17 - 05 - 2025

أزمة ورق .. أزمة تمثيل .. أزمة طبقية .. السياسة والتاريخ والواقعية الكاذبة في معركة دراما النصف الأول من رمضان

أزمة ورق .. أزمة تمثيل .. أزمة طبقية .. السياسة والتاريخ والواقعية الكاذبة في معركة دراما النصف الأول من رمضان

هو الموسم الدرامي الأكثر إثارة للمعارك والقضايا الفنية والسياسية والتاريخية ، وتسببت عدة أعمال درامية في اثارة خلافات قوية تطورت الى مستويات لم تكن متوقعة .. 

وكما هي العادة هناك معسكرين، كل معسكر منهما يدافع عن وجهة نظره ويروج لها ويفرضها بكل قوة وإصرار ..

سياسيا من السهل أن تلاحظ كم المعارك بين جماعات ندرك اغراضها في الهجوم على أعمال بعينها وبين الجهات المنتجة والنقاد والمتفرجين.

 وطبقيا يمكننا الاشارة الى معركة بين جمهور متحمس للغاية لمسلسل مثل الهرشة السابعة .. وهو بالنسبة لهم درة الدراما التي تعرض الواقع وفخر الإنتاج المصري المكتمل تاليف واخراج وتمثيل وموسيقى الخ ...

وجمهور آخر يقف على العكس ويرى ان العمل سطحي ولا يمت للواقع بأي صلة..

ومن مسلسل لمسلسل تتواصل المعارك على السوشيال ميديا ويتبارز الجميع ببيانات واحصائيات أغلبها غير حقيقي أو غير موثق .. 

وفي هذا تصدر سره الباتع ومخرجه خالد يوسف قائمة الاكثر جذبا للخلافات التي وصلت حد استخدام مختلف الأسلحة المتاحة .. 

وتمتلئ القائمة بأعمال على رأسها سيرة الإمام وحضرة العمدة وجعفر العمدة وهرشة السنة السابعة وعملة نادرة .. وإلى آخر القائمة 

سره الباتع 

منذ الحلقات الأولى لمسلسل سره الباتع الذي يخرجه خالد يوسف في أول تجاربه في الدراما التلفزيونية، ظهر جليا وجود معسكرين ، الأول يروج للعمل باعتباره سيكون درة الدراما هذا العام خاصة مع وجود مخرج بحجم خالد يوسف والدعاية التي صاحبت رجوعه ، ووجود كم كبير من النجوم والممثلين كما أن العمل مأخوذ عن واحدة من أجمل وأهم قصص يوسف ادريس ..

لكن لم تكن الطرق ممهدة أمام المسلسل بل أن الهجوم بدأ منذ الحلقات الأولى، حيث اعتبر كثير من النقاد أن يوسف يقدم خلطة غير متمازجة، حاول أن يضع فيها كل مايراه من عوامل الربح والبيع ، فقدم طبخة امتزجت فيها قصة الحب ذات النكهة الشعبية، مع خطاب سياسي قوي عن الاستعمار الفرنسي والإمبريالية واستنزاف شعوب العالم الثالث، مع القليل من الكوميديا مع مزيج آخر يجمع الصوفية بالسلفية بالممثلات ذوات الأجساد المثيرة لجذب المشاهدين  الخ الخ .. 

 ونجح مسلسل سره الباتع في أن يوحد الموسيقيين ضد خالد يوسف بعد الأزمة بينه وبين الموسيقار راجح داود الذي اتهم يوسف باضافة مقاطع موسيقية لمؤلفين مجهولين إلى الموسيقى التصويرية للعمل إضافة إلى الاستعانة بمقاطع لراجح داود نفسه من أعمال قديمة ..

وقال داود في بيان أصدره "أنه من قبيل الجريمة بالنسبة لي أن تنسب الي موسيقى لم أؤلفها أو أقتبس ولو جملة من مؤلف موسيقي آخر وأنسبها لنفسي ، ومافعله المخرج خالد يوسف لا يجوز بأي حال من الأحوال ولا تحت أي ظرف من الظروف ولا يمكن تبريره بدعوى أن هناك أجزاء ناقصة تحتاج لموسيقى"

واختتم داود: "أعلن في هذا البيان عدم مسؤوليتي عن تلك الزيادات الموسيقية التي ليست من تأليفي ، وأحمل المسؤولية كاملة للمخرج وليس شركة الانتاج" .

وكان هذا اعلان عن تصعيد للمعركة على المسلسل خاصة عندما رد خالد يوسف بوضوح وقال أن هذا حقه كمخرج ، واتهم الموسيقار راجح داود بأنه سلّم الموسيقى التصويرية للمسلسل وهي غير مكتملة..

رد خالد يوسف شحن طاقة الغضب لدى الموسيقيين وعلى رأسهم مؤلفو الموسيقى التصويرية فأصدروا بياناً يعلنون فيه تضامنهم مع داود ضد خالد يوسف.

وكان رد خالد يوسف اعلان اعتزال الدراما التلفزيونية، مباشرة بعد مسلسل سره الباتع وقال أن الإنتاج الدرامي عملية مرهقة جداً.

معسكر المؤيدين والمعجبين بالمسلسل حاولوا مواجهة الانتقادات التي توجه له بالضعف والأخطاء التاريخية ، لكن أغلبهم اتفقوا على أن الحملة التي تشن لا تقصد المسلسل بقدر ما تسعى لتشويه المخرج وهو خالد يوسف ، وقال بعضهم أن العمل لو حمل اسم مخرج اخر لمر مرور الكرام وحظي باهتمام واعجاب. 

وقال نقاد أن من حق المخرج أن يختار ما شاء من مقاطع موسيقية سواء الموضوعة خصيصا للعمل أو أي موسيقى أخرى بشرط مراعاة حقوق الملكية والإشارة في التترات.

وقال الناقد عصام زكريا :"للأسف وكالعادة الموقف من العمل وشخصية مخرجه بتخلي الناس تتجاهل (أو هي جاهلة اصلا) ببديهيات حقوق المخرج.. وأعتقد لو كان هناك اعجاب عام بـ "سره الباتع" ومخرجه لما ظهر هذا الاحتجاج حتى من قبل راجح داود نفسه. وأعتقد أن خطأ خالد يوسف والشركة المنتجة يتمثل فقط في عدم نسب الحقوق الموسيقية بالتفصيل على التترات، وليس في استخدام المخرج لهذه المقاطع الموسيقية".

رسالة الإمام .. 

 رسالة الامام أشعل معركة من نوع مختلف احد طرفيها خبراء ومؤرخين ونقاد انتبهوا للأخطاء التاريخية التي وقع فيها العمل ، والطرف الآخر ضم صناع العمل وأصدقاءهم وعدد من النقاد والكثير من المتابعين .. إلا أن المعركة لم تخل من طرافة ومواقف محرجة ..

كان أهم الاتهامات التي وجهت للمسلسل الاستعانة بأبيات شعر على أنها من تاليف الشافعي واتضح ان مؤلفها شاعر سوري معروف.

كما نبه النقاد إلى وجود أخطاء تاريخية منها ظهور الإمام الشافعي يقف ذليلا مكسورا متوسلا أمام هارون الرشيد ومجموعة من السجانين، وهو ما لم يحدث كما صور المسلسل.

كما ذكر الدكتور أشرف حسن، المحاضر والباحث في اللغة العربية في جامعة بيرن بألمانيا، في سلسلة تغريدات على تويتر أن مسلسل رسالة الإمام تضمن حوارا في قصر الخليفة العباسي، الذي يفترض أن يكون المأمون، مع الإمام الشافعي سنة 198 هـ، ويتكلمان فيه عن "خلق القرآن""

وأضاف: حقيقة 1: الخليفة المأمون دخل بغداد سنة 204 هـ، رغم توليه الخلافة سنة 198. 

حقيقة 2: الخليفة المأمون اعتنق القول بـ"خلق القرآن" سنة 212 هـ، وبعدها بدأ ما عرف بـ"فتنة خلق القرآن" أو "المحنة. 

حقيقة 3: الإمام الشافعي توفي سنة 204 هـ في مصر، والإمام الشافعي لم يقابل المأمون".

وهناك أخطاء أخرى منها طلب الامام الشافعى من احد الاقباط صنع علاج لزوجته على الرغم ان الامام الشافعى كان يعلم و يتقن علم الطب و العلاج و التشريح.

المدافعون عن العمل تمسكوا بالمزايا التي حفل بها المسلسل منها التمثيل بالطبع وكذلك الابهار الذي استطاع ان يحققه مدير التصوير ومدير الاضاءة  .. وعوامل أخرى ..

وكتب مثلا الناقد محمود عبد الشكور يقول ان "تيمور تيمور مدير تصوير مسلسل رسالة الإمام من نجوم هذا العمل ببراعته في استغلال مصادر الضوء ، وتوظيفها لخدمة المشاهد دراميا، سواء في مشاهد الليل أو النهار، ومشاهد الليل أكثر صعوبة، لأننا في عصر يعتمد على الشموع والمشاعل، وكل هذا البناء البصري للمشاهد يتم بالتأكيد بالتنسيق مع المخرج الليث حجو.

في مشاهد كثيرة كان النور يساند الإمام الشافعي، ويدل عليه، ويحتويه، كما في مشهد حوار الإمام مع هارون الرشيد،  وفي مشهد آخر في الحلقة الرابعة، يفترش الضوء مساحة واسعة تغطي الشافعي والسيدة نفيسة معا في لقائهما الأول، وكأنه يترجم شخصياتهما النوارنية الشفافة، ويقدم في نفس الوقت تحية المصرييين لآل البيت، هكذا يرونهم، وهكذا يتباركون بأنوارهم.

في بيت الشافعي أمثلة كثيرة جدا لاستغلال النور الصادر عن النوافذ، بعضها واضح ومباشر، بالذات في مشهد اعتكاف الشافعي في صومعته للكتابة".

وأشاد نقاد بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وقالوا أنها عبرت عن قدراتها الإنتاجية بمسلسل ضخم من حيث الإنتاج وإمكانيات الطرح التي لا تقل عن أي عمل درامي تاريخي على المستوى المصري أو العربي .

وأشاروا إلى أن القدرات الإنتاجية لم تقتصر على الإنفاق في الإنتاج  ولكن تضمنت الحرص على اختيار الأفضل في كل تخصص، بداية من اختيار الممثل خالد النبوي، الذي يمتلك قدرات فنية كبيرة ساعدته على التعمق في الشخصية، واختيار مخرج سوري بحجم الليث حجو.

الهرشة السابعة 

كان المعيار الطبقي هو الأكثر وضوحا في المعركة التي نشبت حول مسلسل الهرشة السابعة ، والذي بدا كعمل مكتمل العناصر من حيث التمثيل والاخراج والتصوير وغير ذلك ، إلا أن هناك انقسام وقع بين معسكر يراه من أفضل الاعمال الاجتماعية الواقعية حيث يناقش علاقات الزوجين بعمق ووعي كبيرين ويشيد بواقعيته الشديدة، وعبقريته فى عرض وتناول الصراعات العادية اليومية فى العلاقات ..

وقالوا أن الهرشة السابعة يطل علينا بنعومته وواقعيته وحواراته وشجن صورته وموسيقاه، إضافة إلى حالة الشجن في  اغنية التتر والموسيقى التصويرية والأغاني المصاحبة للعمل.

 ومعسكر يراه منفصلاً عن الواقع حيث يمثل طبقة بعينها لم تعد موجودة كما ان المسلسل لم يخل من تساهل في تفاصيل اخرى واكتفى فقط باستعراض الحالة العطفية للأبطال دون باقي السياق مما ينزع عنه كونه واقعياً.

وعلى سبيل المثال يقول الناقد الدكتور شريف صالح أن:" الهرشة السابعة يأخذنا إلى دراما مترجمة، مستعارة بطريقة ما، فلو غيرنا أسماء الشخصيات يصلح أن يكون المسلسل أجنبياً.

ليس لأنّه يحفر في مشترك إنساني حول علاقات الحب والزواج، بل لأنه عولج دون حفر كافٍ في محليته، فالشوارع لا تكاد تظهر، وأبطال العمل أنفسهم لا يبدو لهم مرجعية دينية حتى في لحظات الضعف والانكسار، وعندما تظهر على الشاشة صورة لرئيس الحكومة في مشهد لا يكون لها أي معنى للممثل الذي يتفرج عليها، ولو كانت لقطة للدلاي لاما، فلن يتغير شيء.

ويكمل بالقول: ثمة فلترة كي لا ينغرس الفعل الدرامي في بيئته وجغرافيته، لتبقى الحوارات عائمة ومناسبة لأي مجتمع. هنا يفقد الفن شيئًا من خصوصيته، وذاتية تجربته. يمكن لأصدقاء وأزواج فرنسيين أن يجلسوا جلسة السمر كهذه، ويمكن لأزواج لبنانيين أن يفعلوا الشيء نفسه، ولكن ثمة حمولة خاصة بكل جلسة تميّزها عن غيرها.

هذا التضييق على البيئة، أو تحييدها، يظهر في تأطير السيارات حول عجلة القيادة والكرسي المجاور إذا كان يشغله آخر، بينما نادرًا ما يظهر الشارع وضجيجه، حتى محل "إبراهيم" (محمد محمود) والد نادين، تضيق الكاميرا لتؤطر فقط الدباديب الموجودة في داخله.
--------------------------
ماجدة فتحي