12 - 06 - 2025

"فاجنر".. كلمة السر في معارك بوتين

"فاجنر"..اسم يتردد كل يوم على ألسنة أهل السياسة والخبراء العسكريين، حتي يُخيل للمرء أنها باتت جزءًا من حياتنا، وليست مجرد مجموعة تقوم بتنفيذ مهام خاصة جداً في لحظات فارقة  بتاريخ بعض الدول التي توشك على السقوط..

لقبها البعض بفرقة "الأشباح" نظراً لإتمام مهامها في سرية جعلت الأطراف الدولية تخضع لشروط روسيا. هذه القوة لا ترفع اللواء الروسي ولا ترتدى زى الجيش الروسي، لكنها  تعد كلمة السر لدى رجل موسكو القوي: فلاديمير بوتين .

تساؤلات عديدة يثيرها الاسم، وأخري معقدة تطرحها متابعة الأحداث المرتبطة به: هل هى جماعات مسلحة تقوم بمهام نوعية خارج الحدود الروسية؟ أم شركة حراسات خاصة لها سمة دولية؟ أم فريق استخبارتى يقوم بمهام خاصة فى سبيل الحصول على المعلومات فى أماكن التواجد الروسى؟  متى بدأت ؟  وماهى مصادر تمويلها؟ وكيف أثرت على الوضع الاقتصادى والدبلوماسى والاجتماعى؟ ولماذا نالت هذا القدر من الشهرة ؟ وهل هى معلومة العدد والعدة والعتاد؟ .

بدأت معرفة الخبراء العسكريين بفرقة "فاجنر" خلال معارك  "دير الزور" في سوريا، بعدما تحدثت عنها وكالات الأنباء الأمريكية.

تعود هذه المعارك إلى عام 2015 ، عندما دارت اشتباكات عنيفة بين تنظيم داعش والقوات السورية ، بالتزامن مع تعرض سوريا  لغارات جوية إسرائيلية، ناهيك عن تواجد عصابات بالداخل السوري وعلى الحدود السورية. كانت القوات الدولية تخدم أهداف داعش في الخفاء؛ ما جعل القوات السورية فى موقف المضطر للاستعانة بالحليف الروسى، خاصة بعد أن سيطر التنظيم الإرهابي على المناطق الاستراتيجية، وكذلك بعض مخازن الأدوية والمستشفيات والمصانع وغيرها من اللوجستيات الحيوية.

زاد هذا الاضطرار مع استمرار الأمم المتحدة في مواقفها الرخوة، والتي كانت تراهن فقط إما علي لجان تقصى حقائق أو قوات ضعيفة لحفظ السلام، أما قرارات المنظمة الدولية فكانت في الغالب متأخرة وعاجزة؛ ما جعل كل ساعة تمر تضيف المزيد إلى قوائم القتلى والجرحى من السوريين. 

لم يكن أمام السوريين إلا إعادة الاستعانة بالمجموعة الروسية الفتاكة، التي سبق لها أن هزمت داعش في مدينة "تدمر" الواقعة بالريف الشرقي لمدينة حمص.

كانت المدينة  قد شهدت مذابح بشعة بواسطة داعش، فضلاً عن تدمير أهم المؤسسات وسرقتها ونهب الآثار وسقوط وفرار الآلاف من الضحايا السوريين، استغلت داعش تغافل القوات الأمريكية واستطاعت أن تفرض سيطرتها  علي المدينة، مستظلة بغطاء جوى من الطيران الأمريكي يفوق - بطبيعة الحال- التسليح السوري.

 قتلت داعش كل من تصدى أو لم يتصد لها فى مشهد لاتحكمة إنسانية ولا قانون أو عدل  وتم صلب المقاومين فى الميادين العامة وكان من بينهم علماء، كما أسرت بعض العاملين بالقطاعات المختلفة حتى توقفت مظاهر الحياة في المدينة تماماً، و شاع الخوف والذعر من سقوط سوريا ككل. 

في هذه اللحظة،  تسللت قوات "فاجنر "و إنضمت  إلى أهل المدينة ودارات معارك كثيفة كان من نتائجها استعادة السيطرة على حقول الغاز والمنشآت الإدارية وتأمين المناطق الأستراتيجية بما فيها المراكز البحثية والمستشفيات وبعض المداراس؛ ثم قامت "فاجنر" باستدعاء آخر ما تبقى من الفنيين لتشغيل حقول الغاز ونجحت في إحداث تغيير فى موازيين القوى ، ولذلك سمي أفراد هذه الفرقة بصائدي داعش . 

بعد ذلك، نزلت هذه القوات فى سرية تامة وانضمت الى القوات الروسية الرسمية في مدينة دير الزور وعين العرب ومنبع سميت بغزوة ام خشام وعلى مقربة من الضفة الشرقية لنهر الفرات وأحكمت السيطرة على هذه المنطقة ضد داعش ونتج عن ذلك تراجع القوات الامريكية . بعد ذلك،  التحقت "فاجنر" بالاشتباكات في مدينة اللاذقية، وأيضا في إدلب.

 أما مصادر تمويل "فاجنر"، فهي غير معروفة، وكل ما قيل في هذا الشأن أن الحكومة السورية عقدت اتفاقًا معها باعتبارها شركة حراسات خاصة لتشغيل بعض حقول الغاز وحمايتها؛  مقابل 25% من قيمة الغاز المستخرج. وهو ما قد يفسر قوة الذراع الاقتصادي لفاجنر.

في نفس الاتجاه، نشرت بعض  الصحف الفرنسية تقارير حول دور محتمل للشركة في مالي، وذلك بعد تحقيق  ضربات للسلطات الفرنسية واستعادة بعض  المناجم والثروات التى تسيطر عليها جماعات قبلية لصالح فرنسا.

يشار أيضًا إلي هذه الفرقة شاركت في أعمال عسكرية داخل بلدان أفريقية وأحدثت تصدعاً كبيراً بالوقوف ضد الجماعات المتطرفة التي كانت تدعمها قوات أجنبية ورجال أعمال.

تضم" فاجنر" عناصر فائقة القدرات في مختلف مجالات عملها. يعود ذلك إلي نجاحها في استقطاب خبرات العاملين فى قطاع الصناعة والتعدين، وكذلك جنود وضباط سابقين، وأعضاء من مجموعات اللواء الأحمر ومن قوميات الاتحاد السوفيتى السابق. نجحت الشركة في توظيف هذه الخبرات تبعاً لقطاعات عملهم، بعيًدا عن ميزانية الدولة الروسية، بل أنها ساعدت من تخفيف أعباء الجيش الروسى وساعدت في رفع كفاءة التشغيل فيه هى وغيرها من شركات الحراسات الخاصة التى تم دمجها في الاقتصاد الروسى ...

تقول المعلومات المتوافرة، أن فاجنر رفعت  أعداد أفرادها مع الوقت ونجحت في تطوير قدراتهم وجاهزيتهم، لتستفيد من قوتهم في تحقيق أعمال لافتة في دول عديدة. ألحقت القوات التابعة للشركة خسائر بالقوات الأوكرانية في القرم وفى أوكرانيا نفسها وكذلك في سوريا وليبيا والسودان ومالى، والأهم أنها نجحت في تغيير ميزان القوي لصالح روسيا في كثير من المناطق.

ورغم أن هذه الشركة لم تكن الأولى من نوعها، كما أنها  لن تكون الأخيرة من نوعها، فإنها تتميز عي الجميع بالأثر الفارق الذي أحدثته في تدخلاتها المختلفة لصالح روسيا ، فضلًا عن أنها فعلت كل ما فعلته، دون أن تًحمل موسكو أي مسؤولية قانونية أو أعباء مالية.
-------------------------------
بقلم: وسام عبد المجيد *
* باحثة

مقالات اخرى للكاتب