10 - 06 - 2025

إنك ميت وإنهم ميتون

إنك ميت وإنهم ميتون

حقيقة واحدة وثابتة في هذا الكون وهى أنك مغادر لا محالة ومفارق مهما طال العمر، وتارك مهما تركت خلفك، وذكرى مهما عمرت، وأنك ستستقر تحت التراب مهما كان وضعك واسمك فى هذه الرحلة القصيرة.

ربما لا تكون مصادفة أن يحاصرك الموت وهو يتخطف الأحبة والاصدقاء، كان لي صديق هو أخى بعد أخى وأبى بعد أبى، غيبه الموت فى لحظات منذ سنوات قليلة، وما زلت أدفع وبقوة ثمن موته، فلم يكن مجرد صديق بل ضميرا أعود إليه يوميا، يحاسبنى وأحاسبه ويصوبنى ويحجم تهور قلمى وشرود وجهة نظرى ويحزن لحزنى ويغضب لغضبى، وغالبا ما يصادق من صادقت ويقطع صداقته بمن عليه غضبت.

 تمر السنوات صعبة وللأسف قبل أيام يعود الموت مصوبا سهامه ويصطاد صديقى الآخر وكأنه لا يختار إلا القلوب الطيبة من حولي، أناس خفاف الظل خفاف على الدنيا فى رحيلهم وثقال فى نساينهم، صديق قضى أكثر من نصف عمره يطرق أبواب الناس بحثا عن طالب خدمة يستطيع أن يؤديها له.

 وبات السؤال، هل قرر الموت أن يحاصرنا ويحرمنا ممن نحب؟ أجدنى وأنا العبد المؤمن بقدر الله أسال نفسى سؤالا أراه محرما من الأساس، ماذا لوغادر أشخاص هم الأولى بالمغادرة، ملأوا الدنيا فسادا وإفسادا وكنزوا من الحرام وحرموا على أنفسهم الحلال وأراهم حتى لا يمرضون.

قبل سنوات أيضا قرر الموت أن يختار أول قلب احببته ، واختطفه فى زهرة شبابه واستجاب لرغبة التراب والرمال فى احتضانه، فهزمنى التراب وكسرنى الموت وفاز بحسنه، وقرر الاحتفاظ به حتى يوم القيامة.

منذ مغادرة أبى للحياة قبل سنوات، باتت قضية الموت بالنسبة لي مرتبطة باقتطاع فترة من العمر لا يمكن تعويضها مهما حدث من ازدهار وانتصار في فترات لاحقة، هناك أشخاص فى حياتنا بغيابهم تظل فترتهم منفصلة بذكرياتها وجمالها، وكثيرا ما أجدنى أغلق هاتفى وباب غرفتى ومصدر إضاءتي، وأعيش معهم أقص عليهم ما أعانى وأسعد بحديثى معهم وأعيش لحظات سعادة غامرة وأنا بينهم.

ليت  الموتى يخرجون رؤوسهم من القبور ليروا ما فعلنا بعدهم، وما كنا على وشك كتابته ولم نكتبه، لأنّنا نخاف الاقتراب من الوجع ومن الغياب، ورب العرش إن بيننا الكثير من الموتى يتحرّكون ويتحدثون ويأكلون ويشربون ويضحكون، لكنّهم موتى يمارسون الحياة بلا حياة.

أنا ممن يشعرون بالموت حين يفقدون عزيزاً، ويخيل إليهم أنّ الحياة قد انتهت، وأنّ ذلك العزيز حين رحل أغلق أبواب الحياة خلفه، وأنّ دورهم في الحياة بعده قد انتهى. هم كانوا هنا ثم رحلوا، غابوا ولهم أسبابهم في الغياب، لكن الحياة خلفهم ما زالت مستمرة، فالشمس ما زالت تشرق، والأيام ما زالت تتوالى والزمن لم يتوقف بعد، ولكن بالنسبة لى - وعذرا لذلك - أراها توقفت، وكلما غابوا سقطت ضحكة وماتت فرحة وولد وجع جديد وحملت فوقى هموم أثقل وأثقل. 

حقيقة سماوية نزلت في كتاب سماوى من الله عز وجل على سيدنا محمد رسول الله، قالت الكلمة الفصل في كل ما تحدثنا عنه، ولو يعلمها الجميع وأنا منهم لكانت نظرتنا للحياة تختلف وربما أقل من نظرتنا إلى رجل عارى يجرى تاركا ملابسه في الشوارع المكتظة بالكذب والنفاق والوصولية، هذه الحقيقة هى قوله تعالى " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ , ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ " صدق الله العظيم 
------------------------------
بقلم: عادل عبدالحفيظ

مقالات اخرى للكاتب

حسنة.. وأنا سيدك!