18 - 05 - 2025

مؤشرات | الاعتراف بالأزمة.. الانطلاق للحل

مؤشرات | الاعتراف بالأزمة.. الانطلاق للحل

في رد جديد من الرئيس عبد الفتاح السيسي وبشكل مباشر بشأن مخاطر تحرير سعر الصرف على المواطنين، أكد أن الدولة لن تقوم بأي إجراء لتحرير صرف الجنيه أمام الدولار لو له تأثير على المصريين.

أعتقد أن هذه الإجابة المباشرة من الرئيس السيسي، هي اعتراف رسمي، بأن هناك تفاهما بين الحكومة والمعارضين، على عدم الاستمرار في بعض السياسات الاقتصادية، التي تتبعها الدولة في المرحلة الحالية.

وليس سعر الصرف هو الوحيد الذي تم تناوله على مائدة النقاش والتوافق بين الحكومة ومعارضيها المنتقدين لسياسات الدولة، بل منها قضية الإقتراض، والتي تمثل أحد أهم العوامل لتخفيف الأزمة الإقتصادية، أو الحد منها، وقضية ندرة الدولار.

فقد قالت د. هالة السعيد وزيرة التخطيط و التنمية الاقتصادية "الاقتراض لا بد أن يقتصر على أوقات الضرورة القصوى ولمشروعات ذات عوائد تنموية وبشروط" .. وهذا أعتبره استجابة للعديد من مطالبات خبراء واقتصاديين، وصحفيين، ومنهم كاتب هذه السطور في هذا المكان وفي مواقع وصحف أخرى.

وصدرت كثير من التحذيرات عن مخاطر سعر الصرف، وتحرير أو "تحريك" قيمة الجنيه أمام الدولار، تحت شعار "السعر المرن"، ودعا أصحاب هذا التحذيرات الحكومة لمزيد من التأني في تحرير الجنيه، وعدم الجري وراء شروط صندوق النقد، والذي مازال يطالب بتحرير قيمة الجنيه، بشكل مطلق.

جزء رئيسي من الأزمات الراهنة سببها تحرير سعر الجنيه، والذي فقد 50% من قيمته خلال أقل من سنة، ليصل إلى ما نحن فيه الآن، .. وقد يقول البعض أن تحرير سعر الصرف تزامن مع أزمات خارج نطاق مسؤولية الحكومة مثل أزمة "كوفيد-19"، والحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما ضاعف من تداعيات الأزمة، ولكن هناك من يرى أن الدولة أفرطت كثيرا في تحريك سعر صرف الجنيه، ليرفع مستوى التضخم الفعلي إلى أكثر من 90%، .. وتوجهات الدولة بالتوقف عن سياسة تحرير سعر، والسير عكس سياسة صندوق النقد، خطوة مهمة، والأهم هو استكمال الطريق حتى النهاية.

وفي الجاتب الآخر وفيما يتعلق بالإقتراض، فقد أفرطت الدولة فيه، وربما وصل إلى مرحلة "اللا إنضباط"، الأمر الذي عجل بالوصول لسقف دين خارجي يناهز الـ160 مليار دولار، .. وتصريح وزيرة التخطيط، "بضرورة أن يقتصر الإقتراض على أوقات الضرورة القصوى ولمشروعات ذات عوائد تنموية وبشروط"، .. خطوة على الطريق الصحيح وإن تأخرت كثيرا، فالأهم أن تتحول إلى فعل على الأرض.

التوجهات الجديدة للحكومة، عامل مبشر ومهم، خصوصا ما جاء على لسان وزيرة التخطيط والتنمية الإقتصادية، ويكشف إعترافا بالأزمة، وهو بداية الحل، فالقول "إن القروض التي تحصل عليها الدولة لابد أن يكون لها دراسة جدوى ويكون لها مكون محلي ولها قيمة مضافة أو بعد تكنولوجي"، سياسة جديدة ومهمة جدا، خاصة مع التأكيد على وضع ضوابط لعملية الاقتراض، مع عدم الحصول على قروض إلا التي ترتبط بالأمن الغذائي وبالطاقة، وأن تكون قروضا تنموية لها فترة سماح طويلة وأسعار فائدة مخفضة أي قروض ميسرة في حالات الضرورة.

واعتزام الحكومة وضع معايير لمراجعة القروض والموافقة عليها، وعدم الموافقة على القروض للجهات التي لم تستخدم أو تستغل مبالغ القروض السابقة، سياسة في غاية الأهمية، وتوافق مع العديد من الرؤى التي انتقدت سياسة الاقتراض في السنوات العشر الماضية.

وننتقل إلى مطلب طال إنتظاره لمعالجة جانب من الأزمة، وهو ما يتعلق بإعادة هيكلة المشروعات الجديدة، وتأجيل أو إلغاء بعضها، .. فقد تضمنت سياسة وزارة التخطيط، ممثلة للحكومة، "التركيز بشكل أساسي على المشروعات التي قاربت على الانتهاء ووصلت نسب التنفيذ بها إلى نحو 70%

وقد اعترفت الحكومة بشكل غير مباشر بوجود أزمة في أعداد وأحجام المشروعات، ومن هنا فقد راجعت نفسها وخططها، لتقول أنها "تعمل على تقليل الإنفاق الاستثماري وتأجيل بعض المشروعات غير الملحة من أجل تقليل عبء الانفاق والتضخم على المواطن". وفي ذات الوقت التركيز على المشروعات التي يشعر المواطن بالعائد منها، ومراعاة التوازنات بين حجم الاستثمار التي يتم ضخها بحيث تكون مناسبة لتوفير فرص عمل ويشعر بها المواطن.

تلك رؤية تقوم على مبدأ الإعتراف بالأزمة، ووضع حلول بالإستماع بعقل منفتح لوجهات النظر الأخرى، .. وننتظرخطوات أخرى، قد يخرج بها الحوار الوطني، بالرغم من الملاحظات عليه، فالأهم أن تتحول لقرارات وإجراءات، هدفها حماية المواطن ومنحه كل حقوقه، والدفع بتنمية الوطن تنمية صحيحة.
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | جولة ترامب والتريليونات والتطبيع .. والباقي وعود