23 - 05 - 2025

أزمة الإنسان المعاصر في ظل عالم متغير

أزمة الإنسان المعاصر  في ظل عالم متغير

في خضم هذا العالم الذي يعج بالمتناقضات والمتغيرات ، عالم لا يثبت على وتيرة واحدة فتجد الشيئ وضده أو ونقيضه في مشهد واحد ، لا أقول باختلاف الصور وإنما نفس الصورة هي هي لصاحبها ، في دقائق أو أقل يتغير الحال مما يجعلك كمتلقي إما وإما ، إما أن تفقد الثقة في نفسك أو تفقد ثقتك في كل من حواليك فتؤثر الانزواء والانطواء.

لماذا ؟!

لأنه اختلط الحابل بالنابل ، الغث بالسمين ، الجيد بالردئ.

تشعر أن العالم بكل ما فيه على ما فيه ذرات غبار على سطح زجاج لا يثبت حتى أمام هزيز ريح ولو نسمة صيف خفيفة.

ما هذه النزعة التشاؤمية اليائسة وكأن العالم من حولنا لا يوجد به شيئ جميل ، لا يوجد فيه شيئ يستحق الحمد والمدح والثناء.

لا لا يمكن بحال من الأحوال أن أقول ذلك أو أكون متشائما ، ولكن هذا واقع نحياه حتى الشيئ الجميل تجده مختبئا تبحث عنه في ليلة ظلماء داخل كهف مظلم بشمعة ضؤها خافت.

أو كمن يحاول إن يلتقط إبرة حياكة وقعت على ممشاة سوداء أو رمادية يحاول أن يتحسسها بيده فيشعر بها مغروسة في يده.

أليس هذا واقعنا المعاصر الذي نحياه في عصر السموات المفتوحة وثورة الإنترنت والذكاء الاصطناعي وسيطرة الآلة على الإنسان وربما سيأتي يوم وأظنه قريبا ستصبح هي القائدة لنا والمسيطرة والمحركة لنا وهو ما أخبر عنه كارل ماركس من مئات السنين (فكرة الاغتراب)، وسيطرة الترسنة على الإنسان.

تعالوا معي نتعمق الفكرة من خلال عدة أبعاد:

البعد الأول: البعد الأخلاقي ، ألا تتفقون معي أو تختلفون ألم تتحول القيم الخلقية من الإطلاق إلى النسبية وفقا لقانون الصيرورة والتحول ، نضرب مثالا على ذلك أين فكرة الإيثار التي أخبرنا عنها الله تعالى، تحولت من الإيثار إلى الأثرة ، مصلحتي قبل كل شيئ (المصالح تتصالح)، هذه واحدة.

قس على ذلك التملق والمداهنة لأصحاب النفوذ والسلطة.

أيضا المحسوبية والوساطة التي تنسحق تحت أقدام أصحابها كل المواهب فلا مكان لأصحاب المواهب الحقيقية لماذا ؟! لأنه ليس له وساطة ، لأنه من الطبقة الكادحة غير المسموح لها بالمرور ، ليس لديهم جواز مرور ، وإذا ما مر في غفلة من الزمان وقت انشغال إياهم وتنبهوا له تشن عليه كل الحملات من أجل هدمه ، أليس هذا ما يحدث ؟!!!.

أما الثانية ما هذا الانحطاط الأخلاقي والتدني القيمي ، أليس الإعتداء على المقدسات والمعتقدات صورة مزرية للتدني القيمي ويكون ذلك على مرأى ومسمع الجميع بدعوى الحرية الشخصية ، هل حريتك يا من تمسك بالمصحف وتضرم به النيران وتؤذي مشاعر مليار وسبعمائة مليون مسلم أو يزيد ، هل هذه حرية والكل يتفرج.

الألفاظ الخارجة التي نسمعها في شوارعنا والشذوذ الجنسي وأعلام المثلية وارتكاب الفاحشة عيانا بيانا في وضح النهار ، والترويج للعري والايماءات الجنسية ومشاهد التحرش التي نشاهدها على شاشات التليفزيون والفضائيات.

والترويج للبلطجة ألم ينعكس ذلك على المتلقي المشاهد والنتيجة بلطجة ومخدرات ملأت شوارعنا.

البعد الثاني: البعد الإجتماعي وهو على عدة مستويات، المستوي الأول، الأسرة علاقة الزوج بزوجه، وعلاقتهما بالأبناء .

هل سألنا أنفسنا كم مرة جلسنا مع أزواجنا وجددنا مشاعرنا التي ستنعكس على تربيتنا لأبنائنا ، فما حال الأبناء عندما ينشأون في مكان مملوء بالأصوات المرتفعة والشجار على توزيع مهام الأب والأم وأنت عليك كذا وأنت عليك كذا في مصروفات البيت.

وإذا ما حدث خلاف في التوزيع ترتفع الأصوات.

هل جالسنا أولادنا واستمعنا إلى مشاكلهم دون نهرهم أو توبيخهم.

هل سألناهم عن حالهم وعلاقتهم بزملائهم ومن قبلها علاقتهم بالله تعالى.؟!

أما المستوى الثالث: فهو المستوى المجتمعي المحلي ، علاقاتنا مع الآخر ، جيراننا، زملائنا فى المدرسة ، فى الجامعة ، فى العمل ، هل وددناهم وسألنا عنهم ووصلناهم.

هل حققنا التكافل الإجتماعي الذي حثنا عليه الدين ، هل شعرنا بالفقير ، باليتيم ، بالمريض ، بالمسكين والمحتاج ، هل وقفنا مع المؤسسات الإجتماعية وساعدناهم قدر استطاعتنا.

هل قمنا بحملات توعية لغير المتعلمين ، هل تقدمنا للتطوع في مشروعات محو الأمية ؟!

هل قمنا بمتابعة نواب دوائرنا وتقييم ادائهم في دوراتهم البرلمانية ، هل تابعنا مشروعاتهم الخدمية.

ثم المستوى المجتمعي الإقليمي ، أمتنا العربية والإسلامية هل تابعنا أشقائنا العرب والمسلمين في قضاياهم ومشكلاتهم ، ألسنا أمة واحدة جسدها واحد لغتها واحدة ، جميعنا لنا أصدقاء في كل العالم العربي والإسلامي عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي ، ومعظمنا مشترك في مواقع ثقافية وعلمية ، فلماذا لا نوظف ذلك للنهوض بأمتنا العربية والإسلامية.

ثم المستوى المجتمعي الدولي ، العالم أصبح بمثابة قرية صغيرة بضغطة زر عبر الأقمار الاصطناعية يأتي العالم إلينا ونحن في أماكننا فلماذا يا من تجيدون أكثر من لغة من لغات العالم ، لماذا لا تسمعون العالم قضايانا المجتمعية ولماذا لا نسمعهم، ونحاول أن نقوم ما بهم من خلل ويقومون ما بنا من خلل أصابنا جراء التقليد الأعمى والتبعية البغيضة.

وللحديث بقية عن البعد السياسي ، والبعد الثقافي ، والبعد الإقتصادي ، والبعد الديني.
-------------------------
بقلم: د. عادل القليعي
أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان

مقالات اخرى للكاتب

ولا يزال وأد  الإنسانية مستمرا |