قبل الجميع بادر محرك (جوجل) إلى الاحتفاء بالروائي العربي والخبير الإقتصادي في مجال النفط عبد الرحمن منيف" بيوم مولده التسعين، وبعد رحيله بأكثر من تسع سنوات، حيث ولد في 39 مايو 1933، ورحل في 24 يناير 2004.
أستطيع القول أن عبد الرحمن منيف هو (سعودي – أردني - سوري – عراقي- لبناني- مصري)، وفقا للبلاد التي عاش وتعلم فيها، وتلك التي منها جذوره، ولكن تبقى دمشق هي التي أحبها أكثر، وأوصى أن يوارى جثمانه فيها، وقد كان له ما أراد، بعد أن ظل منفيا في كل مكان حط فيه.
رغم أنه أحب الإقتصاد، ونال الدكتوراه في "اقتصاديات النفط"، إلا أن نداهة الأدب والكتابة في كل مناحي الحياة، كانت هي الأقوى، ليتحف المكتبة العربية بعشرات الروايات والكتب والدراسات والمقالات، التي تعكس واقع عالمنا العربي ودوله ومدنه إجتماعيا وسياسيا وإقتصاديا، وغيره، والتي مازالت في وضعها، كما رواه "منيف".
الأهم في إنتاج عبد الرحمن منيف، وكله إنتاجه مهم بالطبع، تناوله، ما رصده في كتابه الأشهر (الديمقراطية أولًا.. الديمقراطية دائما)، وهي مجموعة من المقالات التي تدور حول القضايا السياسية والإجتماعية والثقافية، والفهم الصحيح للديمقراطية، بإعتبارها الأساس لفهم المشاكل وكذلك التعامل معها، وأنها شرط التطور ووسيلته في نفس الوقت، والطريق لإفساح المجال أمام المشاركة القوىة والحية والفاعلة والجديدة في تحمل المسؤولية، والقاسم المشترك مع جميع القضايا الصغيرة والكبيرة.
وفي الكتاب وفي إحدى مقالاته دعا "منيف" إلى حوار وطني بإعتباره الطريق للوصول إلى الديمقراطية الحقة بكل حيثياتها، واعترافا بالآخر المُختلف معك، والتأكيد على أن الحقيقة لا يحتكرها طرف، وأن الحوار اعتراف متبادل، وفي ظل تكافؤ الفرص بين كل أطرافه.
وفي رؤية مبكرة للحوار، يؤكد عبد الرحمن منيف على أن الحوار من أجل الديمقراطية، يجب أن يتناول كل القضايا، دون إقصاء لقضية معينة، وصولا لصيغ مشتركة بين كل فئات المجتمع، من أصغر فصيل "خلية" وحتى السلطة، مع أهمية أن يمتلك الجميع الجرأة في النقد والمراجعة، لإعادة ترتبيب الأولويات، وتحديد المسؤوليات.
وفي تحليل مهم يرى "عبد الرحمن منيف" أن الوصول للديمقراطية طريق صعب وشاق، ويتطلب نضالا يوميا وممتدا من كل فرد ومن كل المستويات، لإثبات عكس ما يتم الترويج له في عالمنا العربي، أن الديمقراطية حق فقط لهؤلاء الذين سلبوا من الشعوب حقوقهم في الديمقراطية، مع التأكيد على أن الديمقراطية، حق للفرد والمجتمع في المساواة، والحرية والحق في الحرية وفي التغيير ، والحق في شكل النظام ورموزه والحق في تغييره وتعديله.
وفي ذكرى عبد الرحمن منيف، نتذكر خماسيته الروائية "مدن الملح" وتناقش في خمسة روايات منفصلة، التغييرات التي شهدتها طبيعة الحياة في شبه الجزيرة العربية مع اكتشاف النفط أو ما أسماه بـ"مارد النفط"، في بدايات القرن الماضي.
حيث تناول في الجزء الأول بوادر اكتشاف النفط من وجهة نظر السكان، وموقف أصحاب الأراضي الرافضين، ومعاملة السلطات معهم بعنف واضح، وتحليل روائي لطيفية بناء المدن، ويواصل منيف تحليله لموقف أصحاب السلطة وسياساتهم في الصحراء التي تحولت إلى حقول نفطية، من خلال إستلام شخصية "خزعل" السلطة من والده "خربيط" ومنح الأمريكان التسهيلات والتي فاقت الحدود، ودور الأطراف الثالثة من مستشارين ومنتفعين.
وفي الخماسية، يروى عبد الرحمن منيف، قضايا الصراع على السلطة، وغياب دور الشعب، وتحالف السلطة ورأس المال من أجل السيطرة على الثروات، والإطاحة بكل من هم في الطريق، حتى تغيرت الإنتماءات والهوية، من وجهة نظر الروائي، ولو بالإغتيال.
تسعة عشر عاما ، ومازال عبد الرحمن منيف حيا برؤاه وبكتاباته بيننا .. مؤكدا أن الديمقراطية حق، والحوار حق، ومن خلال الكثير من تعبيراته اللاذعة .." إننا نحن الذين خلقنا الجلادين، ونحن الذين سمحنا باستمرار السجون".
----------------------------------
بقلم: محمود الحضري