09 - 05 - 2025

دعاء ويحيي .. وصراع الديوك !

دعاء ويحيي .. وصراع الديوك !

لله في خلقه شئون، يخلقُ الحيَّ من الميت، ويخلق الميت من الحي، ومن صُلب البدين السمين، يخلق النحيف والعكس بالعكس .

وعبد الرحمن شبل واحدٌ ممن زادهم الله بسطة في الجسم، صاحبها لينٌ في الطبع، واستقامة في السلوك .

أما عن تفانيه في خدمة الغير، فحدث ولاحرج، فتراه بمستشفي جامعة بنها مقرِ عمله فني أشعة شُعلةَ نشاط، لا يقر له قرار،  يذرع جنبات المستشفي جيئة وذهابا، يتلفت يَمنة ويسرة بحثا عن طالب خدمة من أبناء قريته أو غيرها، فيُسابق الريح في قضائها دون أن ينتظر من أحد جزاء ولا شكورا، ولا مدحا أو ثناء .. شعاره : ( افعل الخير للبشر، وانتظر الجزاء من رب البشر ) .

ورغم ضخامة بنيان عبد الرحمن إلا أنه خفيفُ الحركة، نشيطُ البدن - نمسك الخشب - حتي لا نحسُده، وحتي لا يلوح هو بأصابع يده الخمسة في وجوهنا ويقول : ( خمسة وخميسة ) مخافة الحسد !

وقد ساعده نشاطُه في أن يُمارس لعبة كرة القدم، فيلبس عَشية كل جمعة زيا رياضيا أخضر اللون، يُصارع فيه كرشُه قميصه، وينحشر نصفه السفلي في (شورت) يكاد ينفجر، فيظل عبد الرحمن طوال المباراة، يُعالج خروج الكرش من القميص، ويحاذر انفجار الشورت، فيجري خلف الكرة الهويني، غير مُكترث بتأمين مرماه، الذي يبتلع الهدف تلو الآخر، فيخرج دائما فريقه مهزوما بدستة ( أهداف) .

ولعبد الرحمن خلفيةٌ دينية، ساعدته في اختيار أسماء أبنائه، فسمي الأكبرَ زكريا والأصغر يحيي .

ولمن لا يعرف .. فيحيي هذا طفل صغير الرأس، قصير القامة، نحيف البدن، رجلاه كرجلي جَفرة، ولكنه( جن مصور )، لم يرث عن أبيه شيئا سوي شدة نشاطه، وخفة حركته، فيكون في أي مكان حلَّ به ونزل أشبه بنحلة لا تكف عن الطيران والزن .

اعتاد عبد الرحمن علي السهر خارج بيته كل ليلة، والتردد علي منتدي د. محمد علي معروف الترفيهي، كلما سمحت ظروفه، فاستاء من ذلك يحيي، فتعقبه علي حين غفلةٍ منه، وعرف مقر تردده، وما إن دخل عبد الرحمن المنتدي إلا وسبقه يحيي، ومن ساعتها صار كظله، أو في عقبه كلما فقده، وبمجرد أن يراه عبد الرحمن تفتر شفتاه عن ابتسامة يملؤها الغيظ والضجر، وبعدما آيس من الفرار منه، اعتاد أن يصحبه معه طوعا وكرها، فكانا حينما يسيران معا أشبه بالرقم ( ١٠ )، يمثل يحيي فيه الصفر، ويمثل أبوه الواحد، ولكن يحيي كان صفرا لا يُطاق؛ لأنه كلما حضر مع أبيه يُهيج أطفال بيت محمد علي، فيمتلئ مقر الاستجمام صراخا وضجيجا ببركة عمنا يحيي، ويزداد الأمر سوءا لو تشاجر مع الآنسة (دعاء) صغيرة د. محمد علي، وهي الأخري طفلة بسبعة ألسن، أو لسانٌ، طلعت له طفلة، وليس العكس أبدا، فرغم أنها دون الرابعة إلا أنها تُحكم زمام هيمنتها علي الأطفال، وليس لها غريمٌ سوي يحيي، وحينما يتشاجران يكونان كديكين (شمورت) دخلا معركة لا يخسر فيها سوي رواد الصالون .

في حفلة شواء ذرة واحتساء أقداح شاي ناضج علي (رَكية) الفحم، خرجنا إلي الحقل بعد منتصف الليل، فرارا من دعاء ويحيي، نعدُ نجوم السماء، وجلسنا نزدرد الذرة المشوي، الذي أشرف علي نضجه (العمري وعبد الرحمن وسيف)، ونحتسي الشاي فرحين بالهدوء، وكلما تذكرنا يحيي ودعاء نضرب أفواهنا بأكفنا، ونقول : اللهم اجعل كلامنا خفيف عليهم ..

من غواية الكتابة عن عيشة القرية وناسها الطيبين .
-------------------------
بقلم: صبري الموجي*
* مدير تحرير الأهرام


مقالات اخرى للكاتب

ثورة العميد!