تألق فريق شركة "كيو فن" للإنتاج الفني في تقديم عرض مسرحية "ماسح الأحذية"، وذلك ضمن عروض مهرجان الدوحة المسرحي الخامس والثلاثين، الذي تنظمه وزارة الثقافة القطرية ممثلة بمركز شؤون المسرح في الفترة من 16 إلى 29 مايو الجاري بمسرح الدراما في الحي الثقافي (كتارا). وأمام جمهور غفير غصّت به قاعة المسرح، اعتلت مجموعةٌ مُتميزة من المسرحيين خشبة المسرح ليقدموا عملًا من تأليف د.خالد الجابر وإخراج الفنان أحمد المفتاح، وتمثيل جانب كوكبة من المواهب.
اعتمد عرض "ماسح الأحذية" على نص حمل في ثناياه حوارات لشخصيات سردية، تعمّد مؤلفها د.الجابر رسم الكلمات بصورة منمقة وجعلها تحمل أفكارًا عميقة، وتطورات قرر البوح بها عبْر نص مسرحي هادف حاول من خلاله سرد العديد من الأفكار الهامة التي تتماس قلبًا وقالبًا مع المجتمع.
وتعتبر المسرحية ملحمية انسانية جاءت على مستوى التحدي في الطرح والحوارات والمونولوجات والسينوغرافيا والموسيقى، إضافة إلى أنها عكست الحيرة من الوضع المأساوي السريالي الذي تتخبط فيه مجتمعات العالم العربي والانسان بداخلها في المحاولة للبحث عن الذات والتعاطي مع الاخر. وفضلا عن كونها تتميز بأنها تجمع ما بين السياسية والتراجيديا والواقعية والادب والفن، وهي أول عمل فني مسرحي من تأليف د.خالد الجابر وإخراج الفنان احمد المفتاح..
تتناول المسرحية التي تعتبر استعارة أو مجازا لواقع راهن حكاية رجل متشرد يحمل ملامح عربية شرقية، يعيش في محطة أنفاق (مترو) للقطار تحت الأرض، يحمل معه صندوقا خشبيا متهالكا يشبه صندوق مسح الأحذية. وقد اعتقد الركاب والمغادرون من المحطة انه يعمل كماسح للأحذية، ولكي يستطيع أن يسد رمقه ويستعين على قضاء قوت يومه لم يمانع من العمل في مسح الأحذية كلما دعت الحاجة، وعلى أمل تحصيل مبلغ نقدي لدفع رسوم تكاليف السفر الى الخارج ليغادر محطة القطار الى الابد. تتوزع شخصيات المسرحية على ست شخصيات رئيسية: ماسح الأحذية، الرجل الغني، الرجل العسكري، الرجل النخبوي، الرجل المغترب، السيدة المطلقة، وتدور بينهم حوارات حول المواضيع والقضايا التي تعيشها المنطقة خلال العقود الماضية وصولا الى المرحلة المزرية التي وصل لها ما بعد مرحلة (الربيع العربي).
ويتم الوصول الى ذروة المسرحية من خلال الكشف عن الشخصية الحقيقية لماسح الأحذية وكيف وصل به الحال الى ذلك، بعدما دمرت قريته وفقد عائلته وبيته ولم يبق منه غير احذية تعود لزوجته وابنه وابنته حملها معه في صندوق خشبي وجده على قارعة الطريق قبل ان يصل المحطة قبل عقد من الزمن. في نهاية المسرحية يدخل ماسح الأحذية مرحلة اللاوعي بحيث يقوم بسرد حكايته المفجعة الحزينة التي غيرت مجرى حياته للأبد، وينهض ويجري من على خشبة المسرح كالذي يتخبطه الشيطان من المس متجها الى الجمهور ويغادر من أروقة الممرات التي دخل منها في بداية المسرحية وكأنه يحاول الهروب من اشباح تلاحقه ليس لها أشكال او ملامح.
يقول المخـرج أحمد المفتاح عن نص ماسح الأحذية إنه يحمل في ثنايا حوارات شخصياته سردية تعمد مؤلفه د.الجابر رسم كلماتها لأنه يحمل أفكاراً معينة وتطورات ربما قرر البوح بها من خلال نص مسرحي هادف كأول تجربة تقدم له على خشبة المسرح، بعد أن عركته السياسة والإعلام والتدريس الجامعي، حملنا ذلك أمانة عدم اغفال الفكرة.
وأوضح أنه لابد وأن يتمرد على النص المكتوب، مشيراً إلى أنه يعتقد أن المتن جاء ليجرنا لعوالمه الفكرية النثرية، لكنه حاول في الرؤية الإخراجية تسييح مقولات النص والأفكار التي أراد المؤلف أن تصل بطريقة الصدمة الفكرية، من خلال التحرك المتسارع لإيقاع العمل ومن خلال بث الروح في تلك الشخصيات الاعتيادية في أي مجتمع. ومن هنا جاء الصراع العام في المسرحية.
وأضاف المفتاح "في كل مجتمع هناك الغني البرجوازي وهناك المثقف النخبوي وهناك المغترب المهاجر وهناك العسكري الذي يعيش بين الخوف مما حوله وبين روح المتسلط، وهناك المرأة المطلقة الذي حشرت بين هذه المجموعة في محطة قطار تحت الأرض بعد زلزال وضعهم كالسجناء في انتظار القطار الذي لن يأتي أبداً".
وأكد أن متن نص الجابر ـ كما أشرت ـ جاء ليجرّنا لعوالمه الفكرية النثرية، لكنه حاول في الرؤية الإخراجية تسييح مقولات النص والأفكار التي أراد المؤلف أن تصل بطريقة الصدمة الفكرية، من خلال التحرك المتسارع لإيقاع العمل ومن خلال بث الروح في تلك الشخصيات الاعتيادية في أي مجتمع، ومن هنا جاء الصراع العام في المسرحية.
وكشف المفتاح أن "في كل مجتمع هناك تنوع في الأنماط، لذلك نجد أنفسنا في هذا العمل أمام الغني البرجوازي، والمثقف النخبوي، والمغترب المهاجر والعسكري الذي يعيش بين الخوف مما حوله، وبين روح المتسلط، وكذلك المرأة المُطلقة التي حشرت بين هذه المجموعة في محطة قطار تحت الأرض بعد زلزال وضعهم كالسجناء في انتظار القطار الذي لن يأتي أبدًا.
وتابع "يتدفق بين هذه الشخصيات ماسح الأحذية الذي يخيط هذه الملحمة المكثفة التي حاولت فيها كمخرج، البعد عن تلك المدرسة الإخراجية التي عملت عليها في السنوات الأخيرة وهي المسرح الجماعي، للدخول في أتون الدراما، والعلاقات المتباينة بين الشخصيات، للوصول في نهاية المطاف لذروة الفكرة. وقد ترك المفتاح بعض الخطوط معلقة حتى يوصل المتفرج للتساؤل، الذي مفاده "وماذا بعد كل ذلك؟"، كما أنه عمل على تكثيف الأحداث وفك التَكرار الذي ساد في بعض حوارات المسرحية، حتى من وجهة نظره الشخصية.
تواصلت الجلسات التعقيبية ضمن فعاليات المهرجان حيث قدم المخرج المسرحي الكويتي محمد الحملي تعقيبا على مسرحية "ماسح الأحذية" بحضور كوكبة من المسرحيين والمهتمين. حيث أشاد النقاد والجمهور بأداء الفنانين المشاركين في العرض، وكذلك الأدوات الإخراجية المميزة الذي استخدمها المخرج أحمد المفتاح، والتي من خلالها استطاع أن يخرج الطاقات الإبداعية لدى الشباب والمواهب التي شاركت في العرض.
وقال محمد الحملي "بعد قراءتي لنص "ماسح الأحذية" وتوجهي لقاعة المسرح كي أشاهد العرض المسرحي؛ لاحظت أن الحدث واضح في النص وكذلك الشخصيات والحوار والأهداف، كل شيء كان واضحا من بداية الكتابة إلى غاية تحويل النص من مقروء إلى نص نفذ على خشبة المسرح. مشيرا إلى أن الموسيقى والإيقاع أهم العناصر في المسرح الحديث، ملاحظا أن هناك موسيقى طويلة في العرض جعلت الممثلين يسيرون مع إيقاعها رغم تفاوت الأداء على خشبة المسرح.
وأكد أن بعض الجمل الحوارية قدمت بنوع من المبالغة، وهو ما أدى إلى تعقيد الأداء. وأضاف " بعد أن تحول الديكور إلى ظلام عند حدوث الزلزال، لم يمنع ذلك من وجود إضاءة وسينوغرافيا جميلة، وبين أن المسرح فكر وتأثير، ولا يمكن أن يصنف العرض على أساس أنه عرض جماهيري أو نوعي.
وخلال الجلسة قدم الحضور ملاحظاتهم حول العرض المسرحي، ومن بين من قدموا انطباعاتهم حول العرض الناقد د.حسن رشيد الذي أكد على أن النص ذهني مباشر، وكان التحدي بالنسبة إلى المخرج أحمد المفتاح كيف يتعامل مع هذا النص الذهني. وأضاف استمتعت بأداء الممثل محمد علي العباسي، وبقية الممثلين الذين يعرفهم جيدا، وتوقف عند الديكور الذي عبر عن الحالة المسرحية حسب قوله، مؤكدا أن العمل يمكن أن يتطور إلى عمل جماهيري.
يذكر أنه ومنذ آخر عمل قام بإخراجه في عام 2016 وهي مسرحية "نهاية إريال شجاع" والتي شارك بها باسم جامعة قطر في المهرجان المسرحي الجامعي لدول الخليج، وحصول العمل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل أداء جماعي يعود الفنان المسرحي أحمد المفتاح لعالم الاخراج من خلال مسرحية "ماسح الأحذية" والتي كتبها الجابر كأول عمل مسرحي يقدم له على خشبة المسرح.. هذا النص الذي حمله المفتاح على كتفه وأصر على تقديمه وتم ادراجه مؤخراً من ضمن النصوص التي دخلت لمراحل التصفيات لتقديمه ضمن عروض الشركات لمهرجان الدوحة المسرحي في دورته الحالية لعام 2023.
-------------------------------
بقلم: محمد الحمامصي