27 - 04 - 2024

إعلام " سرجون " العظيم

إعلام

حملته أمه الكاهنة وألقته في النهر ، وانتُشل بدلو ، ثم عمل بستانيا حتى أحبته الآلهة " عشتار"  وجعلته ملكا ، إنه سرجون العظيم ملك الدولة الآكدية في بلاد مابين النهرين ، تلك كانت أول عملية إعلامية يرصدها الباحثون لتضليل الرأي العام قبل الميلاد ، بعدها توالت الأكاذيب والأضاليل عبر كافة الحضارات ومنها حكايات الآلهة العاشقة للبشر عبرممارسات الكهنة وأفاعيلهم المدبرة ، وصولا إلى أحدث أكاذيبنا العصرية : فسيدنا يوسف في فيلم المهاجر كان وقحا ، وعيسى العوام المسلم أصبح في خيال " عبد الرحمن الشرقاوي " مسيحيا يحب فتاة من الصليبين الهوسبتاليين وعنه نقل يوسف شاهين ، وجيش العراق ثالث أقوى جيوش العالم ، وصدام حسين يمتلك أسلحة الدمار الشامل  ولابد من تدخل أمريكا ، وغزو أفغانستان بسبب شرور القاعدة التي هي صنيعة مخابراتية أمريكية بامتياز ، وداعش قوة لا تقهر تجتاح دولتين في بضعة أيام بالسيف والخيل ، وضرب غزة رد فعل لصواريخ المقاومة ، ودخان السجائر هي سبب الراحة التي تجدها المرأة حين تصعد مع حبيبها إلى أعلى قمة الجبل كما تروجة شركة مارلبورو العالمية .

 "سائسي العقول " كما يسميهم - هربرت شيلر- في كتابه "المتلاعبون بالعقول " هم القادرون على طرح الأفكار التي يريدونها والترويج لها مستخدمين في ذلك خبرات وفنون الاتصال المتطورة وعلم النفس الحديث ، حتى صار كهنة الإعلام  يتقنون " التضليل الإعلامي " بعد أن أصبح علما قائما بذاته ، يهدف إلى إلباس الباطل ثوب الحق ، وإخراج الزيف في لباس الحقيقة ، وكتمان الحقيقة نفسها ، بهدف السيطرة على وعي الجماهير ليكون " وعيا معلبا " ، وحتى تكتمل الصورة تتعدد وسائل الإعلام لتردد وتبث نفس الرواية المتعمد إرسالها للمتلقي ، فلا تجد الجماهير بُدا أمامها سوى التصديق ، فأينما تولي وجهها تجد نفس المعلومات الضالة ، رغم أن تعدد الوسائل كان الهدف منه رؤية الحقيقة من كافة أوجهها .

   وكي يتحول الإعلام من أداة للوعي إلى أداة للتغييب والتضليل ؛ عليه العمل -  وفق قواعده الممنهجة الضالة المضلة - على استثارة مشاعر الخوف لدي الجماهير من وجود أخطار وأزمات تهدد البلاد ؛ فالخوف يمنع المتلقي من التفكير السليم ، ويمكنه تقبل الأكاذيب دون مقاومة ، كذلك تزييف التاريخ ، وتوجيه الرسالة لبسطاء العقول مع تكرارها حتى يصدقونها ، والهجوم على الشخصيات والرموز، وإلصاق فضائح وهمية لهم يشغلونهم بها حتى لا تتم مناقشة أفكارهم وبرامجهم فينسحبون من الساحة ثأرا للكرامة وإيثارا للسلامة ، كذا وصم المعارضين والخصوم بمعاداة الشعب والوطن والدين ووصف من هم بالسلطة " المالكة للوسيلة الإعلامية " بالوطنية وحماة الدين الساهرين على مصلحة الجماهير ، بالإضافة إلى التقليل من جرعات البرامج الوثائقية والعلمية والتاريخية والثقافية والدينية وزيادة ساعات الترفيه والمرح المقدمة خاصة في التلفاز والإذاعة ، وأخيرا شيطنة الآخرين ولصق الاتهامات والجرائم بشكل متكرر لهم مع تكرار تلك الرسالة الإعلامية في اليوم عدة مرات بانتظام لدرجة يصدقها المثقفون والمفكرون يشبهون في ذلك عامة الناس وبسطائهم .

 

   ترى كيف تكون النجاة من هكذا إعلام ؟  وما الأسس القويمة التي ينبغي الالتزام بها لإيجاد منظومة إعلامية قادرة على النهوض بالمجتمع وثبر أغوار قضاياه دون تحيز إلا لمصلحة الوطن فقط ؟ الدعوة مفتوحة لأهل الاختصاص وللعامة للمشاركة وإبداء الرأي ، وقد ت:ون موضوعا لمقال قادم . 

 

 

مقالات اخرى للكاتب

(اعترافات قرصان اقتصادي)





اعلان