24 - 04 - 2024

مقال زياد بهاء الدين في فايننشال تايمز البريطانية: على مصر مواجهة الواقع والبدء بالاصلاح الاقتصادي

مقال زياد بهاء الدين في فايننشال تايمز البريطانية: على مصر مواجهة الواقع والبدء بالاصلاح الاقتصادي

في أكتوبر من العام الماضي، بدا أن مصر كانت على وشك الانطلاق في برنامج الإصلاح الاقتصادي لإخراج أكبر اقتصاد في شمال إفريقيا من أزمة متنامية بدأت في أوائل عام 2022.

وشمل البرنامج المقترح توقيع اتفاقية جديدة مع صندوق النقد الدولي، وخفض قيمة الجنيه المصري بنسبة 50٪؜، والإعلان عن سياسة جديدة لتقليص دور الدولة في الاقتصاد، وتخصيص 32 شركة مملوكة للدولة للتصفية.

لقد  قوبلت هذه الإجراءات ببعض الحماس - وإن لم يكن ساحقًا - وانطلق ذلك من فكرة أن مصر كانت تتخذ أخيرًا الخطوات الجريئة اللازمة للشروع في مسار النمو.

ولكن بعد مرور أشهر عدة، أصبح المستثمرون المحليون والأجانب على حد سواء، وكذلك وكالات التصنيف والمؤسسات المالية الدولية، في حالة شك متزايد في امكانية ان تتحقق الإصلاحات الموعودة على الإطلاق - وظلت المؤشرات الاقتصادية الرئيسية بعيدة عن كونها مطمئنة، وبالتالي، في أوائل هذا الشهر، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لمصر - لأول مرة منذ عقد - على أساس ما اعتبرته وكالة التصنيف عدم وجود إصلاحات كبيرة، كما أشارت إلى ارتفاع متطلبات التمويل الخارجي في البلاد، إلى جانب القيود المفروضة على الحصول على التمويل في المستقبل، فضلاً عن تدهور "مقاييس" الدين العام.

فلماذا لم تتحقق جهود الإصلاح ولم تحقق الانتعاش المتوقع؟

لسبب واحد وهو استمرار عامل الإنكار في إعاقة التقدم. 

في بيان أصدرته الحكومة المصرية لدحض تشاؤم فيتش، نُسبت الأزمة الاقتصادية في الغالب إلى جائحة كوفيد، بالإضافة إلى حرب روسيا على أوكرانيا.

هذا التفسير لم يعد هذا مقبولاً من قبل معظم المحللين والمراقبين المستقلين وهم قلقون بشأن إنكار التأثير الإضافي المهم للأسباب الذاتية الأخرى للأزمة مثل الإنفاق المفرط على مشاريع البنية التحتية طويلة الأجل، وعدم الحصافة في الاقتراض محليا ودوليا، والنمو غير المسبوق لدور الدولة في الاقتصاد والبيئة شديدة البيروقراطية التي تواجه مستثمري القطاع الخاص.

هذا ليس نقاشًا بشأن الماضي بل حول المستقبل. 

يعد الاعتراف بأخطاء السياسة السابقة شرطًا مسبقًا ضروريًا للشروع في مسار إصلاح شامل وتحويل الاقتصاد الذي شهد تضخمًا رسميًا بلغ 40٪؜، وازدهار السوق السوداء للعملات، وقيود الاستيراد التي اضرت بالقدرات الإنتاجية، ووصول عبء ديون مصر إلى مستوى جديد وينذر بالخطر.

بالنظر الى كل ما تقدم والدعم الفاتر من دول الخليج - التي يُنظر إليها تقليديًا على أنها مانح الملاذ الأخير - أصبح تحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي مسألة ذات أولوية قصوى. 

ولكن في الوقت الذي عانى فيه الاقتصاد عمومًا، وكذلك التيار الرئيسي لشركات القطاع الخاص، وجدت بعض الشركات المصرية - القديمة والجديدة، والصغيرة والكبيرة - فرصًا، بعد ان تمكن الكثيرون من تغيير أنفسهم والتكيف مع الوضع الطبيعي الجديد.

التصدير هو اسم اللعبة

فقد تمكن العشرات من المنتجين الزراعيين وشركات الأعشاب والبستنة ومصنعي مواد البناء والملابس والسلع الخفيفة، فضلاً عن مقدمي الحلول التكنولوجية، من إيجاد طريقهم إلى الأسواق المتنامية في المنطقة وخارجها.

ومع ذلك، فإن السمات المشتركة بين الشركات في هذا النادي الناجح - على الرغم من أنه لا يزال محدود العضوية - تشير إلى صعوبة الأزمة الاقتصادية الحالية، وتشمل هذه الميزات: الاعتماد في الغالب على المدخلات المحلية وبالتالي تجنب قيود الاستيراد؛ وتجنب المنافسة من قبل الشركات الحكومية؛ والحد من نمو النفقات العامة؛ والابتعاد عن الأضواء الى حد كبير. 

بالنظر إلى المستقبل، تهدف شركات الخدمات المهنية ومقدمو التكنولوجيا والاستشاريون ومعالجو البيانات وغيرهم، في الوقت نفسه، إلى زيادة عائداتهم من خلال توفير خدمات المكاتب الخلفية للاقتصادات المجاورة - وبالتالي الاستفادة من الفرص التي يوفرها انخفاض قيمة العملة، لكن هذا لا يكفى للنمو والتغلب على الصعوبات الاقتصادية الحالية.

مصر تحتاج إلى تحويل هذه الأقلية من الشركات الناجحة إلى أغلبية ساحقة.

في 16 مايو ، أعلنت الحكومة عن حزمة شاملة من الإجراءات الصديقة للاستثمار، تهدف إلى تعزيز استثمار القطاع الخاص من خلال تقليل العقبات البيروقراطية، وتوفير بعض الضمانات للمنافسة العادلة مع الدولة، وإيضاح الضرائب. 

هذه تدابير مرحب بها كثيرًا - ربما للإشارة الإيجابية التي يرسلونها أكثر من جوهرها ومحتواها. 

سيتطلب تغيير مسار الاقتصاد أكثر بكثير من مجرد تسهيل إصدار التصاريح أو توفير بعض الإعفاءات الضريبية، ولكي تكون الرسالة مقنعة حقًا، وتجذب انتباه المجتمع المتشكك من المستثمرين الدوليين والمحليين - وكذلك وكالات التصنيف - يجب اعتماد برنامج إصلاح اقتصادي شامل، والإعلان عنه ومتابعته، عندها فقط ستصبح قصص النجاح هي القاعدة وستتحقق الفرص والإمكانيات الوفيرة في مصر.
------------------------------------
بقلم: زياد بهاء الدين
* وزير التعاون الدولي المصري من يوليو - ديسمبر 2013 

مقالات اخرى للكاتب

مقال زياد بهاء الدين في فايننشال تايمز البريطانية: على مصر مواجهة الواقع والبدء بالاصلاح الاقتصادي





اعلان