ينشغل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بالاعتكاف في العشر الأواخر من مدرسة الصيام ، وهو طقس ديني متواجد كذلك في الديانات السماوية الأخرى، ويهمني هنا، استخلاص المعنى من الاعتكاف ، وامتداد أثره الطيب المرتقب من الذات إلى العلاقات والمعاملات ، بما يفيد الأفكار والمشاعر والسلوكيات، والبيوت والمجتمعات.
إن الإعتكاف، دينيا، هو لزوم المسجد لطاعة الله والتفرغ للعبادة والانقطاع عن الناس، وعبادة بهذه المعاني، هي بمثابة مدرسة تجديد وتغيير، تحتاج إلى مد دروسها ومعانيها، من تخلي وتحلي ، وملازمة واصرار، والتزام بضوابط معينة ، إلى باقي محطات الحياة، انطلاقا من بداية "العام الإيماني" في شهر رمضان حتى نهايته في شهر شعبان عند رفع الأعمال للسماء، اعتكافا على كل ايجابي وانصرافا وانقطاعا عن كل سلبي خاصة في العلاقات والمعاملات.
لن يثمر الهدف الديني من الاعتكاف في المساجد، ما لم يمتد أثر الاعتكاف إلى حسن العلاقة والمعاملة مع كل قائم وساجد، وما لم تستفد كل ذات من عبق مدرسة الاعتكاف في تغيير يوميات البيوت والمجتمعات إلى الأفضل والأرقى، وفي هذا يقول العلامة الشيخ الراحل محمد الغزالي:"ما قيمة صلاة أو صيام لا يعلمان الإنسان نظافة الضمير والجوارح؟".
إن الأفكار والمشاعر والسلوكيات في حاجة إلى اعتكاف أخلاقي اجتماعي متجدد ، تلتزم فيه النفوس والقلوب والأرواح والعقول في مختلف المواقف، مواطن الإنصاف لا الاجحاف، والمودة والرحمة لا الكراهية والبغضاء، والحوار البناء والاحترام المتبادل والأمان لا التهديد وفرض الوصاية والإذعان، والعفو والتسامح والتغافر لا المناكفات واللدد في الخصومة، والتواضع والتكامل لا النرجسية وهوس الاستحقاق، والتصحيح لا التطفيف.
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه * فقوّم النفس بالأخلاق تستقم
------------------------------
بقلم : حسن القباني