15 - 06 - 2024

الأقباط والإحباط

الأقباط والإحباط

قد يقول قائل إن لفظة قبط أو أقباط ليست حكرا على المسيحيين؛ فهي تعني عموم شعب مصر. قد يكون كلامه صحيحا ؛ إلا أن كل شيء في مصر ميزانه اختل، وبالتالي كل شيء يجوز.

تابعت منذ فترة معركة فكرية دارت بين فريقين، الأول من أنصار فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي وانضم إلى هذا الفريق المواطن المتدين بطبعه، وفريق العلمانيين أو التنويريين أو المخربين سمهم كما يحلو لك، وكان النقاش حادا وصعبا وشرسا وغابت الحيادية عن الطرفين اللهم إلا أن الفريق التنويري كان يرد بشيء من الموضوعية.

والآن اتابع معركة أخرى شديدة الشراسة بين فريق الارثوذكسيين، وفريق العلمانيين أو التنويريين أو المخربين  سمهم أيضا كما يحلو لك، وأيضا كان النقاش حادا وصعبا وشرسا وغابت الحيادية عن الطرفين اللهم إلا أن الفريق التنويري كان يرد بشيء من الموضوعية.

والآن نعود ادراجنا؛ فلو أردت أن تطلق لقب أقباط على عموم الشعب المصري، فعموم الشعب المصري هم من صنعوا من رجال الدين آلهة فوق النقد والمحاسبة، والأدلة كثيرة جدا ومتعددة ومتنوعة، يكفينا منها الوضع الحالي.

ولو أردت أن تطلقها على المسيحيين الأرثوذكس، فهم أمامك بكل جبروتهم يسحقون أي منطق وفكر حر، وقبل أن تتهمني بالتجني، والمبالغة سادعوك لتتذكر معي غلاف مجلة روز اليوسف، والذي تم تعديله بسبب اعتراض الكنيسة.

بالأمس القريب كنت أقرأ كتابا عن الإبداع، عرض المؤلف معوقات الإبداع وكانت كثيرة، وأهمها عدم الفصل بين الإدارة والسياسة، والنظرة السلبية إلى الإبداع أي الشك في الإبداع، ومقارنته مع القيم الاجتماعية السائدة، والتقيد بالعادات، والسير على نمط السابقين دون تفكير.

حقيقة الأمر أن جوهر الإبداع هو الحرية؛ فأي فنان دون حرية يموت، وأي مجتمع دون فن يعود للجاهلية، وسبق وقلتها واقولها مرة أخرى الفن مرآة الشعوب، والعلم حقيقة المجتمع، ونحن محاصرون، بتابوهات الجنس والدين والسياسة، ولا نستطيع الكلام، وكما قال الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم في قصيدة الممنوعات:

ممنوع من الغنا

ممنوع من الكلام

ممنوع من الاشتياق

ممنوع من الاستياء

ممنوع من الابتسام

وكل يوم فى حبك

تزيد الممنوعات

وكل يوم باحبك

اكتر من اللى فات

هذا هو حالنا، والذي بات (يصعب على الكافر) فكيف نتقدم، ونحن نصنع أصناما نعبدها.

أصنام تتدخل في كل شيء؛ في الطب، والكيمياء، والفيزياء، و الكون، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والبحث العلمي والفنون والآداب؛ حتى في الشطاف والحمام والسيارة ... إلخ. ولم لا، ورجل الدين يعلم كل شيء؛ فهو خبير في كل شيء، والسبب المواطن المتدين بطبعه، والذي يصنع فراعنته بيديه.

شهدت صفحات الفيس بوك حديثا عن سيارة تاسوني انجيل زوجة المتنيح الأب القس الورع بيشوى كامل أخت نيافة الحبر الجليل الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين، وهنا كان السؤال الذي طرحه الكتاب، والمفكرين، ونشطاء الفيس بوك: هل هناك دخل لنيافة الحبر الجليل في تأسيس مزار تاسوني انجيل؟ سؤال عادي جدا؛ لكنه اهاج، واماج المتدين بطبعه؛ فبات يزبد كمن صُرع!

وظهر سؤال آخر لماذا لايستطيع أي مواطن عادي له أخت ورعة وتقية وضع أي شيء من مقتنياتها في مزار؟ كانت الإجابة لأنها أخت سيدنا

وهذا يفتح الباب لسؤال أكثر صعوبة: لماذا أغلب حالات الطلاق التي حدثت لبنات الكهنة تم حلها، ولماذا هناك أسر بها فتيات تذوق الأمرين لتحصل على ورقة الطلاق؟

سؤال آخر يتعلق بقدسية السيارة هل هذه السيارة مقدسة؟ كان السؤال منطقيا لأن السيارة وقصصها ستتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، وستدور حولها قصص وأساطير؛ بعضها قد يكون حقيقيا، والآخر خياليا مثلما حدث في قصة القدسية فيرونيكا، والتي ليس لها وجود، ومع ذلك موجودة في كتب الموروث الديني الكنسي؛ بل هناك من يتشفع بها حتى الآن! وهو الأمر الذي ربما سيحدث مع السيارة، وبنزينها، وزيتها، وفرامها كمان! نعم فالفرامل المقدسة ستفرملك عن الخطية؛ وان كنت تعتقدها مزحة أؤكد لك أن المتدين بطبعه لديه تخريجات عبقرية قد لا نصل لها؛ لكن ستصل لها السيارة، ولكن في "الموقف" المقدس.

فتح مثل هذا النوع من الأسئلة أصبح ضرورة؛ لنهدم بأقلامنا جدران الوهم التي بنى بها المتدين بطبعه بيوتا وسكن بها مطمئنا؛ ليعيش في مجتمع بات يتنفس الأوهام والخرافات.

الباحث في علم الاجتماع سيقرأ عن الطوطم، والطوطم هو أي كيان يمثل رمز القبيلة، ومع الوقت يتم تقديسه باعتباره المؤسس أو الحامي، والمقدس (بضم الميم وكسر الدال) هو الذي يكسب المقدس (بضم الميم وفتح القاف) قدسيته ، كما في هذه الحالة وغيرها من الحالات. وبذلك نحن الذين نصنع بأيدينا أصناما فكرية نعبدها.

يقول الشاعر  سيد حجاب: قالوا لفرعون يا ظالم إيش فرعنك قال عبيدي.

سؤال آخر شديد الحساسية والخصوصية، وهو علاقة البتولية التي كانت بين القس الراحل وزوجته؛ وما أن انتشر خبر بتولية المتنيحة انجيل، وانقلب الفيس بوك رأسا على عقب منهم من رأى ذلك خوضا في الأعراض، ومنهم من رآه غير منطقي، ومنهم من اعتبره دعوه لمعارضة إرادة الله، وآخرين رأوا في الفيس بوك مكانا غير مناسب لمناقشة مثل هذه الأمور، ولكني وبمنتهى الحيادية أتفهم هذه النقطة؛ لأن التعبد والزهد والصلاة والصوم والدخول إلى الحضرة الإلهية تبعدك عن كل ما هو أرضي فانٍ.

عزيزي القاريء ، تأمل معى صفحات الفيس بوك ستجد الناس يوميا يتركون الوباء والغلاء ويناقشون توافه الأمور.

حقيقة الأمر هناك حالة إحباط عامة سببها أقباط مصر، سواء كان الأقباط عموم الشعب المصري أو جزءا منه.
----------------------------
بقلم: مينا ناصف


مقالات اخرى للكاتب

نحن أمام





اعلان