29 - 03 - 2024

كمنْ يتخبطُه الشيطانُ من المسِّ !

كمنْ يتخبطُه الشيطانُ من المسِّ !

لم يَعُدْ يمرُ يومٌ دون أن تُعكرَ أسماعَنا أصواتٌ نشاز، رأى أصحابُها أن فرسَ الرهان لتحقيق الشهرة والذيوع هو هدمُ الثوابت والتجرؤ على الدين .

فبنظرةٍ سريعة لما يُثارُ من قضايا تلوكها ألسنة المتنطعين صباح مساء، نلحظُ استفحالَ خطر هؤلاء التنويريين، أو بمعني أصح ( الظلاميين )، الذين جعلوا جُل همهم هدم الثوابت، والتشكيك فى القيم، التى تربى عليها سلفُنا الصالح، وأسهمتْ فى تخريجِ كوكبة من العلماء والمفكرين سادوا الدنيا، ونشروا العلم فى شتى ربوع الأرض .

إن ما يجرى من لغط وبلبلة جراء تلك الدعوات المُغرِضة، والآراء الشاذة، التى روجها أصحابُها، برغم أنها تشي بجهلهم المُركب، أو حقدهم الدفين، دليلٌ علي أنهم يعملون وفق أجندات خاصة، يرعاها فريقٌ من الغربيين اللادينيين، وأذنابهم ممن تربوا في بلاد الإسلام، وانطلقوا ينعقون كما ينعق البوم، وينشرون أفكار أساتذتهم الهدَّامة !

فلم تخمد عواصف و( زعابيب ) المُشككين فى التراث أمثال البحيرى، والشاتمين للصحابة أمثال ميزو، والمُبيحين للزواج العرفى، والمُوالين للشيعة، حتى دوَّى صوتُ رعد الشوباشى، داعيا إلى خلعِ الحجاب، عبر تظاهرة تخرج فيها النساء الرافضات للعفة، ويحميها الرجالُ الذين يقرون الدياثة، ويروجون للسفور .

ثم تتابعتْ سلسلةُ التبجح والتجرؤ، التي كان آخرها هذيانُ إعلامي معروف، سقط عن جسده الغطاء ليلا، فطاردته كوابيس مؤرقة، جعلته (يرطن) بلا وعي، فقام كمن يتخبطه الشيطان من المسِّ، يتطاولُِ علي الدين اعتمادا علي عبارة (حرية الرأي) المطاطة والسمجة، التي تتطلبُ وقفة حاسمة وجادة؛ لقطع لسانه، الذي يرمي بشررٍ كالقصر، حيث قال مؤخرا : " لم أرَ حكمة من الصيام، وأري أنه قرارٌ سيادي، تعالي به الربُّ علي البشر، كما أنه حارب الحجاب، وردَّد غيرَ ذلك من (خُزعبلات) ميتة وتافهة، لا تستأهل مجرد الذكر .

وهو ما يجعلُني أؤكد أن وسطية الإسلام، التى وصف الله بها أمة حبيبه ومصطفاه محمد، كما أنها تعنى عدم الإفراط، أى المُبالغة والتشدد، فإنها تعنى أيضا عدم التفريط، أى تضييع الدين وفك عراه .

فارفق بنفسك - هداك الله - فمصرُ التى شرَّفها الله كمكان فى كتابه العزيز، فقال سبحانه : ( اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم)، وقال أيضا : ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، ومدح النبىُّ أهلها فى سنته، فقال صلى الله عليه وسلم : ( استوصوا بأهل مصر خيرا، فإن لنا فيهم نسبا وصهرا )، لن تقبل التطرف الفكرى بنوعيه : (الإفراط والتفريط)، فكما أنها تُحارب الإرهاب، وتتصدى للفكر الداعشى، الذى يستهون الدم، ويُثمنُ القتل، والحرقَ والتعذيب، فإنها ترفضُ أيضا وبشدة التفريط فى الشرف والعفة، ومحاربة الحجاب الذى هو من أصول الدين، وارتدته أمهاتُنا الأوليات .

ولن تقبل أيصا التجرؤ علي ثوابت الدين وأركانه، التي يعدُ الصوم الركن الرابع منها، كما في الحديث : ( بني الإسلامُ علي خمس ) .

إن غضَّ الطرف عما نُعانيه من مشاكل اقتصادية، تتطلب تضافر كلِّ القوى الاقتصادية لحلها، وعدم الانشغال بقضايا فكرية تُثير اللغط وتنشر البلبلة، يكشفُ عن خلل فكري، سقط في مُستنقعه بعضٌ من دعاة الفكر، فتعمدوا أن يشغلونا بقضايا تافهة .

وحسنا فعل ويفعل علماءُ الأزهر الأثبات، وعلي رأسهم شيخُه الإمام الطيب، حيث تصدوا، ويتصدون لذلك الخطر الفكرى؛ لوقف مده، بما يعقدونه من مناظرات، ولقاءات، كان منها مُناظَرةٌ قديمة تابعتُها عبر " يوتيوب" بين البحيرى، والدكتور المُتمكن أسامة الأزهرى، بمصاحبة الحبيب بن على الجفرى، حيث كشف الرجلان ضلالات البحيرى، فبدا في الحلقة مُضطربا خائرا، ضعيف الحُجة عاجزا عن الرد .

ورفض الأزهر كذلك وبشدة دعوة الشوباشى لخلع الحجاب، إيمانا بأن الحجاب دليلٌ على الحياء والعفة، اللذين يُعدان من ثوابت الدين .

وأخيرا أقول إن شطحات هذا الإعلامي الأخيرة عن الصوم، تتطلبُ حزما وحسما من رجالات الأزهر، وسنَّ قانون يُجرم ازدراء الأديان، وتفعيله بحق؛ لأنه إن لم تُجابَه تلك الدعواتُ الهدَّامة وبشدة، فسيكون هذا مُسوِّغا لانتشار دعوات أشد قُبحا، تأباها الفطرُ، وتُحرمُها الأديانُ، فهل نحن منتبهون ؟
------------------------------
بقلم: صبرى الموجى *
* مدير تحرير الأهرام


مقالات اخرى للكاتب

أماه .. في يوم عيدك سامحيني!





اعلان