24 - 04 - 2024

مؤشرات الذهب والسعر العادل وتخوفات إقتصادية

مؤشرات الذهب والسعر العادل وتخوفات إقتصادية

السؤال المهم والغريب في نفس الوقت بشأن مستوى سعر جرام الذهب في السوق العالمي والذي يدور حول 63 دولارا، أي ما يوازي 1900 جنيه، فيما السعر المحلي تجاوز 2700 لعيار 21، ويصل إلى 3000  لعيار 24، هذا بخلاف العمولة "المصنعية". 

ووصف خبراء ومراقبون هذا الوضع بأنه نوع من أنواع الفوضى في السوق، وسط صمت حكومي، مع غياب أي شكل من أشكال الرقابة، حتى دخل قطاع الذهب المضاربة، بعد لجوء أعداد كبيرة إلى شراء الذهب كوعاء إدخاري، ودخول مشترين كبار للسوق لشراء كميات كبيرة، ساهمت في تعطيش السوق، ليصل الفارق بين السعر المحلي والسعر العالمي إلى ما يدور حول ألف جنيه. 

الغريب أن السيد الدكتور وزير التموين د. على المصيلحي خرج على الناس وفي مؤتمر صحفي، متحدثا عن أسعار الذهب وسعي الحكومة للحد من الزيادة الكبيرة في الأسعار، بأن السبب هو أن "كمية الذهب في مصر محدودة، وبالتالي عندما يزيد الطلب على العرض ترتفع الأسعار"، ليصبح سعر الذهب مثله أي سلعه غذائية تحت رحمة المضاربة. 

وتفتق ذهن الحكومة، حسب كلام السيد الوزير إلى طرح إقتراح لمواجهة زيادة السعر والنقص في المعدن الأصفر بالسماح للمصريين بالخارج باستيراد الذهب لـ"فترة محددة" دون جمارك، على اعتبار أن هذا هو السبيل الأمثل لمواجهة ما شهدته أسعار الذهب من قفزات قياسية لم تشهدها مصر من قبل. فيما لم يتحدث أحد من المسؤولين عن الرقابة على سلعة عالمية مربوطة بالبورصات الدولية، وهو ما وضع جمهور المشترين في مأزق، وسط تخوفات بأن يدخل مقتنو الذهب الكبار للبيع المفاجئ، الأمر الذي سيحدث ربكة في الأسواق، وخسائر تلحق بصغار المشترين، حتى وإن كانت قليلة فهي خسارة كبيرة بالنسبة لثرواتهم.  

طبعا هناك مسؤولية أيضا على متشري الذهب، والذي لم ولن يلتفتوا لتحذيرات الخبراء، بشأن التأني في شراء الذهب وعدم التهافت على الشراء حتى يحدث تراجع الأسعار إلى مستوياتها الطبيعية، خصوصا أن سمة المرحلة هي المبالغة في تسعير المعدن الأصفر، ولكنهم يرون في الذهب أن الوعاء الإدخاري الأكثر أمانا. 

قد يرى البعض سواء من مسؤولين وخبراء أن زيادة الأسعار جزء منه بسبب الإقبال الكبير على الشراء باعتباره الملاذ الآمن لمدخراتهم في ظل محدودية المعروض، إضافة إلى أن مسؤولية الجهات المختصة في الدولة تتطلب دورًا أكبر في تكثيف الرقابة، مع الإلتزام بأسعار معلنة ومحددة، تتناسب مع الأسعار العالمية، بينما فكرة السماح للمصريين بالخارج بشراء كميات ذهب وإدخالها للسوق بدون جمارك وفي حدود معينة، ليس إلا محاولة لا يمكن إعتبارا حلا ناجعا، ولن تضيف للإقتصاد الوطني أي قيمة مضافة. 

صحيح أن سعر الذهب بالأسواق، بالسعر العالمي للمعدن وسعر الدولار، والعرض والطلب، لكن التركيز على العامل الثالث (العرض والطلب)، دون رقابة وإعمال مبدأ الشفافية في الاسعار، ومواجهة المضاربين هو أهم الحلول. 

والإتفاق العام في سوق المعدن الأصفر - حتى من تجاره أنفسهم - أن السعر العادل للذهب يدور حول 1900 جنيه للجرام، يضاف إليه 5% إلى 7% عمولة للمشغولات، وهو ما يعني أن السعر المطروح والمتداول هو سعر غير حقيقى، وفيه الكثير من المبالغة. 

ومازال السوق يتحسس ما أعلنته الشعبة العامة للمصوغات والمشغولات الذهبية بالاتحاد العام للغرف التجارية بشأن إطلاق مبادرة لتخفيض أسعار المصنعية على المشغولات الذهبية للمستهلكين خلال شهر مايو بالتعاون بين المصانع المنتجة ومحلات التجزئة، وهي المبادرة التي ألمح إليها وزير التموين، بأن يقوم مجلس الوزراء بالسماح للمصريين القادمين من الخارج باستقدام كمية معينة من السبائك الذهبية على أن يتم إعفاؤها من الجمارك لطرحها في السوق حتى يحدث توازن بين العرض والطلب محليا. إلا أن هذا كله وغير ذلك من المقترحات لن يحقق أي نتائج على الأرض ما لم تكن هناك رقابة وضوابط وشروط لمنع التلاعبات في الأسعار، ولمنع ظهور وسطاء جدد للإستفادة من تلك المبادرة وغيرها، وتوظيفها لأنفسهم، وإكتناز كميات من المعدن الأصفر. 

وهذا التخوف مرتبط بوجود فجوة كبيرة بين الأسعار العالمية والمحلية للذهب حيث يتداول الذهب بأعلى من قيمته العالمية بنحو 53%، فيما يصل سعر الدولار إذا ما تم تقويمه بسعر الذهب الحالي إلى 47.23 جنيهًا للدولار الواحد في حين يسجل الدولار في البنوك المصرية 30.9 جنيهًا للدولار الواحد، وهي قضية من أخطر القضايا المؤثرة على سعر قيمة الجنيه مقابل الدولار، وقد تدخل أموال ساخنة لإنتهاز الفرص، والخروج سريعا ويصبح إقتصادنا هو المضار الأكبر مع مقتني الذهب الصغار. أتمنى سرعة العلاج قبل إستفحال وبروز أزمة جديدة!.
--------------------------------
 بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | رعاية القتل والانحطاط الأخلاقي





اعلان