إسرائيل إلى علاقات تطبيع مع مختلف الدول العربية، لتصبح أهم صديق، يتم الترويج له على أنه دولة سلام، بل وصل الأمر للمطالبة بأن تكون عضوا مراقبا في المنظمات الإقليمية، في الوقت الذي مازالت تحتل فيه إسرائيل الأراضي العربية في الجولان السوري، وتراجعت الأهمية النسبية للقضية الفسلطينية.
واللافت أن الإحتفالات العربية بنصر أكتوبر خصوصا مع مرور نصف قرن من التصر قد تراجعت، وربما عليها حظر، في وقت مازال أبطال حرب أكتوبر يروون ذكريات النصر.
ويبقى السؤال المهم .. كيف سيكون الموقف العربي إذا ما قامت حرب عريبة جديدة مع إسرائيل؟ .. هل سيعود التاريخ مرة أخرى لما جرى في 1973؟.. أم أن من دفع الثمن دمًا هو معيار الإجابة على السؤال..
رحم الله شهداءنا وظلت بلادنا تحتفل بأهم نصر في تاريخنا.
--------------------------------
بقلم: محمود الحضري