09 - 05 - 2025

في وداع محمود قرني الصديق

في وداع محمود قرني الصديق

لا أذكر متى بدأت صداقتي والشاعر محمود قرني تحديدا، لكني أذكر أنها توطدت قبل نحو عشر سنوات. كان قد توقف عن الكتابة لجريدة "القدس العربي"، وكان جريدة "الحياة" حيث أعمل قد بلغت ذروة مجدها المهني، فدعوته للكتابة فيها، بعدما جمعني به نشاط ثقافي أهلي تحت مظلة "منتدى المستقبل" مع الناقد الدكتور يسري عبد الله. 

استمر قرني في الكتابة لجريدة "الحياة" حتى توقفت في أواخر عام 2019، وواصلنا تنظيم ندوات "منتدى المستقبل" في مكتبة البلد في البداية، ثم في مكتبة خالد محيي الدين في مقر حزب التجمع في شارع كريم الدولة بوسط القاهرة، حتى احتدم خلاف مع يسري عبد الله، ترتب عليه انسحاب قرني أولا، ثم انسحبت أنا أيضا. 

وكما كان قرني صاحب فكرة "منتدى المستقبل"، فقد كان صاحب فكرة "منتدى الشعر المصري" واختارني لأكون ضمن هيئة مؤسسيه، وكنا ننظم ندوتين شهريا ثم أطلقنا جائزة حلمي سالم لثلاث دورات، قبل أن يدب خلاف يترتب عليه انسحاب قرني وإعلان ذلك على الفيسبوك معللا إياه بأنه اضطراري لظروف صحية. 

وقد كان ذلك صحيحا، بما أن الحال الصحية لقرني قد بدأت في مزيد من التدهور، إلا أنه كان في الوقت نفسه حريصا على حضور بعض فعاليات لتكريمه ومناقشة عدد من أعماله التي أصدر أربعة منها على ما أذكر في عام واحد، تحسبا لأن يرحل قبل أن ترى النور، كما أخبرني في حينه. 

بعض هذه الأعمال كان تجميعا لمقالات كما في كتاب "لماذا يخذل الشعر محبيه؟"، وبعضها مختارات من دواوينه، وكان بينها كذلك ديوانه الأخير والذي كان صراعه مع المرض اللعين حاضرا في كثير من قصائده وكان قد طلب مني قراءته مخطوطا، ورحب بملاحظات تكونت من تلك القراءة، قبل أن نختلف فيما يتعلق بنشاط منتدى الشعر المصري. 

كان محمود قرني شعلة نشاط، وصاحب مبادرات في العمل الثقافي غير الرسمي، ومن ذلك تأسيسه مع آخرين ملتقى قصيدة النثر، الذي لم يستمر طويلا أيضا بسبب ميل قرني إلى الاختلاف مع رفاق الدرب، ومن ثم الانسحاب، من مبادرة ما ليؤسس غيرها وهكذا. أكتب هذا من الذاكرة، متعمدا عدم الرجوع إلى الأرشيف، فأرجو ألا تخونني. فالأهم من وجهة نظري هو تذكر هذا الشاعر الكبير الذي عانى طويلا من مرض الكبد، الذي ربما جعله حادا في ردود أفعاله في كثير من الأحيان. لكنه في أوقات أخرى كان شديد الرقة والعذوبة، فكنا نجلس على مقهى في وسط البلد، أو في فيصل حيث كان يقيم مع زوجته وابنه وابنته. وكنا كثيرا ما نذهب لتناول الغداء في مطعم يقدم الأكلات المصرية في نطاق قريب من باب اللوق. غالبا كان ذلك بيني وبينه، لكن في أوقات أخرى كان تلك اللقاءات تتم في حضور أصدقاء مشتركين، من نبيل عبد الفتاح ويسري عبد الله وإبراهيم داود، إلى محمد السيد إسماعيل وأمل سالم وعيد عبد الحليم والراحلين فتحي عبد الله وشاكر عبد الحميد وإيهاب خليفة. رحم الله الشاعر والمثقف الكبير محمود قرني وألهم أصدقاءه وأهله وجميع محبيه الصبر والسلوان. 
--------------------------
بقلم: علي عطا

                

مقالات اخرى للكاتب

نحو مدوَّنة سلوك مهني تواكب حتمية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي