09 - 05 - 2025

رواية "كتاب نيبو الأزرق" بين الويلزية والإنجليزية

رواية

قالت الكاتبة الويلزية مانون ستيفان روس إنها تعتبر فوزها بميدالية "يوتو كارنيغي" للكتابة، للعام الحالي، "مفاجأة كبيرة وشرف عظيم". وفازت روس بهذه الجائزة  عن روايتها "كتاب نيبو الأزرق" الصادرة عام 2018، باللغة الويلزية، وقد ترجمتها عن الإنجليزية يمنى خالد شيرازي لدار العربي بالقاهرة عام 2021. وهذه هي المرة الأولى التي تذهب فيها هذه الجائزة إلى عمل كتب أصلا بغير اللغة الانجليزية. 

تضع روس، لغتها الأم معادلاً للعالم، ومع ذلك فقد تولت بنفسها ترجمة روايتها تلك إلى اللغة الانجليزية، ما مهد السبيل أمام فوزها بأعرق جائزة لكتب الأطفال في المملكة المتحدة . وسبق أن خلصت في قراءة لهذه الرواية عقب صدورها مترجمة إلى اللغة العربية، إلى أنها تفترض نهاية للعالم الذي نعرفه الآن، ومن ثم تبادر بطلتها إلى جمع أكبر عدد ممكن من الكتب بلغة ويلز لتقرأها على ابنها الذي حرمته "النهاية" من مدرسته، ومن كل سبل التعلم التي بلغتْها الحضارة الإنسانية في القرن الواحد والعشرين، وتشجعه على أن يكتب معها قصتهما في دفتر أزرق منحاه اسم القرية التي يطل عليها منزلهما؛ "نيبو".

وهكذا صار محتوى هذا الدفتر الذي يغطي فترة زمنية مقدارها عشر سنوات أعقبت "النهاية" التي أحدثها على الأرجح انفجار نووي، هو نفسه محتوى تلك الرواية التي يمكن اعتبارها من أدب نهاية العالم، الذي تحوَّل الكثير منه إلى أفلام سينمائية منها مثلاً فيلم The book of Eli (إنتاج 2010) الذي يُعلي أيضاً من قيمة التمسك بالهوية (الدينية هنا) فأحداثه تدور بعد ثلاثين عاماً من حرب طاحنة جرت على الأرض أدت إلى ثقب في طبقة الأوزون، لتحرق الشمس معظم مظاهر الحياة، وتصيب البشر بالعمى. ومن الرسائل التي قدمها هذا الفيلم وتلتقي مع نهج رواية "كتاب نيبو الأزرق"، أهمية التعلم والقراءة، إذ يسعى "إيلاي" (دينزل واشنطن) لحماية النسخة الوحيدة من الكتاب الذي يحمله، باعتباره "الأمل الوحيد المتبقي للبشر" بعد هذا الدمار.

وخلال حوار أجرته الكاتبة مع الصحفية كارولين كاربنتر لموقع "THE BOOKSELLER"  فإن روس حاولت  طوال الرواية طرح سؤال الهوية، وشرح وتفكيك هذا المفهوم. كان شغلها الشاغل ولا يزال هو الحفاظ على الهوية عن طريق الحفاظ على اللغة الويلزية. وهذا ينطبق على روس وعلى بطلة الرواية في الوقت ذاته. فالكاتبة تؤكد في هذا الحوار اعتزاز أسرتها بجمعية اللغة الويلزية والمركز الوطني للدراسات، انطلاقا من الاعتزاز بلغة شعب ويلز الذي ربما يكون أعرق شعوب المملكة المتحدة، التي مازالت تسيطر عليها الهوية الانجليزية، مثلما سيطرت على شعوب كثير من مستعمراتها السابقة، منذ زمن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وربما إلى الآن.  

وفور نشرها، فازت هذه الرواية، التي تقول صاحبتها أنها كتبتها في ثلاثة أسابيع، بجائزة النثر الوطنية في ويلز. وبعد ذلك تمت ترجمتها إلى عدد من لغات العالم، ومنها كما أشرنا اللغة العربية. ولذلك يحق للمرء أن يسأل: لماذا قامت روس بترجمة روايتها تلك بنفسها من الويلزية إلى الانجليزية؟ أما كان يمكنها أن تكتبها منذ البداية بالانجليزية التي لا شك في أنها تجيدها إجادتها للغتها الأم، بحكم كونها من مواطني المملكة المتحدة؟  تقول روس: "قررت عن طريق الترجمة أن أضيف عملا مكتوبا بالويلزية إلى الإصدارات التي تطبع باللغة الإنجليزية، وحاولت أن أعرف لماذا لا يشعر بعض الويلزيين بالراحة في الكتابة بلغتهم الأم". ولكن يبدو أن أهم دوافعها من وجهة نظري هو أن من يقرأون بلغة ويلز عددهم محدود جدا، مقارنة بمن يقرأون بالانجليزية في مختلف أنحاء العالم وفي ويلز نفسها. وفي هذا الصدد تقول روس إنها حاولت نقل الثقافة الويلزية عبر روايتها، مشيرة إلى انها اكتشفت منذ صدور النسخة الانجليزية أن "الناس في الواقع لا يكرهون القراءة عن الثقافات الأخرى وتحديدا الويلزية، لقد علمني ذلك درسا عظيما". وقد حقق فوز الرواية بالجائزة قبل نحو شهرين انتشارا واسعا لها بعد أن وصلت إلى "أماكن مختلفة وبعيدة... أماكن لا أستطيع أن أتخيل وجود روايتي فيها"، على حد تعبير الكاتبة.
----------------------------------
بقلم: علي عطا

مقالات اخرى للكاتب

نحو مدوَّنة سلوك مهني تواكب حتمية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي