20 - 04 - 2024

كي لا تقتلك "حوراء صالح" يوما ما

كي لا تقتلك

أحاول مواصلة الكتابة هنا انطلاقا من قراءاتي. وهذا ما كنتُ أفعله غالبا طوال مشواري الصحفي الذي بدأ مع العزيز مجدي شندي في مكتب جريدة "الحياة" في القاهرة، ثم في وكالة أنباء الشرق الأوسط، مرورا بصحف ومجلات مصرية وعربية عديدة، وأخيرا في "اندبندت عربية" اللندنية، و"النهار العربي" البيروتية، و"المشهد" القاهرية. ومع ذلك أجدني من حين لآخر متورطا في الكتابة انطلاقا من ظواهر عجيبة، يتماس الواحد معها، أيضا، بحكم أنه أولا وأخيرا صحفي، فلا أكتفي بالقراءة في شأنها، بعدما أجد نفسي، في صراع مصيري معها، بدون أي مبالغة، ليتجلى ذلك في عمل أدبي، أو في مقال، أو حتى في دردشات مع الأصدقاء، قد تزيد من توتري بدلا من أن تخففه. ومن تلك الظواهر الفزع من كل تقدم تحرزه البشرية في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي مضت عدة عقود على بداياته، لكنه بات في الوقت الراهن وكأنه عفريت أخرجه أحدهم من القمقم، ليجد أنه بمرور الوقت، صار يهدد وجوده الشخصي، فكرّس وقته لمحاولة إعادته إلى مكمنه القديم، دون أن يكون عنده سوى نسبة ضئيلة جدا من الأمل في أن ينجح في ذلك.  

صباح أمس (الأحد 4 يونيو 2023) نشر أشرف مفيد في منصة "مصر الآن" التي يرأس تحريرها، خبرا عن مائدة مستديرة ستنظمها لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للثقافة مساء اليوم نفسه، عن "المنصات الرقمية وصناعة المحتوى الثقافي والإعلامي"، وذكر في جروب اللجنة على الواتس أب، الخاص بأعضاء اللجنة أن الخبر من إنتاج وحدة الذكاء الاصطناعي التابعة للمنصة نفسها، وقال: "أنا تدخلت فقط في ترتيب الأسماء". يقصد أسماء المشاركين في المائدة المستديرة وهم خليط من إعلاميين بارزين وخبراء في التكنولوجيا الرقمية. ووجدتني أسأله: "وما ضرورة الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لإنتاج خبر أو حتى مقال؟"، فأجاب بالقول: "نظراً لأن مشروعي خاص ولا يوجد ممول، فليس لديَّ "جيش من الصحفيين"، كما هو موجود فى المواقع الأخرى، فقد استعنتُ بفريق من الصحفيين الروبوتات لمعاونتى في الموقع. لمَّا يكون عندى دخل كبير سوف أستعين بالبشريين يا صديقى العزيز". ثم دخل لي على الخاص ليقول: يشرفني أن تساعدني في تدريب الصحفيين الروبوتات على كيفية التعامل مع المحتوى الإخباري الخاص بوكالات الأنباء لتقديم تقارير متابعة إخبارية دقيقة". فسألته عن الصحفية التي كتبت خبر المائدة المستدية واسمها "حوراء صالح"، فقال: "دي أول صحفية آلية قمتُ بإنشائها وحاليا وصل عددهم إلى ثمانية صحفيين. وبالمناسبة حوراء هي اللي حددت ملامحها وأخدت التحديد ده ودخلته في تقنية بتخلق الصور بالذكاء الاصطناعي، فكانت الصورة دي اللي بنشرها في مقالها الأسبوعي واللي حطيتها في بطاقتها الصحفية". يا للهول. قلتها لنفسي. ثم قلت لنفسي أيضا إن تجربة أشرف مفيد برغم أنها في بداياتها، تنطوي بالتأكيد على خطر يهدد ارتباط البشر الوثيق بمهنة الصحافة والإعلام. وخلال المائدة المستديرة التي أدارها الإعلامي الكبير جمال الشاعر، وجدتُ أن هناك إجماعا على حتمية الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، في الصحافة والإعلام، وفي مختلف مجالات الحياة. وكان هناك إجماع كذلك على أننا تأخرنا كثيرا في اللحاق بركب الذكاء الاصطناعي، حتى أننا لا نزال بين ثماني دول في العالم لم تستفد بعد من تقنيات الفايف جي.

سألني أشرف مفيد على الخاص عما إذا كنتُ قد سمعتُ عن الطائرة "الدرون" التي قتلت مشغلها لأنه غبي؟ قلت: لا. قال: لقد قتلتْه بعدما كلَّفها بمهمة تفجير موقع للعدو، ثم ما إن همت بالتنفيذ، حتى أمرها بألا تفعل، فعادت إلى غرفة التشغيل التي يقبع فيها ودمرتها، ثم قيل بعد تحليل ما حدث إنها فعلت ما فعلته، لـ"شعورها" بأن مشغلها أقل ذكاءً منها. فقلت لأشرف: عليك إذن أن تحتاط حتى لا تقتلك "حوراء صالح"، يوما ما! 
------------------------------
بقلم: علي عطا *
* صحفي وشاعر وناقد أدبي

        



مقالات اخرى للكاتب

نحو مدوَّنة سلوك مهني تواكب حتمية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي





اعلان