25 - 05 - 2025

تاريخ مجيد لكلية الآداب

تاريخ مجيد لكلية الآداب

انتهيت من التهام كتاب الدكتور لويس عوض أوراق العمر .. سنوات التكوين وهو كتاب ثري يحكي فيه الدكتور لويس عوض جزءا هاما من حياته يندر ان يقتفي أحد الآن أثره. واهتممت بشكل خاص بحكاياته وذكرياته عن كلية آداب القاهرة من ١٩٣١الي ١٩٣٧ والمعارك التى احاطت بعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والأستاذ بقسم اللغة العربية وعميدها قبل أن يصبح وزيرا للتعليم ويطلق صيحته الأثيرة "التعليم كالماء والهواء". وكذلك معارك أساتذة الجامعة وطلابها وعميدها الدكتور أحمد لطفي السيد احتجاجا علي رفت طه حسين، ثم الاستقبال التاريخى من موقع تمثال نهضة مصر الخالي لطه حسين حيث حمله طلابه علي الاعناق . ودعوة طه حسين لطلاب الآداب للتصدى لغزوة متخلفة من بعض طلبة الحقوق احتجاجا ورفضا لتعلم الفتيات.

وطوال ٥٠ صفحة تقريبا من كتاب لويس عوض الثري (٦٢٥ صفحة تقريبا) يحكى لويس عوض بذاكرة حديدية، حيث كتب كتابه فى منتصف الثمانينات، عن زملائه واساتذته والمناهج الدراسية وعلاقات الحب المحدودة والمظاهرات ضد حكومات الأقلية وفرق القمصان الزرق والخضر وكشافة الاخوان، وكيف كانت الجامعة تموج بالوطنية والعمل السياسي مع وجود اقطاب الفكر والسياسة في الآداب اولا ثم كلية الحقوق مصنع السياسين . والكتاب يستحق عرضا مفصلا ولكنه لايغنى عن الاستمتاع بقراءته.

وبالنسبة لي فقد شعرت بالفخار للانتماء إلي ذات الكلية، واستعدت ذكريات مضي عليها أكثر من نصف قرن حيث التحقت بالآداب عام ١٩٧٠. وكان أول يوم لنا لتأبين الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حيث كل الفتيات باللون الأسود والحجاب كان نادرا. وكانت مصر تعيش وقع هزيمة ٦٧ الرهيبة علي نفوسنا، ففرضت القضية الوطنية نفسها علينا وانطلقت الحركة الطلابية يوما بعد يوم من ندوات للشعر والسياسة والثقافة وعروض للسينما ومسرحيات سياسية اساسا مثل "البعض ياكلونها والعة" والنص للكاتب الراحل نبيل بدران والإخراج للفنان الراحل كرم مطاوع والتمثيل للزملاء عنايات فريد ومحمد متولي وسامى صلاح وطه سكر وطلعت فهمى وحياة الشيمى ومخلص البحيري وميرفت عبد اللطيف والعبدلله كومبارس. وكان عرضا سياسيا بامتياز سخر من النظام الذي لايحارب، بقسوة بالغة وبكوميديا سوداء ومشاهده الآلاف من الطلاب.  

مجلات الحائط والأسابيع الثقافية والسياسية وحفلات الشيخ أمام واحمد فؤاد نجم وزين العابدين فؤاد زميلنا الأكبر الذي فتح لنا أبواب الشعر والسياسة وتنظيم الحملات الانتخابية حتى استطعنا أن نفوز بكل مقاعد مجلس اتحاد طلاب الآداب وكنت عضوا به وكان رئيسه الزميل محمد الشبه، وبعد إلقاء القبض عليه أصبحت أنا رئيس الاتحاد لتواصل معارك الدفاع عن زملائنا في السجون واستمرار الفعاليات الوطنية السياسية والثقافية وتأسيس أسرة مصر، وكان دينامو الأسرة إيمان السعدونى وإيمان حتاته وحلمى سالم والذي ولد شاعرا كبيرا ومجددا ومعه الشاعر رفعت سلام، واصدرا معا اول ديوان مشترك لهما، وقبل ذلك أصدر زين العابدين فؤاد أبو الحركة الطلابية من آداب الي قاعة جمال عبد الناصر ديوان "وش مصر" وأظن كان الاشتراك مقدما بعشرة قروش. ولاتنسي اسماء مثل عماد ابو غازى وسمير حسنى في دفع نشاط أسرة مصر إلي أن أصبحت اهم رافد للحركة الطلابية واليسار في مصر بعد ذلك وكذلك زميلي في قسم التاريخ صابر نايل.

وحتى المشاركة في أنشطة الرحلات والجوالة التى جمعت أجمل الأصدقاء. إضافة الي متابعة الأنشطة الفنية العامة، حتى كانت حفلات فرقة الموسيقي العربية في قاعة سيد درويش تكاد ان تكون حكرا علي طلبة آداب بفضل الصديق الجميل الراحل شوقي حبيب، وكان يقود مسيرتنا بالتذاكر التى كان يبعث موظفيه لحجزها ويوزعها علينا ولم ينتظر كثيرا الحصول علي ثمنها، وظل يستضيف الي وقت قريب كل يوم سبت في بيته زملاء الآداب في جلسة أسبوعية ضمت من جيله قاسم عبده قاسم وحسن توفيق الشاعر الساخر والذي أهدانى كتاب لويس عوض هذا ضمن إهداءاته الكثيرة لي وجاري من حوش قدم محمد عبدالله وعشرات الزملاء كانوا يتوافدون علي بيت شوقي حبيب الذي اشتهر بااسم شاى بحليب. ويواصل زميلنا الجميل هليل غالي الذي كان كاالمستشرقين ايام آداب رعاية واستضافة هذا التجمع الجميل والذي أضيف له أصدقاء جدد أضافوا بهجة وسعادة وطاقة إيجابية لهذه المجموعة مثل الدكتور محمد الشيمى والفنان عاطف لطفي والكاتبة الكبيرة مشيرة والصحفية آمال عويضة والأهم أبناء عدد من زملائنا الراحلين انضموا الي سهرات بيت هليل بحثا عن ذكريات ورائحة آبائهم العطرة والتى ترفرف علي هذه الجلسات الممتعة.

كلية الآداب كانت أجمل من اى مكان آخر في مصر ولذلك لم نتركها صيفا أو شتاء، ولم تكن مقاعد الدراسة قاصرة علي المناهج بل كانت قضايا الوطن حاضرة بقوة وانضم للحركة الطلابية الكثير من الاساتدة والمعيدين الدكتور محمد أنيس رئيس قسم تاريخ، والمعيد  وقتها الدكتور سيد العشماوي والأغلبية في قسم اللغة العربية الثوري حيث الدكاترة عبد المنعم تليمه وعبد المحسن طه بدر وأحمد مرسي رائد الاتحاد، وكانت لنا معه مشاغبات كثيرة والدكتور نصر حامد ابو زيد وأساتذه آخرين كثر شجعوا الحركة الطلابية وانضموا إليها فعليا. وكما فعل الدكتور لويس عوض في الكتابة عن زملائه وأساتذته أتمنى من أي من أصدقائنا أن يقوم بهذه المهمة.

تعرفنا في كلية الآداب على الكثير من الأفكار السياسية ، وخاصة الأفكار الماركسية وسط صعود حرب فيتنام والثورة في أميركا اللاتينية وصعود أسطورة جيفارا كرمز للثورة، وجلساتنا في المدينة الجامعية مع الصديق نحاس راضي واول تثقيف عن الدولة والثورة. أما الرحلات ومعسكرات الجوالة التى كان يقودها احمد عبد التواب وفايز اسماعيل وعاطف حسن وسامى حسان وسيد سرحان واحمد محمد احمد رزه وأمجد أنسي ومحمود أبو خطوة وعادل عبدالحميد ولا اذكر اسمه بالكامل للأسف وكلير فايز سركيس صديقتى الصعيدية ذات العيون الزرقاء وكانت تشبه الآن العروسة باربي، وعيشة محجوب وايمان ووفاء الصديق والفت ومحمد حاكم واميمة جسن وصفوت رستم ومجدي عبد الحافظ  ومجدي نجم، والذين نجحوا في رحلات اتوستوب تاريخية وصلوا بها الي فرنسا واستقر البعض فيها مثل صفوت ومجدي عبد الحافظ لبعض الوقت الان ، وصبحى سيد عبد العال رفيق رحلتنا التى لاتنسي لفرنسا بضيافة زميلنا الفرنسي جان بيير تيك الذي اعد رسالة عن ٢١ فبراير ٤٦ في التاريخ المصري.

الرحلات ومعسكرات الجوالة كانت فترات استراحة لنا بين المؤتمرات السياسية ومحلات الحائط وأدوات الشعر وجلسات النقاش علي كافتيريا اداب وفي المدينة الجامعية ومقاهي بين السرايات . والبعض منا قبض عليه من قاعة جمال عبد الناصر في يناير ٧٢ حيث الاعتصام التاريخى احتجاجا علي انتهاء عام الحسم دون حرب. وتكاثرت عمليات إلقاء القبض علي الطلاب طوال ٧٣ واذكر انني وكنت رئيسا للاتحاد قد ذهبت انا وصبحى عبد العال ومحمد اسماعيل الي مكتب الاستاذ ذكي مراد المحامى بناء علي توصية من زين والشبه كي يترافع عن الزملاء المحبوسبن . وجمعنا ١٠ جنيهات مقدم اتعاب ولما عرف زكى مراد ذلك اعاد لنا الجنيهات العشرة ومعها تبرع مماثل منه لنشتري اكل واحتياجات المحبوسين . وطلب منا جوابا رسميا من الاتحاد وجنيها واحدا لكي يكون معه توكيل رسمى . وبعد معركة غير مسبوقة في تاريخ اتحادات الكلبه  نجحنا  في انتزاع قرار من مجلس الاتحاد بتخصص ميزانية لعلها ١٠٠ جنية للدفاع عن زملائنا المحبوسين . وكانت اول تجربة لأن يقوم الاتحاد بدور نقابي، والأهم اننا نجحنا بعد مشاغبات مع رائد الاتحاد الدكتور أحمد مرسي في إقرار هذا المبدا . وأصبح الدكتور احمد صديقا قريبا لنا في جلسات السبت. 

  كذلك قصص الحب الرومانسية التى توجت بالزواج والأخرى التى ام تكتمل كثيرة، والذكريات التى جمعناها طوال اربع سنوات كثيرة.  والاحباطات التى نالت الكثيرين منا بعد ان خرجنا من الجامعة كمن طرد من الجنة شر طردة سيطرت. ومن حسن الحظ اننا ادخرنا الكثير من الذكريات الحلوة والصداقات الجميلة التي مانزال نستمتع بها الي اليوم حيث هؤلاء هم تحويشة العمر كما يقول دوما صديقي الجميل محمد الشبه والذي كان يقود مؤتمرات حاشدة في آداب تدعو للحرب الشعبية وتجنيد الطلبة فورا للذهاب الي الجبهة مختتما الخطب والبيانات الحماسية بجملة "كل الديموقراطية للوطن كل الحرية للشعب"
--------------------------------
بقلم: أحمد سيد حسن

مقالات اخرى للكاتب

تاريخ مجيد لكلية الآداب