09 - 05 - 2025

هموم وشجون الماء في أحدث كتب خالد عزب

هموم وشجون الماء في أحدث كتب خالد عزب

ما إن بدأتُ في تصفح كتاب "الماء في الحضارة الإسلامية"، للدكتور خالد عزب، الصادر مع عدد شهر يوليو 2023 من مجلة "العربية" السعودية، حتى استدعت ذاكرتي رواية "تغريبة القافر"، للكاتب العماني زهران القاسمي، والتي فازت بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)  في دورتها الـ 16. فهذه الرواية تعبر عن هموم بيئة عربية صحراوية ممتدة منذ القدم وإلى الآن بالرغم من التقدم التكنولوجي الهائل الذي بلغته البشرية في الوقت الراهن. أما الماء فيبدو طغيانه على المتن من مستهله إلى منتهاه من باب المبالغة التي يمكن اعتبارها عنصر جذب، بما أننا بصدد عمل فني، يريد أن يقول: "من الماء وإلى الماء نعود"، على غرار مقولة "من التراب وإلى التراب نعود". فهو سر الحياة وسر الموت أيضا في تلك البيئة التي يعتبر الماء بالنسبة لها أغلى من النفط والذهب. وبحسب القرآن الكريم خُلق من الماء كل شيء حي، ولا ينبغي أن ننسى أن الجنين نفسه يسبح في ماء.

ومن عنوان كتاب الدكتور خالد عزب، يمكن تلمس المشترك بينه وبين رواية زهران القاسمي، فضلا عن أن جزءا لا بأس به من متن الكتاب نفسه يشتمل على معلومات مهمة عن أفلاج سلطنة عمان ودورها في توفير أهم سبب لاستمرار الحياة. ولا يخفى في هذا الصدد ما يستدعيه الكتاب - على الرغم من طابعه التاريخي – من أزمات الماء في منطقتنا عموما وفي بلدنا بصفة خاصة بسبب غموض ما سيسببه سد النهضة الأثيوبي من نقص في حصتنا وكذلك حصة السودان من نهر النيل.

       

يعرض خالد عزب في هذا الكتاب لما قدمته الحضارة الإسلامية في قضايا المياه والمنشآت المائية، عبر العديد من المعطيات التي تقدم تراث الإسلام في التعاطي مع الماء، لذا فإننا – والكلام هنا للناشر - نزور هذا التراث عبر المصادر والوثائق والتراث المعماري الباقي إلى اليوم، خصوصا أن العرب ومنذ قديم الدهر قد رزقوا فراسة حاذقة يعرفون بها مكامن الماء في باطن الأرض ببعض الأمارات الدالة على وجوده، وبعده وقربه، سواء بشم التراب أو برائحة بعض النباتات فيه، أو بحركة حيوان مخصوص. ويسمي العلماءُ معرفتهم هذه بعلم "الريافة". ويسمى من يملك هذه الموهبة "النصّات". وهو "القنقن" (البصير بالماء تحت الأرض) من القن وهو التفقد بالبصر. ويقال لمن يقوم بالحفر وإنباط الماء "القنّاء". وكما عرفنا من رواية زهران القاسمي فإنه يسمى في سلطنة عمان بـ "القافر". تطورت هذه المعرفة الفطرية لدى العرب إبان تفجر ينابيع العلم في الإسلام وتبحر العلماء المسلمين فيه، وقامت الحضارة الإسلامية وعمرانها على أسسه وقواعده. ومن الكتب القديمة في استنباط المياه الخفية كتاب "علل المياه وكيفية استخراجها وإنباطها في الأرضين المجهولة" لأبي بكر أحمد بن علي المعروف بابن وحشية من أهل المئة الثالثة الهجرية وأدرك المئة الرابعة، كما ورد في كتاب خالد عزب. وضع الكندي المتوفى نحو سنة 260 هـ شرحا على كتاب "في وقود المياه"، أي جرها، لفنيلون البيزنطي. والكندي يرجع إليه الفضل كذلك في اكتشاف الدورة الهيدرولوجية. ووفقاً لحديث نبوي فإن الناس "شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار"، وهو ما يؤكد عدم شرعية امتلاك هذه الأشياء امتلاكاً فرديا. ووفقا لثقافة عربية إسلامية، تعلم منها العالم، فإن مدينة "مجريط" في الأندلس سميت بهذا الاسم لأنه مركّب من "مجرى"، و"يط "اللاتينية التي تدل على التكثير. وهي مدينة تكثر فيها المجاري أو القنوات المائية الجوفية، ويمكن اعتبارها نموذجا احتذته مدن أوروبية عديدة منها مثلا بلغراد التي عرفت كما يقول خالد عزب المياه النظيفة على العثمانيين. 

وعموما، فإن أهمية هذا الكتاب ترتبط بأهمية مؤلفه الحاصل على جائزة "أهم كتاب عربي"، من "مؤسسة الفكر العربي" عن كتابه "فقه العمران: العمارة والمجتمع والدولة في الحضارة الإسلامية"، عام 2014، وجائزة التفوق من المجلس الأعلى المصري للثقافة عام 2016 (فرع العلوم الاجتماعية). ومن كتبه: "العمارة الإسلامية من الصين إلى الأندلس"، "مع ابن خلدون في رحلته"، و"الحجر والصولجان: السياسة والعمارة الإسلامية".
------------------------------
بقلم: علي عطا

 

 .   

مقالات اخرى للكاتب

نحو مدوَّنة سلوك مهني تواكب حتمية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي