أجهشت بالبكاء على الهواء هناء حسين محمد رفعت حفيدة أشهر من قرأ القرآن في مصر والعالم الإسلامي بعد قرار يفتقد العقل بهدم مقبرته المجاورة لمسجد السيدة نفيسة ، وذلك بعدما تلقت أسرة الشيخ محمد رفعت قرارًا من محافظة القاهرة، يتضمن إخطارًا بإزالة مقبرته وتصادف ذلك مع الذكرى الـ 73 عاما لوفاته، أما الذريعة فهي أقبح " "إنشاء محور صلاح سالم المروري".
قالت حفيدة الشيخ محمد رفعت خلال مداخلة هاتفية ببرامج تليفزيونية "فوجئت بخطاب مرسل من محافظ القاهرة إلي ابن عمي لإزالة مقبرته وأخطرنا بأن نقل الرفات ستتحمل نفقته العائلة، ومن ساعتها وأنا في حالة انهيار".
وتابعت القول: "هل رموز مصر يتم تكريمهم بإزالة مقابرهم بهذا الشكل؟ رموزنا يتعمل فيها كده؟ بطالب محبي الشيخ محمد رفعت بالتحرك لمنع إزالة مقبرته وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مدفنه يزوره الكثيرون من كل دول العالم كيف يتم إزالته".
وناشدت حفيدة الشيخ محمد رفعت، الرئيس السيسي، قائلة: "بناشدك وانا عارفة انك انسان مؤمن وقريب من ربنا وأكيد بتحب الشيخ رفعت، الشيخ رفعت مدفون فيه لحد معقولة هيكسروا اللحد ويطلعوا الشيخ رفعت، أنا أبويا وأمي وأختي مدفونين في نفس المقبرة، بس أنا قلبي موجوع علي الشيخ رفعت .. ده تاريخ، ده تاريخنا، ومش عارفين نعمل إيه"؟
وفي وقت لاحق قالت محافظة القاهرة إنها تنفي ما أثير بشأن إزالة المقبرة الخاصة بالشيخ محمد رفعت، أو إرسال المحافظة خطابا يطالب أسرة الفقيد الراحل بنقل رفاته على نفقتهم الخاصة.
وقالت المحافظة في بيان لها، الثلاثاء، إن ما تردد بهذا الشأن عارٍ تمامًا من الصحة، وإنها تهيب بوسائل الإعلام تحري الدقة والرجوع للمصادر الرسمية، للتأكد من صحة البيانات.
وتضم أعمال محور صلاح سالم مناطق تشتمل على جبانات: (السيدة نفيسة القديمة والجديدة والإمام الشافعي والطحاوية وسيدي جلال وباب الوزير والمجاورين وسيدي عمر) وجميعها تضم مقابر لرموز ومشاهير وعارفين مصريين.
وجاء في قرار الإزالة، إنه بشأن الإزالات التي تتم لصالح المنفعة العامة في جميع مناطق الجبانات الداخلة في الإزالة ضمت أعمال محور صلاح سالم والتي تشتمل على مناطق جبانات: (السيدة نفيسة القديمة والجديدة والإمام الشافعي والطحاوية وسيدي جلال وباب الوزير والمجاورين وسيدي عمر) يتم تقديم الأوراق التالية.
- إعلان وراثة باسم المنتفع الأصلي المدون بالترخيص أو بكشوف الحصر.
- قيد عائلي باسم المنتفع الأصلي المدون بالترخيص أو بكشوف الحصر.
- شهادة ميلاد بالتسلسل.
- تفويضات من جميع المنتفعين بالتسلسل بالتوقيع والبصمة مع إرفاق صور بطاقات الورثة والموقعين على التفويض.
- صور البطاقة الشخصية.
- بالنسبة لنقل الرفات يقوم صاحب الشأن بنقل رفات الموتى بمعرفته هو وباقي المنتفعين على نفته الخاصة دون الرجوع إلى إدارة الجبانات.
تقول هناء حسين محمد رفعت، أن المحافظة في الخطاب يطالبونهم بنقل الرفات على حساب العائلة الشخصي، مشددة على أنه وبعد وصول الخطاب تحركت بشكل سريع لكي تنقذ الموقف، مؤكدة أن مقبرة الشيخ رفعت يزورها الكثير من أماكن حول العالم.
تأكيدا لذلك يقول الكاتب أيمن الحكيم: "في أخر زيارة لمدفن جده سيد المقرئين مولانا الشيخ محمد رفعت لاحظ الأستاذ علاء رفعت وجود رجل غريب الهيئة يجلس في المدفن ويقرأ القرآن في هدوء وسكينة .. ظنه في البداية واحدا من الدراويش الذين يهيمون في مقابر البساتين ، فتقدم إليه ليعطيه "نفحة" كما اعتاد ..لكنه فوجئ بأنه أمام رجل هندي مسلم..جاء من الهند متحملا مشقة السفر وتكاليفه عشقا في الشيخ رفعت ..وقصد مدفنه ليقرأ الفاتحة لروحه الطاهرة .. ولما عرف الهندي الطيب أنه أمام حفيد الشيخ فإنه حاول بإصرار أن يقبل يده لمجرد أن من "ريحة "الشيخ رفعت، وانتزع الحفيد يده بالعافية ..
ويضيف الحكيم : عزيزي الهندي الطيب عاشق الشيخ رفعت ..أرجو أن تكون قد غادرت القاهرة ورجعت إلى بلدك البعيد قبل أن تعرف بخبر إزالة مدفن الشيخ رفعت واخطار أسرته بنقل رفاته على نفقتهم الشخصية .. وحتى لو عرفت فأنا متأكد ياعزيزي أنك لن تصدق ..فنحن كذلك نرفض أن نصدق ونشعر أننا في فيلم هندي !
الخبر تسبب في صدمة وحزن وكان من بين الحزانى الكاتبة الصحفية زينب عبداللاه وتقول: "عندما صدر كتابى " فى بيوت الحبايب" حرصت وحرصت دار النشر على وضع صورة الشيخ رفعت على غلافه وفى أول معرض شارك فيه الكتاب لفت انتباهى شابان من أندونيسيا توقفا أمام الكتاب وكل منهما حمل نسخة منه يقلب فى صفحاته ويبحث عن الفصل الخاص بالشيخ، تحدثا معى عنه وعن حياته وعن مكانته لديهما ولدى كل مسلمى أندونيسيا وسألا عن مكان مقبرته حتى يزورانه..واليوم أحزنتنى مكالمة من حفيدته حدثتنى وهى منهارة تبكى : اليوم أرسلت لنا المحافظة بإزالة مدفنه.. كيف سيخرجونه من قبره ولحده وكيف تزال مقبرته وهل لا نقدر رمزاً مثله تهفو قلوب مسلمى العالم حين تسمع صوته"؟
في السياق نفسه قالت رشا عبدالله: "ضاقت بهم الدنيا فلم يجدوا إلا مقبرة بها رفاتك يا سيدي ، رحمات الله وبركاته عليك في عليين ، الشيخ محمد رفعت قيثارة السماء"
وقال أحمد محمود سلام "إن الشيخ هو الحاضر دوما في قلوب المصريين جيلا فجيلا ، وقد شاءت المقادير أن يكون يوم مولده هو يوم رحيله حيث ولد فضيلة الشيخ محمد رفعت في 9مايوعام1882ورحل أيضا في 9مايو ولكن عام 1950" "قيثارة السماء" لقب أطلق عليه وقد كان الأروع في تلاوة آي المولي تبارك وتعالي وكم يؤسف أنه لاتوجد له تسجيلات للقرآن الكريم كاملا وماتبقي وهو قليل يعبر عن نبع من الصفاء وفيض جادت به السماء علي أرض الكنانة التي قُرأ فيها القرآن بعد أن جُمع في المدينة المنورة وكُتب في الأستانة بحسب القول الأثير.
"وقد ظل مريضا في سنواته الأخيرة يلزم الفراش قنوعا صابراً علي البلاء.. رفض الشيخ محمد رفعت أي مساعدة مالية من الملوك والأمراء والعارفين بفضله لأجل علاجه من مرضه وقد أصيب بسرطان في الحنجرة ليتوقف عن تلاوة كلام المولى تبارك وتعالي .. كانت له حكمة مفادها" أن قارئ القرآن الكريم لايهان" وقد صدق. في 9 مايو 1950 تسترد السماء وديعتها ويفارق الشيخ محمد رفعت الدنيا بعد مرض إستمر لنحو سبع سنوات وهو الأقرب إلي قلوب المصريين بل والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بصوته الشجي الذي لازم وجدان "محبيه" وقد كان أسطورة بكل ما تحمله الكلمة من معان.. وتبقي تسجيلاته مبعث سكينة للقلوب وكم يؤسف أنها قليلة في العدد ولكنها الأكبر في الأثر لقارئ عظيم للقرآن الكريم قلما يجود به الزمان" .
ولد الشيخ محمد رفعت في مثل هذا اليوم قبل 141عامًا في حي المغربلين بالقاهرة، وكان أول من تلا القرآن في الإذاعة الحكومية والتي تعاقدت معه نظير 3 جنيهات في الشهر، ولما كان مترددًا استفتي قبل قبوله هذا العرض مشايخ الأزهر فأفتوه بمشروعيتها وجوازها، واعتاد المصلون في درب الجماميز في بداية الأربعينيات سماع صوته في مسجد فاضل باشا.
كان الشيخ يتمتع ببصره ويقال أن عينيه كانتا جميلتين وكانت سيدات الحي الشعبي يتحدثن عنها حتى أصيب بمرض نادر أدى لفقدان بصره وهو في عامه الثاني، وكان والده ضابط شرطة فوهبه لخدمة القرآن، وألحقه بكتاب مسجد فاضل، وفيه أتم حفظ القرآن، وفي سن الخامسة عشرة عين قارئًا يوم الجمعة وذاع صيته، فكان المسجد يضيق بالمصلين، وكانت تلاوته كأنما هي صوت هابط من السماء وصاعد إليها في ذات الوقت، وكان يدخل المصلين في حالة من الخشوع جعلته يستحق لقب «قيثارة السماء» عن جدارة.
كان الشيخ محمد رفعت من أول من أقام مدرسة للتجويد في مصر، فكما قيل "القرآن نزل بالحجاز وقريء بمصر"، وكانت طريقته تتسم بالتجسيد للمعاني الظاهرة القرآن الكريم وإمكانية تجلي بواطن الأمور للمتفهم المستمع بكل جوارحه لا بأذنه فقط، والتأثر والتأثير في الغير بالرساله التي نزلت على النبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه، فقد كان يبدأ بالإستعاذه بالله من الشيطان الرجيم والبسمله والترتيل بهدوء وتحقيق، وبعدها يعلو صوته فهو خفيض في بدايته ويصبح بعد وقت ليس بالطويل غالبًا "عاليًا" لكن رشيدًا يمس القلب ويتملكه، ويسرد الآيات بسلاسة وحرص منه واستشعار لآي الذكر الحكيم.
كان جل اهتمامه بمخارج الحروف وكان يعطي كل حرف حقه ليس كي لا يختلف المعنى، بل لكي يصل المعنى الحقيقي إلى صدور الناس، وكان صوته حقًّا جميلًا رخيمًا رنانًا، وكان ينتقل من قراءة إلى قراءة ببراعة وإتقان وبغير تكلف وكان صوته يحوي مقامات موسيقية مختلفة، وكان يستطيع أن ينتقل من مقام إلى مقام دون أن يشعرك بالاختلاف.
وتجنبًا للتقرب من أهل السياسة ولا الحديث فيها، رفض الشيخ محمد رفعت طلب الملك فاروق في أن يقوم بإحياء ذكرى رحيل والده الملك فؤاد في احتفالية خاصة بقصر عابدين، يحضرها رموز السياسة من مصر وخارجها، مفضلًا أن يحيى ذكرى الملك فؤاد على مستوى أسرته، كذلك رفض الشيخ رفعت تكفل الملك فاروق بمصاريف علاجه بعد إصابته بسرطان الحنجرة، معتبرها إهانة، وقال وقتها للملك: "إن قارئ القرآن لا يهان" حتى وافته المنية.
روى الموسيقار محمد عبد الوهاب أنه فى يوم كان الشيخ محمد رفعت معه فى قصر أحمد بك شوقي فطلبوا منه أن يقرأ القرآن في حديقة القصر وهو جالس تحت شجره، فلاحظ الموسيقار محمد عبد الوهاب أن الطيور التي في الحديقة وقفت أعلى الشجرة التي يقرأ تحتها القرآن الكريم دون أن تصدر صوتا، فقال سكتت الطيور كى يشدو الكروان الأكبر يقصد الشيخ محمد رفعت.
ووصف الموسيقار محمد عبد الوهاب صوت الشيخ محمد رفعت بأنه ملائكي كأنه يأتي من السماء لأول مرة.
وقال عنه الأديب محمد السيد المويلحي في مجلة الرسالة: "سيد قراء هذا الزمن، موسيقيّ بفطرته وطبيعته، إنه يزجي إلى نفوسنا أرفع أنواعها وأقدس وأزهى ألوانها، وإنه بصوته فقط يأسرنا ويسحرنا دون أن يحتاج إلى أوركسترا".
وقال الكاتب محمود السعدني عن سر تفرد الشيخ محمد رفعت: "كان ممتلئًا تصديقًا وإيمانًا بما يقرأ". أما علي خليل "شيخ الإذاعيين" فقال عنه: "إنه كان هادئ النفس، تحس وأنت جالس معه أن الرجل مستمتع بحياته وكأنه في جنة الخلد، كان كيانًا ملائكيًّا، ترى في وجهه الصفاء والنقاء والطمأنينة والإيمان الخالص للخالق، وكأنه ليس من أهل الأرض". ونعته الإذاعة المصرية عند وفاته إلى المستمعين بقولها: "أيها المسلمون، فقدنا اليوم عَلَمًا من أعلام الإسلام". أما الإذاعة السورية فجاء النعي على لسان المفتي حيث قال: "لقد مات المقرئ الذي وهب صوته للإسلام"!!.