27 - 07 - 2024

مؤشرات | أمنيات الأزمات

مؤشرات | أمنيات الأزمات

مع الأزمات تتراجع أمنيات الناس، وينخفض سقف الطموحات، ويبدو أن الناس مع كثرة الأزمات أصبحوا يتعاملون مع أمورهم بأنها واقع والتعامل معه أمر تفرضه الظروف.

هذا ما تكشفه تعاملات المصريين في الشهور الأخيرة، وربما آخر عامين، مع أزماتهم المختلفة خصوصًا الإقتصادية والاجتماعية وفي قطاعات الخدمات، والإرتفاعات الجنونية في الأسعار، والتي لم تسلم منها سلعة، حتى مصروفات المدارس والجامعات والكتب الدراسية وخصوصًا الخارجية منها، وأزمة انقطاع التيار الكهربائي تحت شعار الحكومة "تخفيف الأحمال"، لتغطية العجز في الطاقة.

ومع كثافة الأزمات التي يواجهها هذا الشعب وعدم وجود أمل في تجاوز العديد منها، وفقدان أي ضوء في آخر النفق أو الأنفاق التي انحشر فيها الناس، تغيرت كل الطموحات إلى ما يمكن أن أطلق عليه بـ"أمنيات وطموحات الأزمات"، والتي تعني تراجع أي أمنيات وطموحات إلى ما دون مستوى الحياة الأدنى، وبدا هذا واضحًا في تعامل الناس مع ارتفاع الأسعار، من خلال سياسة استبعاد عدة سلع من على الموائد، فبدلًا من شراء الدواجن الكاملة، تراجع السقف إلى شراء أجزاء من "الدجاجة" مع إنتشار ظاهرة شراء "هياكل الدواجن"، والتي أصبح لها سعر بعدما كانت محلات الدواجن تتبرع بها.

ومن مظاهر الأزمات، إختفاء اللحوم الحمراء التي أصبحت رفاهية عالية جدًا من على موائد العديد من الأسر ، ولا يمكن لميزانية الأسر أن تتحملها، بل وصل الأمر وفقا لبحوث ميدانية وصحفية وإعلامية، أن التعامل مع الأزمات فرض على فئات عيدة من الشعب، تقليل طموحاتها وأمالها في شراء عشرات السلع التي أصبحت أسعارها لا تطاق ولا تتحملها فئات مختلفة.

قائمة السلع التي أصبحت من قوائم الرفاهية، لم تتوقف عند البروتينات، بل تعدت إلى الخضار والفاكهة، وما كان يُعرف بالمأكولات الشعبية، لأن إعدادها أصبح فائق التكاليف، ولا يختلف أحد بشأن  أن القائمة لم تستثن سلعة معينة، من أنواع الخضار.

في سوبر ماركت شهير سألت رئيس الشيفت عن ملاحظاته حول ثقافة الشراء للسلع العامة من المواد الغذائية بكل أنواعها، واختصر ملاحظته في "الناس خفضت مشترواتها إلى النصف والربع، وحجم الوارد لفرع السوبر ماركت انخفض خلال عام بنحو 40%، بما يعادل تراجع حجم الشراء.

من الواضح أن هذه الثقافة انعكاس لطموحات وأمال وأمنيات أفراد الشعب، التي تراجعت بقرار إجباري فرضته الأزمات الاقتصادية، وفقدان الأمل في أي حلول في الأفق على المدى القصير أو المتوسط والبعيد، وأصبح التعامل معها أمرا فرضته الضرورة.

لا يختلف الوضع في أي سوق أو محل بقالة أو سوبر ماركت أو هايبر ماركت، وأيضا في أسواق الجملة، فتراجع معدلات الشراء انعكست على مختلف تلك المنافذ، بفعل التراجع الذي طرأ على نفقات الناس لشراء احتياجاتهم اليومية، فالقيمة الشرائية للأموال انخفضت مقابل الحجم والكميات، فما كان يشتريه المستهلك بـ100 جنيه انخفض إلى أقل من الثلث تقريبًا، وهذا ينطبق على كل السلع والخدمات.

وإمتدت تداعيات الأزمات إلى إتساع ظاهرة "شراء المستعمل"، وبدا هذا في بحث الكثير من أولياء الأمور عن الكتب الدراسية المستعملة، والخارجية منها بصفة خاصة، بعدما تجازوت أسعارها أكثر من الضعف، وبرزت ظاهرة أخرى، تتمثل في بيع الدفاتر والكشاكيل والكراسات، التي يتم تجميعها من بواقي المستعمل منها، وإعادة تغليفها، وهذا في حد ذاته تراجع في سقف طموحات الناس وأبنائهم من الطلاب، فأمنيات وأمال فئات عديدة تراجعت بفعل الأزمات.

ومن ظواهر أمنيات الأزمات تعامل الناس مع انقطاع التيار الكهربائي، ففقدان الأمل في تجاوز الأزمة والتي سبق أن حددتها الحكومة بشهرين، إلا أنها كادت تنهي شهرها الثالث، ولا أحد يجيب على تساؤلات كل الناس، ووسائل الإعلام المختلفة. تراجعت طموحات الناس إلى ما دون العودة إلى طبيعتها، بدأ الناس يأملون في تغيير توقيتات انقطاع التيار الكهربائي، بما يتناسب ومتطلبات العام الدراسي، الذي انطلق فعليا في بعض المدارس وبعد أقل من أسبوع رسميًا في مختلف المدارس والجامعات.

سقف طموحات الناس يتسم حاليا بظاهرة الإبقاء على حال الأوضاع في الأسعار وتكاليف الخدمات، .. قد يكون هذا خطأ إجتماعي، لكن الفشل في تحقيق ما يطمح فيه الناس من متخذي القرار يفرض التعامل بحكم الواقع...

ولكن لكل شئ حد أقصى من الطاقة .. أيها السادة أدركوا ما يحيط بالمجتمع من أخطار.
------------------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | هل نسينا أن الفلاح بداية الأمن الغذائي؟!