25 - 05 - 2025

المتقاتلون على الجوائز

المتقاتلون على الجوائز

لا يزال السعي للترشح للجوائز التي تمنحها الدول العربية الغنية، يتكئ على قيمتها المادية، أكثر بكثير من الاتكاء على ما تمثله من قيمة أدبية أو معنوية. 

ينطبق ذلك، على الكثيرين من "فقراء العرب". وبالطبع لستُ في حاجة إلى تأكيد أن المقصود بالفقراء هنا هم أولئك الذين لا يجدون من المال ما يلبي احتياجاتهم الإنسانية الأساسية في حدودها الدنيا. أو يجدونها بالكاد وبشق الأنفس، فلا تكاد تحقق لهم تلك الاحتياجات في أدنى حدودها. وحتى لا أقع في خطأ التعميم، أجدني مضطرا إلى الإقرار بأن هناك من لا يتوقف عن السعي وراء تلك الجوائز حتى ولو كان لديه المال الكفيل بأن يحقق له تلك الاحتياجات وبمستويات تتجاوز الحدود الدنيا. وهؤلاء ينتمون إلى من يرددون - ولو في سرائرهم – أن البحر "يحب الزيادة". ومع ذلك قد نفاجأ إذا تبيّن لنا أن بعضهم ليسوا من هواة الاستمتاع بما يحصدونه من أموال نتيجة سعيهم الذي لا يعرف الكلل أو الملل وراء الجوائز السخية إلى حد أنها قد تصيب حاصدها بالجنون، على نحو ما، وقد تفعل الشيء نفسه مع من خاب سعيه لبلوغها. 

ما سبق هو ملخص تأملات تلت إعلان اسم الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية (الإمارات) في دورتها الأحدث، والقائمة مفرطة الطول الخاصة بالدورة الحالية لجائزة كتارا (قطر) وأيضا جوائز الدولة (مصر) والتي أعلنت نهاية الشهر الماضي. 

في مقال سابق لي بـ"المشهد"، تناولت الجدل بشأن إعلان فوز رواية "تغريبة القافر" للعماني زهران القاسمي بالجائزة العالمية، المعروفة بالبوكر العربية. وفي المقال نفسه اعتبرت الجدل بشأن تلك الجائزة يتجدد من دورة إلى أخرى، دليلا على أهميتها، وأجدني أكرر هنا إيماني بأن الجوائز التي تنالها أعمال أدبية على وجه الخصوص، مفيدة جدا، للكاتب وللناشر وللقارئ على حد سواء. ويبقى أن لكل كاتب الحق في السعي إليها ، وفي رفضها أيضا، كما فعل صنع الله إبراهيم مثلا، عند إعلان فوزه بجائزة ملتقى القاهرة الدولي للرواية العربية قبل نحو عشرين عاما، احتجاجا على أن الجهة المانحة لها تتبع حكومة لا تحترم حرية التعبير أو ما إلى ذلك. 

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن الدكتور جابر عصفور، الذي كان "مهندس" منح تلك الجائزة لصنع الله إبراهيم، وجد نفسه بعد تلك الواقعة بسنوات عدة، في موقف جديد لا يحسد عليه عندما جرى إعلان فوزه بجائزة معمر القذافي في دورتها الأولى (والأخيرة). فقد رفض الكاتب الإسباني خوان غويتسلو الجائزة نفسها عندما عرضها عليه المرحوم صلاح فضل وقد كان في منصب مهم داخل الدائرة الضيقة لمنح جائزة القذافي التي كانت تحمل أيضا صفة "العالمية". غويتسلو صاحب التاريخ الناصع في معارضة حكم الجنرال فرانكو، رفض الجائزة لسبب قريب من سبب رفض صنع الله إبراهيم جائزة ملتقى الرواية. أي أنه وجد أنه من غير اللائق أن يقبل المرء من جائزة من نظام سياسي يتبنى ما هو ضد قناعاته. 

ومن هنا لم يجد الدكتور صلاح فضل سوى اللجوء إلى الدكتور جابر عصفور لإنقاذ الموقف، ثم سرعان ما انهار حكم القذافي تحت ضغط ثورة شعبية عارمة، وبات الحديث عن أن من قَبِل جائزته كان يتقلد منصبا رسميا. ومن ثم لم يكن يستطيع رفضها حتى لو أراد ذلك، حتى لا يساء تفسير ذلك سياسيا وتتأزم العلاقة بين نظامي مبارك والقذافي، أو نحو ذلك. 

أما نجيب محفوظ، وهو المصري (والعربي) الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل في الآداب، لا زال هناك من يعزو فوزه بها إلى أسباب سياسية، تتعلق بعدم رفضه اتفاقية السلام مع إسرائيل، أو شيء من هذا القبيل، فضلا عن أنه تعرض بسببها لمحاولة اغتياله، بدعوى أنه لم يفز سوى لأنه كتب رواية "أولاد حارتنا" التي اعتبرها أصوليون تنال من رموز دينية بمن في ذلك، والعياذ بالله، الذات الإلهية! 

رحم الله مّن ماتوا، وبارك في أعمار الأحياء ممن حصلوا على جوائز، ومَن وعدوا بها مؤخرا ووردت أسماؤهم في قائمة الستين لجائزة كتارا.
-------------------------------
بقلم: علي عطا *
* صحفي وشاعر وناقد أدبي

             

  

                             

مقالات اخرى للكاتب

محمد السيد إسماعيل.. انحياز شجاع للتجديد إبداعًا ونقدًا